المصير واحد لإيران وأذرعها
أصبح معروفاً أن إسرائيل لن توقف حربها العسكرية التي أطلقها السنوار مع "طوفان الأقصى" قبل إنهاء القدرات العسكرية لمحور الممانعة من أجل أن تضمن استمرارية وجودها وتطوي، مبدئياً، آخر حروبها.
وكان معروفاً أن تل أبيب لن تكتفي بأذرع إيران، إنما ستستهدف رأس الأخطبوط الذي لولاه لا وجود لهذه الأذرع، ولا يكفي بنظرها التخلُّص من الفروع وترك الأصل يسرح ويمرح، لأنه سيعيد، عندما يلتقط أنفاسه، إحياء هذه الفروع أو تأسيس غيرها.
ومعلوم أن إحدى وظائف الأذرع أنها منصات دفاعية عن إيران، وقد نجحت إسرائيل في إخراجها من الخدمة العسكرية لدى هجومها على طهران، وحتى لو قرّرت الدخول أصبحت بلا تأثير بعد أن دمِّرت عسكرياً ولم يبق منها سوى الجيوب، ودخول "حزب الله" عندما كان في أوّج قوته لمساندة "حماس" لم يساندها بشيء باستثناء تدمير نفسه، وكيف بالحري بعدما أصبح محاصراً من الجهات كلها وخسر قدراته ويخشى من تهجير من تبقى من بيئته غير مهجّر؟
ومع انطلاق الحرب الإسرائيلية على إيران، يمكن القول إن حرب الطوفان شارفت على الانتهاء، والمنطقة على موعد قريب مع شرق أوسط جديد من دون الدور الإيراني المزعزع للاستقرار، وقد كشفت حرب السنوار ثلاث حقائق أساسية:
الحقيقة الأولى أن إيران فاشلة في الحروب الكلاسيكية، وأنها حالة دعائية أكثر منها فعلية، فلا قدرات استخباراتية، وسلاحها الجوي ضعيف، وقوتها الأساسية تكمن في صواريخها الباليستية التدميرية، فيما التفوُّق الإسرائيلي الكبير عليها مرده إلى بنك المعلومات الذي لديها وسلاحها الجوي، وكما هزمها صدام سابقاً سيهزمها نتنياهو راهناً، ولكن في وقت قياسي طبعاً.
الحقيقة الثانية أن إيران ضعيفة جداً أمام أميركا وإسرائيل، وقوية بواسطة ميليشياتها في الدول المفتتة والمنقسمة وغير المستقرة، وأولويتها الفعلية السيطرة على الساحات التي تتواجد فيها بهدف إلحاقها بإيران، فيما أولويتها الشكلية تصوير أن مواجهتها هي مع واشنطن وتل أبيب، وعندما دخلت جدياً في هذه المواجهة كان سقوطها مريعاً.
الحقيقة الثالثة أن إيران استفادت من غض النظر حيالها والحسابات الدولية الخاطئة التي سمحت لها بأن تتحوّل إلى إمبراطورية تخريبية، والخطيئة الكبرى بدأت مع إسقاط الحاجز العراقي وصولاً إلى توقيع الرئيس باراك أوباما الاتفاق النووي معها، ما سمح لها باستخدام أموالها في نشر الإرهاب، ولكن عندما تقرّرت إزالة خطرها دمِّر ما بنته كله منذ تأسيسها في العام 1979.
وعلى الرغم من الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من أميركا، إلا أن قرار ليَ ذراع الخامنئي اتخذه نتنياهو، ولو لم يتخِّذ هذا القرار لما أقدمت واشنطن على تنفيذ هذه المهمة، إنما كانت واصلت عقوباتها التي لم تحدّ من الدور الإيراني، ولو كان مثلاً على رأس الحكومة في إسرائيل عندما نفّذ السنوار عمليته إيهود أولمرت، الذي خاض حرب تموز 2006 رداً على خطف "حزب الله" للجنود الإسرائيليين، لما كان أعلنها، ربما، حرباً مفتوحة على المحور برمته، فيما نتنياهو تمكّن من هزيمة الخامنئي وإنهاء الثورة الإيرانية.
ومعلوم أن نتنياهو كان ينتظر هذه اللحظة، ودخل في خلاف مع الرئيس الأميركي بسبب سعيه إلى صفقة مع طهران، وانتظاره هذه اللحظة يعني أنه كان مستعداً للحرب على غرار استعداده للحرب مع "حزب الله"، ولو لم يكن متأكداً من النصر لما جازف بدخول الحرب، وهذا ما لم يدركه الخامنئي الذي أوقعه غروره في خطأ مثلّث:
الخطأ الأول اعتقاده أن نتنياهو لن يجرؤ على الدخول في حرب مباشرة معه، وأن كلامه عن الحرب يندرج في إطار التهويل فحسب، وأقصى ما يمكن أن يفعله ضربات موضعية على غرار ما حصل في مرات سابقة، فأخطأ التقدير والحساب.
الخطأ الثاني أنه لم يتنبّه إلى أن الهدف من الهجومين اللذين شنّتهما إسرائيل ضدّه إبان حربها على "حماس" و"حزب الله" استكشاف دفاعاته وهجومه ومدى استعداده للدخول في الحرب، وبالتالي كانا في سياق "البروفا" استعداداً للمنازلة الكبرى، ولم يقرأ دلالاتهما ولا خلفيتهما الاستكشافية لقدراته وردود فعله.
الخطأ الثالث والفادح أنه لم يفهم بأن إسرائيل لن تكتفي بالتخلُّص من الأذرع، وأن حربها الوجودية لن تتوقّف قبل تعطيل المحرِّك لهذه الأذرع، وهذا ينم عن غرور أعمى بصيرته، لأن أي متابع كان متأكداً بأن حرب "الطوفان" لن تنتهي إلا بعد تخلُّص إسرائيل من الخطر الإيراني المزدوج: النووي والدور الميليشياوي.
وقد قدّم له ترامب فعلاً حبل نجاة ولو التقطه لكان أنقذ نفسه من حرب ستدمِّر قدراته العسكرية والنووية، وتفرض عليه في الوقت نفسه تجرُّع السمّ (نوشيدن جام زهر) بتوقيعه الاتفاق النووي بالشروط الأميركية، ولكنه اعتقد أن بإمكانه مواصلة السياسة القديمة القائمة على التذاكي وشراء الوقت وحافة الهاوية التي سقط فيها.
تخوض إسرائيل الفصل الأخير من حرب "الطوفان"، ولن ينتهي هذا الفصل سوى باستسلام إيران وقطع أذرعها النووية والعسكرية، وهذا لا يعني أن أزمات المنطقة ستنتهي مع انتهاء الدور الإيراني التخريبي، ولكن مقاربة هذه الأزمات ستختلف، وستكون المنطقة أمام تحديات جديدة في ظل توازنات مختلفة، والمستفيد الأكبر من هذا الواقع الجديد هو لبنان كونه كان المتضرِّر الأكبر من المحور الإيراني.
شارل جبور -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|