هو موجود بين الإيرانيين اليوم... فمتى يقلب ورقة الروزنامة عن سنة 1979؟
آخر حروب الشرق الأوسط
لم يكن يحيى السنوار يتصوّر، ليلة السادس من أكتوبر من العام 2023، أن فكرته العبقرية تكتيكياً، الحمقاء استراتيجياً، ستكون شرارة انطلاق سلسلة من الأحداث المتتالية تنهي عملياً تاريخ الحروب الكبرى في الشرق الأوسط الحديث.
من الحروب العربية - الإسرائيليّة في عامي 1967 و 1973، إلى الحرب الإيرانية - العراقية في الثمانينات، إلى حرب اجتياح العراق في العام 2003، وما بينهما وما لحق بها من حروب أهلية اثنيّة الطابع. إن الحرب الإسرائيلية - الإيرانية المندلعة الآن، ستكون على الأرجح (إلا إذا حدث طارئ غير متوقّع) آخر حروب هذه المنطقة من العالم. إذا إنها ستنتهي بشبه استسلام نظام الملالي في إيران، ليس فقط بالمعنى النووي بل بمثلّث قوته الاستراتيجية: برنامج التخصيب النووي، القدرات الباليستية والمسيرات، وأذرعها الميليشياوية في المنطقة العربية. يبقى السؤال مفتوحاً في ما خصّ الجهود الرامية إلى تغيير النظام (بالرهان على عناصر قوّة داخليّة تستفيد من الزخم العسكري الإسرائيلي)، مع أن السيناريو الأرجح هو السيناريو الصربي بعد حرب كوسوفو. بحيث جرّد زعيم المشروع التوسعي - الاثني سلوبودان ميلوسيفيتش من كل مكامن قوّته الإقليميّة والعسكرية في العام 1999، وما لبث أن اسقطه الشعب الصربي في ثورة شعبية في العام التالي، ومن ثم اعتقله الأمن الصربي وأرسله إلى لاهاي في العام 2001. منذ ذلك اليوم لم تشهد منطقة البلقان أي أعمال عنف استراتيجية الطابع بين الدول أو بداخلها، ما عدا بعض الأحداث هنا وهناك.
منذ عقدين إلى يومنا هذا شكّلت إيران الخمينية العمود الفقري للحروب في منطقة الشرق الأوسط، أكان ذلك بمعنى استمرارية الصراع مع إسرائيل أو الحروب الأهلية المتعدّدة التي رعتها. ولم تكتفِ إيران هذه بإشعال تلك الحروب، بل عملت جاهدة على تعطيل أي إمكانية لتبلور مشروع السلام في المنطقة، بدءاً من تفجيرات حماس في بداية التسعينات رداً على اتّفاقية أوسلو وصولاً إلى عمليّة السابع من أكتوبر من العام 2023. وفي ذلك الجهد كانت إيران الخمينيّة شريكاً فعالاً لليمين الإسرائيلي المتطرّف، الذي واكبها في كل مغامراتها المعادية لإنهاء الصراع: من مقتل عميد السلام الإسرائيلي إسحاق رابين على يد متطرّف يهودي في العام 1995 (من نفس نسل الوزراء سموتريتش وبن غفير)، إلى "اجتياح" إسرائيل في عملية "طوفان الأقصى"، والذي أتى رداً ليس على الظلم بحقّ الفلسطينيين (كانت حماس قد اتمّت للتو اتفاقية تسمح لأهل غزّة بالعمل في إسرائيل) بل - وباعتراف قادة حماس بعد العمليّة – رداً على التقدّم الجدي في المفاوضات السعودية - الإسرائيليّة. و قد أدّت عملية 7 أكتوبر إلى إعادة إحياء اليمين الإسرائيلي الذي كان على مشارف الانتحار - الانهيار السياسي مع بلوغ التظاهرات المعادية له داخل إسرائيل ذروتها. يكفي الاطلاع على شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في استطلاعات الرأي قبيل العملية (نعم في إسرائيل استطلاعات رأي حقيقيّة وموثوقة) ومقارنتها بشعبيّته اليوم، بعد أن أدار شخصياً أنجح عمليّة سياسية - عسكرية لتغيير وجه الشرق الأوسط منذ انتهاء الحرب الباردة.
لم تكتفِ إيران بذلك على مدى عقود. بل أنشأت (حزب الله في لبنان) أو رعت (أنصار الله في اليمن) مجموعة كبيرة من الميليشيات الطائفيّة التي كان جزء أساسي من وظيفتها منع استفراد إيران في أي مواجهة مع إسرائيل أو الولايات المتّحدة. ولكن العنصر الأيديولوجي معطوفاً على عدم قدرة هذه الميليشيات على الإمساك بالدول المتعدّدة إثنياً بالطرق الديمقراطية أدى بطبيعة الحال إلى نشوء سلسلة حروب أهلية في لبنان والعراق واليمن وسوريا، حوّلت المنطقة بأكملها إلى بركان متنقّل من التقاتل الأهلي العابر للحدود الوطنية. مع انهيار قدرة إيران على التمدّد والتوسّع عسكرياً وعقائدياً ومالياً، سيبدأ العمل الجديّ على إنهاء كل هذه الصراعات، تماماً كما حصل مع انهيار نظامي صربيا وكرواتيا إبّان حروب البلقان. لا يعني ذلك أن إدارة الدول المتنوّعة إثنياً ستكون سهلة أو تلقائية، إلا أن انتهاء عصر الأيديولوجيا المطعّمة مذهبياً والعابرة للحدود سيسهّل بنسبة كبيرة حلّ هذه المعضلات، كما أنه (على الأقل) سيمنع تحوّلها إلى بحر من الدماء.
إننا نشهد بهذا المعنى جزءاً من "نهاية التاريخ" الشرق أوسطي. التحديات المقبلة على صعيد بناء الدول والمجتمعات الناجحة والمتطوّرة والحديثة كثيرة. ولكن ما يسهّل إنتاجها هو "النموذج الخليجي" الذي استطاع بناء دول على تماس مع تحديات القرن الواحد والعشرين. أما لبنان، فهو المستفيد الأول والأكبر، إذا نجحت التجربة السياسية الناشئة حديثاً في استغلال التطورات الجارية في المنطقة. بانتظار ذلك، يكفينا سعادة أن نخوض أول تجربة حياد عملي في صراعات المنطقة منذ العام 1973 (ولو حزب الله محيّد بالقوّة الإسرائيلية وليس بالدولة اللبنانية أو القناعة الذاتية). من "وحدة الساحات" إلى "حياد لبنان" في بضعة أشهر، فكيف لنا ألّا نتفاءل؟
صالح المشنوق - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|