نتنياهو ينصّب نفسه شرطيّاً للنّوويّ؟
خرج كلّ المتحاربين منتصرين في حرب الأيّام الـ12. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو احتفل بـ”الانتصار التاريخي” على إيران وبدأ يعدّ العدّة لإجراء انتخابات مبكرة قبل نهاية العام الجاري، مستغلّاً “انتصاره” لتعزيز موقعه السياسي، وترميم مكانة حزب الليكود في المشهد السياسي الإسرائيلي.
احتفلت إيران أيضاً بـ”إجبار” إسرائيل على القبول بوقف النار، الأمر الذي اعتبره رئيسها مسعود بزشكيان “نصراً عظيماً للأمّة الإيرانية”. من جهته، هنّأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه على الإنجاز الكبير بـ”إنقاذ الشرق الأوسط” من حرب مدمّرة كانت ستستمرّ سنوات.
بالنسبة إلى إسرائيل، حقّقت أكثر ممّا توقّعت، إذ تمكّنت من إشراك طائرات الشبح الأميركية “ف 35” والقنابل العملاقة، في معركتها المصيرية ضدّ مفاعلات “فوردو”، وتمكّنت على الأقلّ، بمساعدة الأميركيين، من تأخير البرنامج الإيراني فترة من الزمن. وتباهت بأنّها تسبّبت بانتكاسة لمشروع الصواريخ البالستية الذي كان بمقدوره أن ينتج آلاف الصواريخ خلال سنوات قليلة، وبينها صواريخ ذات قدرات نوويّة.
إلى ذلك أجهزت على أركان القيادة العسكرية، واغتالت علماء نوويّين بارزين ولو تجاوزوا سنّ التقاعد. وتعتقد أنّها زعزعت ثقة النظام بنفسه، ووضعته تحت طائلة السقوط، وفتحت مجالاً لمقاتلاتها في عمق الأجواء الإيرانية بعد تدمير الدفاعات الجوّية.
أمّا إيران فتقول إنّها تصدّت للهجوم الإسرائيلي – الأميركي المشترك ومنعته من تحقيق أهدافه. وحقّقت انتصارها ببقاء النظام وتماسكه والاحتفاظ بكمّية كبيرة من اليورانيوم المخصّب بدرجة 60 في المئة، وواصلت استهداف المدن الإسرائيلية، وألحقت أضراراً جسيمة بالبنى التحتية والممتلكات، وقتلت 28 إسرائيلياً وأثبتت قدرة كبيرة على الإيذاء حتّى لو تضرّرت منصّات إطلاق الصواريخ. فهذا نصر بالنسبة إليها. حافظت على الردع وتجنّبت عدواناً أميركيّاً أكبر وأقسى تجلّى في إخراج مسرحيّ رديء لقصف قاعدة العديد في قطر، الذي نالت على أثره تهنئة ترامب وشكره وإعلان وقف النار.
لا مصلحة للطّرفين بحرب استنزاف طويلة
لم تكن إطالة أمد الحرب وتحويلها إلى حرب استنزاف في مصلحة إيران ولا في مصلحة إسرائيل. بالنسبة إلى تل أبيب تحقّقت الأهداف العسكرية المُعلنة، ولا سيّما بعد ضرب منشأة “فوردو” التي من شأن تعطيلها أو إلحاق الضرر فيها أن يعطّل البرنامج النووي لسنوات عدّة. وتدرك أنّ أيّ حرب استنزاف قد يكلّفها ثمناً باهظاً ومن دون نتائج حاسمة، لا سيّما أنّ إسقاط النظام الإيراني من بعيد ليس هدفاً واقعيّاً وسهل التنفيذ.
بالنسبة إلى إيران، فإنّ الظروف المحيطة بها تحتّم عليها القبول السريع بوقف النار، فهي تعاني من حصار طويل ومرهق، ومعزولة بلا حلفاء حقيقيّين قادرين على دعمها. صار موقعها الجيوسياسي أكثر ضعفاً بعد سقوط النظام السوري، أقوى حليف إقليميّ لها، وبعد النكسات التي ألمّت بمحورها وفي مقدَّمه “الحزب”.
حتّى حليفتها الأقرب روسيا اكتفت بدعمها لفظيّاً ببيانات الدعم والاستنكار. صبّت موسكو اهتمامها الأساسي على صمودها في أوكرانيا بدلاً من الانخراط في صراعات إضافية. حافظت على التوازن الدقيق في علاقتها مع كلّ من تل أبيب وطهران، وتحاشت إغضاب ترامب الذي يتجنّب استفزازها في أوكرانيا. وتركت إيران وحيدة بلا سند ولا دعم ولا غطاء جوّيّ.
طهران تجنّبت مصير صدّام في 1990
قبلت طهران بلا تردّد طلب ترامب وقف النار، تجنّباً لمصير صدّام حسين في حرب الخليج عام 1991. حينذاك جرّدت واشنطن الرئيس العراقي من قدراته العسكرية وأنهكت جيشه وحاصرته وحاصرت العراق كلّه وفكّكته داخليّاً وصولاً إلى إسقاطه بالغزو عام 2003.
صحيح أنّ الغارات الإسرائيلية أنزلت خسائر هائلة في البنية العسكرية الإيرانية والقيادة، لكنّ الوحدات القتالية وقوّات الحرس الثوري ظلّت متماسكة ولم تتشتّت كما حصل في الحالة العراقية. ولم تتضرّر كثيراً منشآتها النفطية والاقتصادية التي يعني استهدافها تشديد الخناق على النظام داخليّاً وصولاً إلى إسقاطه.
لا تزال قادرة على إعادة بناء وترميم المشروع النووي، ما دام أهمّ عناصر المشروع النووي بقيت على حالها من دون المساس بها، وهي المعرفة النوويّة وآلاف العلماء والمهندسين والفنّيّين النوويّين الإيرانيين، إضافةً إلى بقاء حوالي نصف طنّ من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 60 في المئة، وهي تكفي لصناعة أكثر من 10 قنابل نووية. ونجت آلاف أجهزة الطرد المركزي الحديثة ولم تتضرّر.
هكذا لم يكن من الصعب على الرئيس الأميركي التوصّل إلى اتّفاق لوقف النار، حتّى من دون مفاوضات بين إيران وإسرائيل، فكلتاهما يريدانه بأسرع وقت.
لكن هل تكفي التمنّيات والخطب والمكالمات الهاتفية وحدها لإنهاء الحرب، وللحدّ من التنافس بين خصمين ينتظر كلّ منهما الفرصة للإجهاز على الآخر وشطبه من معادلة إقليمية شديدة التعقيد؟ هل من اتّفاق نوويّ جديد قيد الإعلان؟ هل ثمّة وعد إيراني بالتخلّي عن الحلم النوويّ والمشروع البالستيّ ووقف التخصيب على الأراضي الإيرانية؟ ما مصير كمّيات اليورانيوم المخصّب التي أُخرجت على الأرجح من “فوردو” قبل الغارات الأميركية؟ هل تبقى في إيران أم تُنقل إلى خارجها؟ وهل من آليّة دوليّة للرقابة متّفق عليها مسبقاً للتعامل مع معضلة التخصيب والمسألة النووية الإيرانية؟
هل ينصّب نتنياهو نفسه شرطيّاً للنّوويّ؟
قرار وقف النار وحده من دون اتّفاق واضح ومن دون شروط والتزامات دوليّة موقعّة، قد يبرّر لإسرائيل إعطاء نفسها الحقّ في إطلاق حرّية عملها العسكري والتدخّل في إيران بالإغارة “الاستباقية” على مواقع “تشتبه” في أنّ فيها نشاطات نوويّة أو صاروخيّة يتعيّن شلّها في مهدها، على غرار ما تفعله الآن في لبنان وسوريا، أو إذا ما “استشعرت” أنّ طهران تعاود مدّ “الحزب” و”حماس” و”الجهاد” و”أنصار الله” بالمال أو السلاح.
بعد 12 يوماً من الإغارات المتواصلة والهجمات المكثّفة في العمق الإيراني واستباحة أجواء إيران ودول الجوار، كسرت إسرائيل كلّ الحواجز والخطوط الحمر. وتبيّن أنّ أثمان الردّ العسكري محدودة والكلفة البشرية مقدور عليها، والاحتجاجات الدولية باهتة وغير فعّالة. فهل تُنصّب إسرائيل نفسها شرطيّاً للمشروعين النووي والصاروخي الإيرانيَّين وتعمد إلى القوّة لمنع ترميمهما وإعادة تفعيلهما برضى ضمنيّ أميركيّ وغضّ نظر دوليّ بعدما بات المجتمع الدولي شاهد زور على الهمجيّة الإسرائيلية؟
في حال عاد الطرفان الأميركي والإيراني إلى المفاوضات، هل يكافىء ترامب نتنياهو على المهمّة القذرة التي تولّتها إسرائيل نيابة عن الولايات المتّحدة، بجعلها شريكاً ضمنيّاً من تحت الطاولة لصوغ اتّفاق جديد يراعي المقاسات والتمنّيات والمصالح الإسرائيلية؟ أم معادلة “الكلّ رابح” ستفرض اتّفاقاً يراعي مصالح الأميركي أوّلاً ولا يكسر أيّاً من الجانبين؟
في المقابل بدت إيران جنديّاً ملتزماً قواعد اللعبة العسكرية، فتجنّبت المغامرات القاتلة. لمّحت إلى أوراق قوّتها في مضيق هرمز، لكنّها لم تنشر الألغام البحريّة فيه ولم تتعرّض لناقلات النفط والسفن الحربية التي كانت بمتناول نيرانها في الخليج وبحر العرب. لم تفعّل خلاياها النائمة بعمليّات انتحارية على غرار تدمير مقرّ المارينز في بيروت عام 1983 وتفجير الجمعية الخيرية اليهودية في بوينس أيرس عام 1994. فهل تفعلها وتزيد إذا ما شعرت أنّ نظامها في خطر وأنّ الأميركي والإسرائيلي تماديا في خنقها وإذلالها؟
أثبتت حرب الـ12 يوماً بجدارة أنّ إسرائيل على الرغم من قدراتها العسكرية والاستخباريّة الجبّارة، لا تستطيع إنجاز مهمّة من دون تدخّل أميركي، وأنّ إيران على الرغم من وهنها الظاهر ليست سهلةً هزيمتُها ولا تلعب كلّ أوراقها مرّة واحدة ولا يجوز الاستهانة بها، وأنّ أميركا تبقى القوّة الحاسمة في العالم، لكنّها لا ترى إلّا بعين واحدة، وأنّ منطقة الشرق الأوسط ولّادة حروب من نوع خاصّ، لا الهزائم فيها خالصة ولا الانتصارات.
- أمين قمورية - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|