لجنة من 11 عضوًا لبحثِ تنفيذ اتفاق نزع السلاح… هل من أيادٍ خفيّة تعبث مجدّدًا في المخيمات الفلسطينية؟
لا، الأمن في المخيمات الفلسطينية في لبنان ليس مستتبًّا ولا حتّى مستقرًا. والكلام عن نزع السلاح الفلسطيني فيها يبدو كحكاية “إبريق الزيت” في الأساطير. فمنذ وُلدنا ونحن نسمع عن السلاح الفلسطيني وضرورة حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية وحدها. تدور الأيام والعقارب. يتقدّم ملف السلاح ويعود ليؤجَّل تحت ألف سبب وسبب، في مقدمتها: ثّمة أولوية أخرى. اليوم، هو موعد آخر اتُفق عليه بين لبنان والسلطة الفلسطينية على سحب السلاح من تلك المخيمات في منتصف حزيران الجاري. فهل لنا أن نسأل في آخر أيام حزيران عن هذا الاتفاق؟ قبل يومَيْن، لَعْلَعَت أصوات الرصاص والآر.بي.جي في أرجاء مخيم شاتيلا بين تجّار المخدرات. مات من مات و… وانتهت الجولة. لكن، ألا يدفعنا هذا الى تكرار السؤال: ماذا عن مصير الاتفاق بين لبنان والسلطة الفلسطينية؟ فلنقصد مخيمات ضاحية بيروت الجنوبية في محاولةٍ لاكتشاف الأرض علّنا نتلمّس أجوبة.
كتبت نوال نصر لـ”هنا لبنان”:
المشهد في مخيمات مار الياس وشاتيلا وبرج البراجنة تقريبًا واحد. لا شيء، لا شيء أبدًا يوحي بأن خطةً أمنيةً رسميةً ما قيد التنفيذ. وفي حين “يُضبضب” مخيم شاتيلا ندوب الحادث الأخير، يعيش سكان مخيم مار الياس وبرج البراجنة الحياة على وقع قرقعات حرب غزّة الأليمة رافعين شعارات وشعارات من نوع: “ثورة… ثورة حتى النصر”. أطفالٌ يلعبون “طاق طاق طاقية رنّ رنّ يا جرس”، ولعبة “السبع حجار” و”البطل والحراميّة”. هناك، في مخيمات الضاحية الجنوبية يعود التاريخ ستين عامًا الى الوراء. الطموحات الكبيرة تقف عند حدود مقاطعة البضاعة الأميركية وتأمين ربطة الخبز ويصل أقصاها الى الحصول على “نت” يصلهم بعالمٍ خارجي.
هناك، في الضاحية الجنوبية، على طريق المطار، نحو المخيمات، كثير من اليافطات الحسينية العاشورائية معلّقة. وعبارات: “حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد أبدًا، و”الحسين مني وأنا من الحسين”، و”إيران تحمل راية الحسين وتدافع عن كل مظلومي هذا العالم”… فماذا في قلب مخيم برج البراجنة؟ لا حاجز أمني لبناني يفصل بين مجتمعَيْ الضاحية والمخيّم. ووحده رسم ياسر عرفات على مبنى مطلّ ينبئ بأنّنا ندخل الى حرم المخيّم. أزقّة مكتظّة. وكلما توغلنا أكثر ازدحمت الصورة أكثر. رجُلان غزا الشيب رأسيْهما يحملان عدسة وميكروفون “فلسطين الآن” يعبران قبلنا الى قلب المخيم. وشباب كثر يتسلّون بأراجيل “قبل الضوّ”. الدرّاجات النارية كثيرة ولحى تتدلّى بلا شوارب. واللّحى لها دلالات. رجلٌ يحمل كلاشينكوف روسي عند جامع العرفان. وكثير من الصيدليات تبيع الأدوية السورية. نسأل عن فعّاليتها؟ يجيب فلسطيني: “هناك، في سوريا، يستخدمها 25 مليون إنسان وهم أحياء”. يضحك. فنبتسم على مضض. لكن، كيف تدخل الى لبنان؟ يجيب “هي تجارة والتجارة شطارة”.
بعض الصور للسيد حسن نصر الله على بعض الحيطان. وصور كثيرة لإسماعيل هنية. عناصر “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” يجلسون تحت عبارة “فلسطين هي العشق وهي الجرح” وفي أيديهم بنادق كلاشينكوف وكأنّ “العدو” أمامهم. هناك، في المخيّم يعيشون في الخيال. والسلاح الذي بين الأيادي ما عاد قادرًا إلّا على “الداخل” في أحداثٍ أمنيةٍ تقهر أبناء المخيم أنفسهم. فما لزومه بعد؟
سؤال وجّهناه الى عضو قيادة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان خالد عبادي انطلاقًا ممّا حدث في اليومين الماضيين في مخيم شاتيلا، فقال: “لا نعلم لماذا إقحام مخيم شاتيلا في الحادث الأخير. هو جرى في محيط المخيّم من جماعةٍ أتى أفرادها الى الحيّ الغربي والحرش المحيطَيْن بالمخيم. هؤلاء من تجّار المخدرات والقتلى الثلاثة ليسوا جميعًا فلسطينيين، بل لبناني وسوري وفلسطيني. المشكلة بدأت قبل شهرين وتجدّدت في المحيط، عند حدود المخيم، العصي على الأمن اللبناني وعلى الأمن الفلسطيني. هي منطقة حسّاسة من “زمان وجاي”. أمّا بالنسبة الى السلاح الفلسطيني فاليوم (البارحة) تصل لجنة من رام الله لترتيب الموضوع الذي اتُفق عليه بين الرئيس جوزاف عون وأبو مازن”. ويستطرد: “ليس خفيًا وجود أيادٍ تتحرّك خلسةً اليوم في إطار المؤامرة لتحريك المخيّمات لكن، نحن، كمنظمة تحرير سنتابع من اليوم موضوع السلاح في المخيّمات من خلال لجنةٍ تضم كل المؤسّسات الفلسطينية. نحن نبذل جهدنا كي لا نكون عقبةً وسنواجه من يحاول زجّنا في الموضوع الداخلي، عبر الدخول من الخاصرة الرّخوة، من مخيّم شاتيلا بالتحديد، حيث يكثر تجار المخدرات، الذين لديهم ارتباطات خارجية ويتبعون “روس كبيرة”. نحن رفعنا عن هؤلاء الغطاء من زمان. وبتقديري لن نواجه مشكلة مع الفصائل الفلسطينية في موضوع نزع السلاح، بل مع الإرهابيين الإسلاميين في مخيّم عين الحلوة بالتحديد”.
لن تحدث، برأي مسؤول فتح، مشاكل في حال طُبّقَ اتفاق نزع السلاح في المخيمات في بيروت “والسلاح الموجود لا يتعدّى السلاح الفردي”. لكن، ما سمعناه في محيط مخيّم شاتيلا ليس مجرّد مسدس وكلاشينكوف؟ يجيب: “الآر.بي.جي باتت تعتبر هي أيضًا، في التصنيف الحالي، سلاحًا فرديًا. هي صوت أكثر مما هي فعّالية”.
الجديد أن لجنةً فلسطينيةً وصلت البارحة الى لبنان لتبدأ تطبيق الاتفاق. ممتاز. فلنأمل خيرًا. لكن، ليست هذه المرة الأولى التي تصل فيها “لقمة” نزع السلاح الى التنفيذ وتؤجّل. وهنا، نسمع جيدًا أصداء الشارع الفلسطيني “الخوف، خوفنا، من لبنانيين يحاولون تكوين تنظيم متطرّف، من قلب المخيمات هذه المرة، كما حصل مع داعش”. نعم، هناك من سيظلّ يلعب بالورقة الفلسطينية حتّى النهاية.
نعود لنجول في مخيم مار الياس. هنا، عند المدخل، تستقبلنا عبارة: “جميل أن يكون لك قلب أنت صاحبه، والأجمل أن يكون لك وطن أنت قلبه”. ديوك المخيم تسرح وراء الدجاجات. وباعة الخضار على الجانبين. وخرير مياهٍ خافتةٍ من قساطل مهترئة. المشهد تقريبًا نفسه. أزقّة وأحلام بسيطة. واللهجة السورية تكاد تطغى. النازحون السوريون يشغلون حيّزًا كبيرًا من المخيم الفلسطيني. و”ما عاد أهل المخيم الأصليين يعرفون ما يُحاك وراء كل الأبواب”. الفلسطينيون، مَن يحلمون بفلسطين، لديهم قناعة بضرورة ألّا تكون المخيمات بؤر توتر، ولديهم، في الموازاة، شبه يقين بأنّ أي فتنة جديدة أو حادثة أمنية لن تكون أدواتها فلسطينية. فالكلّ يغمز من “خواصر رخوة” قد يستخدمها من يرى نفسه “محشورًا”، من خلال أدواته الخفية. لا أحد يريد الدخول في التفاصيل “لكن الدولة اللبنانية لا بُدّ أنها تعرف هذا”. والأمل، كل الأمل، لدى فلسطينيي مخيمات الضاحية الجنوبية ألا يكونوا هذه المرة أيضًا “كبش محرقة”.
بربّكم، كم مرّة ومرّة قيل لنا: تمّ الاتفاق على نزع السلاح الفلسطيني؟ ألا تتذكّرون عام 2006 يوم اتفق اللبنانيون، الجالسون تحت قبّة البرلمان، على ذلك؟ يومها أعطيت مهلة زمنية مدّتها ستة أشهر لكنها أرجئت “الى أجلٍ يُعلن في حينه” بسبب حرب تموز. اليوم، أرجئ الاتفاق -الشبيه- من منتصف حزيران الى “أجلٍ” بسبب الحرب الإيرانية – الإسرائيلية. غزّة تحترق. والشعارات في المخيمات بالكاد تذكر “الحريق” منهمكةً بشعاراتٍ قديمةٍ من نوع: “راجعون”، و”القدس لنا”. السلاح الفلسطيني لطالما قيل “هو إضافة نوعية الى سلاح المقاومة في لبنان”. اليوم، سلاح المقاومة مطلوب تسليمه. فهل يكون السلاح الفلسطيني مظلّة سلاح المقاومة؟ هل اقترب أوان تسليم سلاح المخيمات الفلسطينية بالفعل لا بمجرد القول؟ وهل الأيادي الخفية ستسمح بذلك؟ لننتظر… ونرى.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|