الصحافة

قنبلة نووية "مُهَجَّرَة" و"يتيمة" ونازِحَة من قرية الى مدينة... من هنا تبدأ القصة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

  هي ليست مفاجأة كبرى أن يُقال لشعوب الشرق الأوسط والعالم، إن أطنان المتفجرات التي ألقتها الولايات المتحدة الأميركية على منشآت نووية إيرانية لم تمسّ قدرة إيران على إنتاج قنابل نووية، بل ألحقت أضراراً بها فقط، وإنه تمّ نقل معظم اليورانيوم عالي التخصيب الى أماكن آمنة وغير معلومة، قبل تنفيذ الهجمات (إذا كانت تلك المعلومات صحيحة بشكل كامل).

 سينما...

فهناك الكثير من الحروب التي لا تشتعل لتُحسَم، بل لتشكل مقدمة لمراحل جديدة من الصراعات. وهذا قد يشبه تماماً سيناريو لفيلم سينمائي تتمحور قصّته حول تجنيد كل أنواع القوى العالمية، لمحاربة تنّين مثلاً، خرج من أحد مختبرات جماعة سرية استولت على مواد حساسة من جاسوس أو خائن داخل أحد المختبرات العسكرية الأميركية أو الروسية أو الأوروبية أو الصينية...

ففي تلك الحالة، يجلس المشاهد "على أعصابه" في انتظار خاتمة تبدو سعيدة بقصف معقل التنّين وتدميره أمام أعيُن العالم كلّه. وبينما يتبادل الجميع الأنخاب احتفالاً، ينتهي الفيلم بمشهد أخير، مُترافِق مع موسيقى تُنذر بخطر غامض، يُظهر التنّين وهو يستجمع قواه، ويتحضّر لينفث نيرانه من جديد من قلب كهف عميق جداً داخل الجبل، وذلك قبل بَدْء عرض لائحة أسماء الممثلين والكاتب والمخرج... باللّون الأبيض على خلفية الشاشة السوداء، بما يسمح للمشاهدين بالوقوف حاملين أكياس الفُشار، لمغادرة قاعة السينما، وهم يتحدثون عن النهاية الغامضة واحتمالاتها الخطيرة.

فارق وحيد

ما سبق ذكره يشبه تماماً حروب منطقتنا، وتحديداً حروب المشرق حيث "زبدة" الشرق الأوسط. وهو ما تؤكده الخبرة مع حروب العراق وسوريا ولبنان المتكررة، وهي حروب تفتح الأبواب دائماً لحقبات جديدة من استقرار "مُتصارِع" مع نفسه والعالم.

وأما في ما يتعلق بالفصل الأخير من الحرب مع إيران، فلا شيء يستبعد إمكانية أن تكون الضربات سمحت بالإبقاء على البرنامج النووي الإيراني، وعلى كميات كبيرة من اليورانيوم عالي التخصيب، مع فارق وحيد، وهو أن هذا البرنامج بات عملياً من دون منشآت، ومن دون مختبرات، ومن دون أجهزة طرد مركزي جاهزة للعمل الآمن والفعال قريباً، ومن دون مظلّة آمنة للخبراء النوويين العاملين فيه. فتصبح النتيجة في تلك الحالة، أن البرنامج النووي الإيراني لا يزال موجوداً، ولكنّه بات مُشرَّداً، يتيماً، يحتاج الى مفاوضات تسمح له بالحصول على بيت جديد، و"عائلة" جديدة "تتبنّاه" مجدداً، وفق شروط وقواعد جديدة.

مكان سرّي؟

تتعدّد الاحتمالات بالنسبة الى المستقبل، وهي تتطلب قيام جهات دولية بفَحْص ومراقبة ما تبقّى من مخزون إيراني من اليورانيوم المُخصَّب، ومصيره. فلا مكان سرياً يمكن نقل هذا المخزون إليه، على عكس ما يُقال، إذ ما عادت توجد أي أمكنة سرية على الأرض منذ وقت طويل، وهو ما تؤكده النّسخ الأخيرة من الحروب. وبالتالي، لا بدّ من تتبّع ومراقبة تلك المواد، والجهات الموكَلَة بها منذ إخراجها من المنشآت النووية قبل قصفها، هذا طبعاً إذا كانت التقارير والمعلومات والآراء بشأن تهريبها صحيحة وحقيقية بالكامل، نظراً الى أنه لم يتم رصد أي زيادة في مستويات الإشعاع خارج المواقع بعد الضربات الأميركية. فمراقبة تلك المواد مهمّ جداً لحفظ أمن إيران والشرق الأوسط والعالم.

انطلاقة جديدة

في أي حال، يشرّع كل ما جرى في إيران منذ 13 حزيران 2025 الباب، لعودة إيران الى إيران، أي عودة ملايين الإيرانيين الذين يعيشون خارج البلاد منذ وقت طويل، والذين يتمتّعون بمواهب كثيرة، والذين تحتاجهم بلادهم وخبراتهم، ليجدوا أنفسهم في بلدهم من جديد. فهؤلاء هم "بلاد فارس" الحقيقية الذين هُجِّروا منها منذ عام 1979، بحسب أكثر من خبير في الشؤون الإيرانية، يؤكد أن إيران في آخر 46 عاماً لم تَكُن بلاد الفرس، بل دولة انتحلت صفة فارسية معيّنة.

وانطلاقاً مما سبق، وبما أن إيران ليست دولة صغيرة ومحدودة الفرص، فإن أي تغيير سياسي فيها يجب أن يسمح لأدمغتها "المُعارِضَة" بالعودة إليها، من أجل انطلاقة جديدة.

اليورانيوم المُخصَّب

فالنظام الإيراني الحالي أقام أمبراطورية على امتداد الشرق الأوسط، وصلت الى البحر المتوسط وشمال ووسط أفريقيا، وحاربت في أوروبا الشرقية الى جانب الروس، وشكّلت هاجساً أمنياً هائلاً للغربيين الأميركيين والأوروبيين على مدى أكثر من أربعة عقود.

وقد وصلت تلك الأمبراطورية الى ذروة نفوذها العالمي في 7 أكتوبر 2023، وذلك قبل أن تفقد كل شيء تقريباً في أقلّ من عامَيْن، إذ انتقلت النيران ومشاهد الدمار والإسراع الى الملاجىء... إليها (إيران الحالية)، مع فقدانها القدرة على حفظ برنامجها النووي في "مكان مسقوف". وهذا ليس أمراً قليلاً أو سهلاً، وهو يتطلب إجراء عملية مراجعة كبيرة للحكم الإيراني الحالي، وللموارد الهائلة التي أنفقها على برنامج نووي، وعلى صواريخ باليستية ورؤوس متفجرة، مُسَّت بنِسَب لا بأس بها في غضون أيام.

هي أيام (منذ 13 حزيران 2025) قليلة نقلت إيران من دولة تفاوض الولايات المتحدة الأميركية، الى دولة تبحث بكيفية الحدّ من خسائرها العسكرية والنووية، من دون أن تفقد المزيد من سمعتها السياسية وهيبة نفوذها. وما بين التفاوض والمواجهة، مراحل قديمة تحتاج الى مراجعة وإعادة تقييم، تحضيراً لحقبة جديدة تتعلّم من دروس الماضي، وتساهم بفتح الأبواب لاختتام الفيلم السينمائي الشرق أوسطي الطويل نهاية سعيدة لا غامضة، باليورانيوم الإيراني المُخصَّب المُهرَّب (إذا كان ذلك صحيحاً) أو من دونه.

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا