لماذا لم يُرفع حظر سفر السّعوديّين إلى لبنان؟
حين أعلن وليد جنبلاط في كانون الأوّل من عام 2024 ترشيح جوزف عون لرئاسة الجمهورية، كُثرٌ لم يصدّقوا أنّ الرجل عاد من باريس بكلمة السرّ. وحين قرّر السير في ليلة الانقلاب على نجيب ميقاتي، بتسمية نوّاف سلام لرئاسة الحكومة بحجّة أنّ نجله تيمور معارض لفكرة التمديد للأوّل في السراي، كان معظم الطبقة السياسية غافلاً عمّا يحصل في الكواليس الدبلوماسية. وها هو اليوم يرمي حجرة تسليم سلاح “الحزب” في مياه التطوّرات الإقليمية التي فرضتها الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، ليُبلغ على طريقته: إنّها ساعة الحسم.
في الواقع، يسود اعتقاد بأنّ إعلان رئيس “اللقاء الديمقراطي” تسليم أسلحة مقاتلي “الحزب التقدّمي” إلى الجيش اللبناني قبل ثلاثة أو أربعة أسابيع، قد يكون رمزيّاً له دلالاته بالسياسة التي تتجاوز الاعتبارات الأمنيّة التي تُملي على السواد الأعظم من اللبنانيّين الاحتفاظ بأسلحتهم الفرديّة.
فعلها جنبلاط لكي يبرّر لنفسه الطلب من “الحزب” أن يقوم بالمثل، ولو أنّ الحسابات والظروف مختلفة. لكنّه اختار الأسلوب المرن غير الصداميّ، الذي اتّخذه لنفسه ولفريقه السياسي منذ اندلاع حرب الإسناد، في تعاطيه مع “الحزب”. وشدّد على أن يكون السلاح “كلّه في يد الدولة”، ودعا جميع الأحزاب اللبنانية وغير اللبنانية التي تمتلك سلاحاً إلى تسليمه للدولة “بالشكل المناسب وبالطريقة المناسبة”، تحت عنوان أنّ “صفحة جديدة فُتحت في الشرق الأوسط”.
فعليّاً، لا يزال لبنان عالقاً في عنق الزجاجة: السلاح أو العزلة الدولية. كلّ المحاولات اللبنانية لتدوير الزوايا لم تنفع لكسر الإرادة الدولية أو تطويعها. حطّ الموفد الأميركي توم بارّاك في بيروت ليبلغ السلطة بالفم الملآن، الموثّق، أن لا مفرّ من تسليم السلاح ضمن مهل زمنيّة محدّدة. لن تُترك السلطة اللبنانية على سجيّتها تحت عنوان توسيع هوامش الحوارات الداخلية لتأخذ مكانها وزمانها المناسبين. خرجت الأمور عن سيطرة اللبنانيين.
العلاقة مع سوريا
أكثر من ذلك، تفيد المعلومات أنّ بارّاك لم يبحث ملفّ السلاح فقط، لا بل تطرق إلى مسألة العلاقات اللبنانية – السورية، لا سيما أنّه بالأساس مبعوث بلاده إلى سوريا، التي تحتلّ حيّزاً مهمّاً من أولويّات الإدارة الأميركية بدليل مسارعتها إلى رفع العقوبات عن سوريا، في الوقت الذي لا يزال فيه قسمٌ كبيرٌ من اللبنانيين ينظر بريبة وحذر إلى القيادة السورية الجديدة ربطاً بجذورها.
في هذا السياق قال بارّاك في حديث إلى “العربية” إنّ أولويّة واشنطن “في سوريا هي تحقيق الازدهار والأمن ومكافحة الإرهاب والقضاء على داعش”، ودعا إلى “رفع العقوبات عن سوريا للسماح لها بالنهوض وإعطاء فرصة للحكومة السوريّة الجديدة (حكومة أحمد الشرع) لإثبات نفسها”، وأكّد أنّ “هدف الولايات المتّحدة هو حماية الحكومة السورية من الجماعات المدعومة من إيران”.
لا يدلّ هذا الكلام إلّا على أنّ واشنطن تعطي القيادة السوريّة الجديدة فرصة كبيرة. كذلك الأمر بالنسبة للرياض التي رعت في 27 آذار المنصرم الاجتماع الأمنيّ اللبناني السوريّ بين وزيرَي الدفاع في البلدين، ميشال منسّى ومرهف أبو قصرة، الذي انتهى إلى توقيع اتّفاق مشترك. كان الهدف من الاجتماع معالجة ضبط الحدود وتعزيز التنسيق الأمنيّ والعسكريّ.
ماذا بعد اتّفاق جدّة؟
لكن حتّى الآن، يُلاحظ أنّ الاجتماع الثنائي بقي يتيماً، ولم يتمّ إلحاقه باجتماعات تنسيقيّة على مستوى وزاريّ من شأنها تطوير العلاقة الثنائية التي تظلّ حاجة للبنان في نهوضه الاقتصادي، وفي استقراره الأمنيّ، سواء بسبب أزمة النازحين أو بسبب الإشكالات الحدوديّة. إلى ذلك لم يعبر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، الذي يُعَدّ “لينكاً أساسيّاً” بين أحمد الشرع والعالم الغربي، الحدود اللبنانية حتّى الآن ليكون ضيفاً على المسؤولين اللبنانيين، كما كان مرتقباً.
وفق المطّلعين، يعكس ما عبّرت عنه ورقة بارّاك المكتوبة، التي سلّمها للمسؤولين اللبنانيّين، موقف واشنطن والرياض ممّا تعتبرانه “تقصيراً” من الجانب اللبناني في مسألتين استراتيجيّتين: السلاح والعلاقة مع سوريا. في كلا الملفّين، الانطباع الأميركي – السعودي عن لبنان أنّه لم يلتزم دفتر الشروط، بدليل أنّ السعودية لم ترفع حتّى اللحظة الحظر عن عودة رعاياها إلى لبنان، مع أنّ التقديرات كانت تشير إلى احتمال حصول هذه الخطوة قبيل عيد الأضحى المنصرم، لكن لم يحصل ذلك. وللأمر دلالاته السياسية التي تظهر في تأكيد مصادر دبلوماسية أنّ الرياض لن تقدم على هذه الخطوة إلّا بعد تسليم السلاح بموجب الورقة الاستراتيجية التي حملها توم بارّاك المبعوث الرئاسي الأميركي إلى الرؤساء اللبنانيين الثلاثة.
لبنان التزم تقنيّاً وأمنيّاً
مع ذلك، تؤكّد مصادر أمنيّة أنّ:
– لبنان قام بكلّ ما هو مطلوب منه تقنيّاً وأمنيّاً لتشجيع عودة الرعايا السعوديين، سواء في ما خصّ طريق المطار عبر اتّخاذ الإجراءات الأمنيّة المطلوبة، التزام ختم كلّ جوازات السفر والتدقيق مع السلطات السعوديّة في ما خصّ الأسماء الثنائيّة المشبوهة.
– التنسيق الثنائي بين الأجهزة الأمنيّة اللبنانية والسوريّة جارٍ بوتيرة دوريّة بشكل يحقّق المعالجات المطلوبة بدليل عدم حصول أيّ إشكالات منذ بدء الاجتماعات المشتركة.
ترى المصادر ذاتها أنّ التطوّرات الإقليمية فرضت نفسها على إيقاع تطوير العلاقة بين لبنان وسوريا، مشيرةً إلى أنّ الجانب اللبناني التزم مندرجات اتّفاق جدّة، لجهة ضبط الحدود عبر نشر الجيش ومنع أيّ ظهور مسلّح ومنع تجاوز الحدود. ولهذا السبب، قد لا تكون حاجة إلى عقد اجتماع ثانٍ.
كلير شكر - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|