الصحافة

أوهن من بيت العنكبوت

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم تكد "مهلة الشهرين" الأميركية الممنوحة لطهران لتسوية ملفها النووي تنتهي مساء الخميس، حتى باشرت إسرائيل فجر الجمعة بعملية تحت اسم مستوحى من التوراة هو "الأسد الصاعد"، ضدّ إيران وبرنامجها النووي. وكما سبق أن كتبتُ في أكثر من مقال أن ضعف الجمهورية الإسلامية الناتج عن تداعيات هجوم 7 أكتوبر، وانكشافها استراتيجياً وأمنياً وعسكرياً أمام الدولة اليهودية التي مهّدت لـ "ساعة الصفر" بإعطاب دفاعات طهران الجوّية وأذرعها في الإقليم، سيوفر "فرصة تاريخية" نادرة لتل أبيب للتخلّص من البرنامج النووي الإيراني، وربّما من نظام الملالي، إنما هذا يبقى مرتبطاً بحجم ردود إيران ومحورها، أو ما تبقى منه، وبمعطيات أخرى. بعد مسلسل طويل من التهديدات العلنية والوعيد من قِبل الملالي وحلفائهم، بإزالة إسرائيل من الخريطة بظرف ساعات معدودات، ها هي تل أبيب تبادر بالانقضاض على إيران، التي غدت "أوهن من بيت العنكبوت".

انهارت كلّ فنون دبلوماسية "حياكة السجّاد" وشراء الوقت التي برعت بها طهران، عند مطلع فجر 13 حزيران. أصبحت إيران تحت النار الإسرائيلية التي تلتهم في طريقها منشآت ومواقع نووية وحيوية واستراتيجية، وكبار القادة العسكريين والأمنيين وعلماء نوويين... والحبل ما زال على الجرّار. أخطأت طهران في قراءة موازين القوى والمتغيّرات الإقليمية، أو أقلّه لم تتكيّف على هذا الأساس. كما أخطأت في تقدير الموقف الأميركي وجدّية تحذيرات الرئيس دونالد ترامب المتكرّرة وقرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التعامل مع ما يعتبره "رأس الأفعى"، وسقطت في "فخ مصطنع" عن خلاف أميركي - إسرائيلي مزعوم. لم يستطع النظام الثيوقراطي الإيراني التنازل أكثر، فلقد خسر الكثير منذ "طوفان الأقصى"، ويريد وقف النزيف، بيد أن الملالي لم يدركوا باكراً أن كلفة التعنت في قضية حساسة كالملف النووي في مواجهة أميركا وإسرائيل، ستكون باهظة الثمن.

بدأت إيران التفاوض مع أميركا بوساطة عُمانية في 12 نيسان الماضي، تحت ضغط هائل فرضه الحشد العسكري الأميركي في المنطقة. وبعدما لم يؤتِ التلويح بالعصا ثماره، أطلقت واشنطن يد تل أبيب العسكرية، لكنها أبقت باب التفاوض مفتوحاً. أميركا تُخيّر إيران اليوم بين تسعير الحملة العسكرية ضدّها أو القبول بالشروط الأميركية وإبرام صفقة تُنقذ ما يُمكن إنقاذه قبل فوات الأوان. تقف طهران في موقف لا تُحسد عليه إطلاقاً، فالنظام محاصر بخيارات أحلاها مرّ، وأي خطوة كبيرة إلى الوراء أو الأمام قد يكون وقعها كـ "الضربة القاضية". صار مصير "محادثات مسقط" معلّقاً بانتظار قرار المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، الذي استحالت حساباته أكثر تعقيداً بما لا يُقاس مقارنة مع زمن "الصبر الاستراتيجي".

طبيعة النظام الإيراني ستُصعّب عليه في مثل هذه الظروف العسيرة والدقيقة اتخاذ القرارات الأكثر عقلانية. فطهران تحت صدمة افتتاح تل أبيب "موسم اغتيالات" مرعباً قضى على سلسلة قيادات ونخب إيرانية من الصف الأوّل خلال "الموجة الأولى" فقط. يخشى خامنئي أن يُشبّهه التاريخ بملك ملوك بلاد فارس داريوس الثالث. يقف المرشد الأعلى أمام مفترق طرق كان يُفضّل ألف مرّة ألّا يواجهها نظامه أبداً أو أقلّه أن يتعامل معها خليفته (الذي قد لا يأتي) بعد رحيله، وإذ به يصطدم بـ "الحقيقة المُرّة" التي قد تضع "المسمار الأخير" في نعش نظامه، إذا لم ينجح في عبور "الامتحان الأصعب". الردّ الإيراني على إسرائيل، حتى كتابة هذه السطور، لم يكن متماثلاً مع حجم الخسائر الموجعة والأضرار الجسيمة التي تكبّدتها الجمهورية الإسلامية.

تراقب واشنطن وتل أبيب حجم وقوّة الردود الإيرانية، وتقيسان قدرات طهران على الاستمرار بالردّ المضاد، فيما تجهد الذراع الاستخباراتية والعسكرية الطويلة لتل أبيب لشلّ تلك القدرات ونسفها على نحو واسع. صحيح أن خوْر إيران لن يُسعفها في هذه المواجهة، بيد أن أي ردّ مؤلم لطهران ضدّ إسرائيل سيجعل الأخيرة توجّه ضربات أشدّ بَأساً، متسلّحة بتفوّقها التكنولوجي والعسكري والاستخباراتي المذهل، فكيف الحال إن طالت بعض الردود الإيرانية القواعد الأميركية في المنطقة؟ ما زال ترامب يُفضل قبول إيران بصفقة جديدة تُقيّد يديها نووياً وتثبّت تحجيم دورها الإقليمي، إلّا أن الرئيس الجمهوري لن يستسيغ أي استهداف للأميركيين، فهذا "خط أحمر" سيترتب عنه دخول القيادة المركزية الأميركية "ساحة المعركة".

ما نشهده اليوم ليس سوى نتيجة طبيعية لمسار متشعّب أوصل إيران، رجل الشرق الأوسط المريض، إلى هذه المرحلة الحرجة بالذات. يحسم الروائي الشهير جورج مارتن رأيه بمصير لاعبي "صراع العروش" بالقول: "عندما تلعب لعبة العروش، إمّا أن تفوز وإمّا أن تموت. ليس هناك من حلّ وسط!". طبعاً، المسألة ليست بهذه البساطة في الصراعات الإقليمية ذات الأبعاد الجيوسياسية المتشابكة والمعقدة، إلّا أن مَن شيّد نظامه على خطابات "إزالة إسرائيل من الوجود"، كان عليه الإعداد أكثر لمثل هذه الأزمنة المصيرية في وجه عدوّ لدود كإسرائيل. يُمتحن النظام الإيراني بـ "الحديد والنار" في "ساعة اختبار" تحصل مرّة كلّ نصف قرن، وما سيُقدِم عليه في الساعات والأيام المقبلة سيُترجم عملياً مدى "حنكته" وقدرته على الصمود والردّ المضاد، بعيداً من ترّهات الشعارات الديماغوجية الفارغة. وعند الامتحان يكرم المرء أو يُهان.

جوزف حبيب -نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا