الصحافة

هل يدمّر نتنياهو النّوويّ بالنّوويّ؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أولى النتائج السياسية للحرب الإسرائيلية على إيران هي عودة حزب بنيامين نتنياهو إلى المرتبة الأولى في استطلاعات الرأي، متقدّماً على حزب منافسه نفتالي بينيت. الإسرائيليون توّاقون إلى التخلّص من التهديد النووي والبالستي الإيراني.

أظهر استطلاع جديد أجرته القناة 13 الإسرائيلية، ونشرت نتائجه مساء الأربعاء، أنّ حزب الليكود عاد ليكون الحزب الأكبر في إسرائيل في ظلّ الحرب، وذلك للمرّة الأولى منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023. وبحسب النتائج، حصل حزب نتنياهو على 27 مقعداً، مرتفعاً بثلاثة مقاعد مقارنة بالاستطلاع السابق الذي نُشر قبل أسبوع. في المقابل، تراجع حزب “بينيت 2026″، من 27 إلى 24 مقعداً. الأهم في نتائج الاستطلاع أن 75% من المستطلعين يدعمون إكمال المهمة الحربية حتى النهاية.

لا غرابة في نتائج كهذه، ذلك أنّ حروب الإبادة في غزّة والجموح الجنوني في لبنان وسوريا وإيران بيّنت كم مثقلة غالبيّة المجتمع الإسرائيلي بالحقد والكراهية وتعاني من “انفصام سياسي” عن الواقع، وأنّ شخصيّة عدوانيّة نرجسية براغماتيّة مثل نتنياهو خير من يمثّلها.

ضرب إيران معبرٌ إلى التّاريخ


يحتاج رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى بقاء حالة الحرب والطوارئ لضمان بقاء ائتلافه الحاكم. يسعى بكلّ قوّة إلى طمس صورة الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر ومحو عاره، ولا يريد أن يُذكَر في كتب التاريخ باعتباره المسؤول عن أكبر فشل أمنيّ في تاريخ إسرائيل. بل يطمح لأن يُذكَر اسمه بوصفه القائد الذي قضى على المشروع النووي الإيراني، وحمى إسرائيل من أكبر تهديد وجوديّ لطالما حذّر منه منذ نحو عقدين. تحرِف الحرب الكبرى مع إيران الأنظار عن محرقة غزّة، والمشكلات الداخلية في إسرائيل، وتضعف الاهتمام بقضيّة الأسرى والمخطوفين. ضرب إيران هو المعبر إلى التاريخ، وهو الإنجاز الإسرائيلي الذي سيسجَّل إلى الأبد، ويؤدّي إلى امتلاك مفاتيح الشرق الأوسط إلى أجل غير منظور.

كسر إيران مغامرة عسكرية غير مضمونة النتائج تماماً. تمتلك إسرائيل تفوّقاً جوّيّاً واستخباريّاً واضحاً، ونجحت خدعتها الأولى وفاجأت الإيرانيين بضربات قاسية لقدراتهم العسكرية والمنشآت النووية. لكنّ نشوة الساعات الأولى قد تتحوّل إلى عبء سياسي وأمنيّ إذا تمكّنت طهران من امتصاص الضربة وتوجيه ردّ مؤلم. صحيح أنّ الحرب خدعة، لكنّ الحسم في الحالة الإيرانية لا يكون إلّا بالتدمير الشامل للمشروع النووي الإيراني، وإلّا فإنّ فشله سيكون فرصة للإيرانيين لتسريع المشروع وامتلاك القنبلة. يحتاج الأمر إلى المساعدة الأميركية أو اللجوء إلى الخيار الياباني أو ما تسمّيه إسرائيل “خيار شمشون”، أي “عليّ وعلى أعدائي”.


لبّ المشروع النووي الإيراني منشأة “فوردو” المدفونة قرب قم في جرف جبليّ تحت “سابع أرض”. لا ينفكّ رئيس مجلس الأمن القوميّ تساحي هانغبي يردّد أنّ “الحرب لن تنتهي من دون ضرب منشأة فوردو النووية”. وحدها قاذفات “بي-2” والقنابل من زنة 13 طنّاً الأميركية قادرة على تدميرها. وهي الطائرات والقنابل التي رفض الرؤساء الأميركيون، جورج بوش الابن وباراك أوباما وجو بايدن، إعارتها لإسرائيل لتنفيذ مأربها، فهل يفعلها ترامب؟

متقلّب ومتناقض

ترامب حائر ومتقلّب ومتناقض في تصريحاته وآرائه وتوجّهاته. مرّة يتحمّس للمشاركة وحسم المسألة الإيرانية للتفرّغ للهدف الصيني، ومرّة يخشى تورّطاً في الشرق الأوسط يعيد إلى أذهان الأميركيين الذكريات المريرة لأفغانستان والعراق. ويراوده دائماً حلم حمْل جائزة “نوبل” للسلام تماهياً بخصمه اللدود أوباما.

توحي تصريحاته الأخيرة بأنّه لا يزال يأمل تجنّب خوض الحرب، وأن ترغم الضربات الإسرائيلية المؤلمة إيران على الرضوخ والعودة إلى المفاوضات والقبول بما لم تقبل به بالسابق، أي الاستسلام. وطهران التي لا تمانع العودة إلى الطاولة بعد وقف الهجوم الإسرائيلي، ترفض الاستسلام وتصرّ على العودة إلى المفاوضات من النقطة التي انتهت إليها وعدم تجاوزها إلى تفكيك كامل مشروعها النووي. ولا تزال تطلق المزيد من صواريخها الفرط-صوتية إلى عمق إسرائيل على الرغم من التباين الفاضح في ميزان القوى. وتتجنّب المغامرات الخطيرة على غرار إغلاق هرمز وضرب المنشآت النفطية العالمية والقواعد العسكرية الأميركية خشية استفزاز واشنطن، على الرغم من اتّهامها إيّاها بالانحياز الكامل لإسرائيل.


إزالة تهديد “فوردو”

في المقابل، يصرّ نتنياهو على استسلام إيراني غير مشروط وتفكيك كامل للمشروعين النووي والبالستي الإيرانيَّين، وهو مصمّم على “إزالة تهديد فوردو”، وقال إنّ “هذا التزام شخصيّ منّي ومن المؤسّسة الأمنيّة. سننفّذ ذلك، ولن نتراجع عنه”، أيّاً كانت المخاطر الإنسانية والبيئية الجسيمة التي ستنطوي عليه.

في حال لم تستجب واشنطن لطلبه، ولم تتراجع إيران عن إطلاق صواريخها واختراق الجبهة الداخلية لإسرائيل، هل يقوده الهوس وجنون العظمة وجشع السيطرة والانتصار إلى الخيار “الأبوكاليبسي”؟*

بات كلّ شيء وارداً مع كيان دخل في عداوة مع البشرية جمعاء، وتشوّهت بنيته النفسية والإنسانية، وبات قادراً على اقتراف كل الموبقات.

ثمّة سوابق موثّقة لاحتمال مجنون كهذا. في حرب 1973، أمرت رئيسة الوزراء غولدا مائير رئيس أركان جيشها موشي دايان بتجهيز “أسلحة يوم القيامة” والاستعداد لشنّ هجوم نوويّ مضادّ، وهو قرار يائس صدر بعدما تمكّنت القوّات المصريّة من عبور قناة السويس واختراق خطّ بارليف والتقدّم نحو 12 كيلومتراً في قلب سيناء وسط تراجع القوّات الإسرائيلية وذهولها. لكنّ الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون حال دون تنفيذ الأمر بتعويض إسرائيل بجسر جوّيّ مكثّف لردّ الهجومين المصري والسوري في الجولان وتشكيل مجلس أمن قومي أميركي برئاسة وزير الخارجية هنري كيسنجر لمساعدة إسرائيل. ونفّذت طائرات النقل الأميركية 565 رحلة جوّية حملت 22,400 طن معدّات قتال، إضافة إلى 59 طائرة مقاتلة، وإمدادات نقلتها طائرات “العال” الإسرائيلية، الأمر الذي أدّى إلى اختلال التوازن العسكري لمصلحة إسرائيل اعتباراً من 14 تشرين الأوّل 1973.


مرّة أخرى لوّحت إسرائيل بالخيار النووي في حرب الخليج، عندما تساقطت صواريخ “السكود” العراقية في أراضيها، وكان ثمن إحجامها عن الردّ زيادة هائلة في المساعدات العسكرية والماليّة الأميركية.

يقع الخيار النووي في صميم العقيدة العسكرية والسياسية الإسرائيلية. حدّد رئيس وزرائها المؤسّس ديفيد بن غوريون في رؤيته أنّ إسرائيل لا تستطيع أن تتحمّل الخسارة في حروبها مع أعدائها العرب وغير العرب. ذلك أنّ خسائر جيرانها ستكون دائماً هامشية، في حين أنّ الهزيمة الإسرائيلية ستؤدّي إلى التفكّك الكامل للدولة والمجتمع الإسرائيليَّين، ولذلك الضمانة الوحيدة ضدّ الهزيمة هي أن يكون الخيار النوويّ رادعاً وملاذاً أخيراً.

لا تزال الحرب في بدايتها، ومساراتها مفتوحة على كلّ الاحتمالات، ولا سيما أخطرها. ونتنياهو الذي يتقمّص برداءةٍ شخصيّة شمشون الأسطورية المخلّصة لليهود والإسرائيليين، هل يعمد في حال تواصل سقوط الصواريخ الإيرانية في قلب المدن الإسرائيلية وتبدّل المزاج الشعبي الإسرائيلي ضدّه إلى الخيار الأخير، وهو هدم الهيكل على من فيه بإلقاء إحدى قنابله النووية التكتيكية المخبّأة على “فوردو” من أجل “تحقيق نصره الكبير”، حتّى لو كلّف الأمر زجّ العالم برمّته في كوابيس مرعبة؟

 أمين قمورية - اساس ميديا

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا