نعيم قاسم: نحن الى جانب إيران ولسنا على الحياد ونتصرف بما نراه مناسباً
الجنوب تحت مظلة القرار 1701: تمسك لبناني ورسائل إلى المجتمع الدولي
الموقف الذي عبّر عنه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في خلال لقائه امس مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام جان بيار لاكروا في قصر بعبدا، لم يكن مجرد تأكيد بروتوكولي على التزام لبنان بقرارات الأمم المتحدة، بل جاء في لحظة حرجة تزداد فيها التحديات الأمنية والسياسية على الحدود الجنوبية للبنان، وتتسارع فيها التطورات الإقليمية والدولية التي قد تؤثر سلباً على مهمة "اليونيفيل" وقواعد عملها، بما يستوجب موقفاً صلباً وواضحاً من الدولة اللبنانية في دعم وجودها والتشديد على دورها المحوري في تطبيق القرار 1701.
الرئيس عون وضع النقاط على الحروف، مشدداً على تمسك لبنان ببقاء قوات "اليونيفيل" في الجنوب باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من منظومة الحفاظ على الاستقرار، وركيزة للتوازن الهش القائم منذ ما بعد حرب تموز 2006، وما تلاها من حرب الـ 66 يوما المدمرة. وهذا الموقف لم يكن منفصلاً عن السياق العسكري والسياسي الذي يعيشه لبنان اليوم، بل أتى ليكرّس معادلة واضحة مفادها أن أي بحث في تعديل مهمة القوات الدولية أو تقليص عددها وتمويلها لن يكون على حساب الأمن في الجنوب أو السيادة اللبنانية، وهو ما شدد عليه رئيس الجمهورية حين أشار إلى ضرورة مواصلة الدعم المالي من الدول الممولة لهذه القوات، وعدم تعريض مهمتها لأي نكسة قد تنعكس سلباً على الأمن المحلي والإقليمي.
كما لم يغفل الرئيس عون الإشارة إلى أن لبنان التزم بكل ما فرضه القرار 1701، ويواصل تعاونه مع "اليونيفيل" عبر الجيش اللبناني الذي لا يزال يتولى مسؤولياته في الجنوب رغم الظروف الصعبة التي تمر بها المؤسسة العسكرية، سواء على مستوى العتاد أو الدعم اللوجستي أو التمويل. لكنه ذكّر في المقابل أن إسرائيل لم تلتزم يوماً بما يترتب عليها بموجب القرار، إذ لا تزال تحتل أراضي لبنانية من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والتلال الخمس وتواصل خرق السيادة اللبنانية جواً وبراً وبحراً، وتعتدي بشكل دوري على القرى الجنوبية، وتحرم لبنان من موارده في المناطق الحدودية، عدا عن استمرارها في احتجاز أسرى لبنانيين في معتقلاتها.
من جهته، حمل كلام لاكروا إشارات متعددة يجب التوقف عندها، أبرزها الإشارة إلى أن طلب التمديد لليونيفيل هو موضع بحث دولي عميق، وسط تباينات في وجهات النظر بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن بشأن المهمة والتفويض والصلاحيات. ورغم تأكيده التزام الأمم المتحدة دعم لبنان ومساندته في الحفاظ على وجود "اليونيفيل"، فإن تلميحه إلى هذه التباينات يعيد فتح النقاش القديم حول صلاحيات هذه القوة، والتجاذب الحاصل بين من يدفع نحو توسيعها أو تعديلها خارج التنسيق مع الدولة اللبنانية، ومن يصر على ضرورة الحفاظ على صيغة الشراكة الثلاثية بين "اليونيفيل" والجيش اللبناني والحكومة اللبنانية كما تنص عليها القوانين الدولية والقرارات المعنية.
الحوار الذي دار في قصر بعبدا لا يمكن فصله أيضاً عن السياق الإقليمي المتوتر، خصوصاً في ظل استمرار الحرب في غزة، والتصعيد المتواصل على الجبهة اللبنانية الجنوبية، والحرب الدائرة بين اسرائيل وايران. فكل مسعى للحفاظ على الاستقرار يتطلب تثبيت قواعد الاشتباك وعدم جر لبنان إلى حرب واسعة، وأي خلل في التنسيق أو في مهمة "اليونيفيل" قد يُستخدم ذريعة لتوسيع العدوان الإسرائيلي تحت عنوان "ثغرات أمنية" أو "غياب الرقابة الدولية".
إن الرسالة الأهم التي خرجت من الاجتماع هي أن لبنان، رغم كل أزماته، لا يزال متمسكاً بثوابته السيادية، ويريد أن تكون علاقته بالأمم المتحدة مبنية على الشراكة لا الإملاء، وعلى التعاون لا التهميش، وعلى الدعم الفعلي لا الخطابات الرمزية. وفي هذا السياق، فإن الاتصالات التي سيجريها لبنان مع الدول الصديقة والداعمة ستشكل اختباراً لمدى جدية المجتمع الدولي في حماية الجنوب اللبناني ومنع انزلاقه إلى الفوضى.
إن بقاء "اليونيفيل" في الجنوب ليس مجرد قرار أممي يتجدد سنوياً، بل هو جزء من منظومة ردع متكاملة تحمي لبنان من مخاطر التهور الإسرائيلي، وتمنح الجيش اللبناني هامشاً أوسع للتحرك والمراقبة والاحتواء، في ظل ظروف اقتصادية خانقة. وعلى المجتمع الدولي أن يدرك أن أي تراجع في دعم هذه القوات أو تقليص مهمتها لن يصب إلا في مصلحة التصعيد والفوضى، بينما المطلوب اليوم هو العكس تماماً: التهدئة وتثبيت قواعد السلام.
من هنا، فإن الرهان الحقيقي ليس فقط على بيانات التضامن، بل على الترجمة العملية للدعم عبر تجديد تفويض "اليونيفيل" بلا تعديل يمس جوهر دورها، وتوفير التمويل اللازم لها، وفرض ضغط حقيقي على إسرائيل للالتزام بالقرار 1701 بكل مندرجاته، لأن الاستقرار في الجنوب ليس هبة مجانية بل معادلة دقيقة تحفظها التوازنات لا التمنيات.
داود رمال – "اخبار اليوم"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|