وبعد أن دمّرت إسرائيل الدفاعات الجوية الإيرانية في مناوشة صاروخية وشلت حليفها الرئيس، حزب الله، في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أصدر نتنياهو أمرًا عامًّا بالتحضير لضربة، حسبما قال المسؤولون الحاليون والسابقون، لصحيفة "واشنطن بوست".
وبدأ مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية في التجمع، تجميع قوائم بعشرات العلماء النوويين والقادة العسكريين الإيرانيين الذين يمكن استهدافهم بالاغتيال، بموازاة شروع سلاح الجو الإسرائيلي بتدمير الدفاعات الجوية في لبنان وسوريا والعراق بشكل منهجي، لتطهير السماء لغارات قصف مستقبلية ضد إيران.
في تلك الأثناء، كان المسؤولون الإسرائيليون يتبعون مسارًا آخر، وهو التأثير في واشنطن، إذ لطالما اعتقدوا أن العمل العسكري بمشاركة الولايات المتحدة لاستهداف البرنامج النووي الإيراني سيكون أكثر فاعلية من ذهاب إسرائيل بمفردها.
وطوال فصل الخريف 2024، التقى الإسرائيليون بنظرائهم في إدارة جو بايدن لمناقشة المعلومات الاستخباراتية التي جمعها كلا البلدين خلال الصيف، والتي أظهرت أن العلماء النوويين الإيرانيين يجتمعون لاستئناف الأبحاث النظرية حول التسليح.
لكنّ محللي الاستخبارات الأمريكية لم يَخلصوا إلى أن القيادة الإيرانية اتخذت مثل هذا القرار، وهو تقييم أعادت وكالات التجسس الأمريكية النظر فيه، وحافظت عليه طوال فصل الربيع في ظل إدارة دونالد ترامب الجديدة، حتى وقت شن إسرائيل للضربات.
في محادثات خاصة، قال مسؤولون حكوميون إسرائيليون كبار إنهم قرروا بالفعل بحلول مارس، أي قبل أسابيع من لقاء نتنياهو بترامب في المكتب البيضاوي في الـ7 من أبريل، توجيه ضربة لإيران بمشاركة الولايات المتحدة أو من دونها بحلول يونيو على أبعد تقدير، وفقًا لِما ذكره شخصان مطلعان على الأمر، وبرر أحدهما ذلك بأن إيران ستكون حينها أعادت بناء دفاعاتها الجوية بحلول النصف الثاني من العام.
في نهاية المطاف، عندما شنّ نتنياهو هجومه المفاجئ على إيران في الساعات الأولى من صباح الـ13 من يونيو/حزيران، بينما كانت مفاوضات ترامب لا تزال جارية، لم يكن القرار مدفوعًا بمعلومات استخباراتية جديدة تُشير إلى اندفاع إيراني نحو امتلاك سلاح نووي أو أي تهديد وشيك لإسرائيل.
بل انتهزت إسرائيل ما اعتبرته فرصة فريدة لتنفيذ خطط مُعدّة بعناية قبل أشهر وسنوات، لإلحاق ضرر بالغ بإيران الضعيفة التي خاضت صراعًا بالوكالة داميًّا مع إسرائيل، ولإعاقة البرامج النووية والصاروخية الإيرانية، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين وأمريكيين ومستشارين للحكومتين.
بينما كان المسؤولون الإسرائيليون يستعدون في الأشهر الأخيرة لشن هجوم على إيران، آملين بانضمام الولايات المتحدة، بذلت إسرائيل جهودًا إضافية مع إدارة ترامب في إطار تبادل المعلومات الاستخباراتية المنتظم، ولم يلحظ مسؤولو الاستخبارات الأمريكية أي جديد يُذكر، وفقًا لشخصين مطَّلعَين على الأمر.
نشاط طويل
وفي الأشهر الأخيرة، كان ضباط المخابرات الإسرائيلية يتتبعون مواقع أعضاء مختلفين من المجموعة العلمية، وكان طيارو سلاح الجو الإسرائيلي يتدربون على ضرب العلماء الإيرانيين والضباط العسكريين في منازلهم في وقت واحد، وفقًا لمسؤول إسرائيلي.
وبحلول هذا الشهر، كان الطيارون الإسرائيليون صقلوا قدرتهم على استخدام برامج وذخائر جديدة لتنفيذ عشرات الضربات في وقت واحد، وهي قدرة لم تكن لديهم حتى قبل بضع سنوات، وفقًا لِما قاله ماتان كاهانا، النائب الإسرائيلي الذي كان قائد سرب جوي.
وقال مسؤول إسرائيلي، إن جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي، الموساد، أمضى سنوات في جمع المعلومات الاستخبارية عن كل عالم من العلماء الذين سيتم استهدافهم بالاغتيال ودورهم في البرنامج النووي الإيراني.
وجاء جزء كبير من معرفة الوكالة بالبرنامج الإيراني من عملاء جندهم الموساد وتعامل معهم وعملوا داخل منشأتي نطنز وفوردو.
كشف الموساد أيضًا عن مهمة سرية مُعقدة شملت تهريب وتركيب طائرات دون طيار انتحارية ومنصات إطلاق صواريخ داخل إيران نفسها، وفقًا لمسؤول إسرائيلي.
وقال مسؤولون ومستشارون حكوميون إسرائيليون، إن هناك خطرًا من اكتشاف العملية السرية، وإن هذا الاعتبار أثر جزئيًّا في توقيت هجوم الـ13 من يونيو؛ لكنه لم يؤثر في قرار نتنياهو الاستراتيجي، الذي اتخذه قبل أشهر، بشنّه.