الصحافة

الكرة في ملعب بيروت… متى تستفيق؟!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لن تمرّ حرب كحرب الـ 12 يوماً بين إسرائيل وإيران، مرور الكرام في لبنان. فحزيران 2025 زلزال استراتيجيّ قلَب موازين القوى في الشرق الأوسط، ووفّر الفرصة أمام خريطة جديدة للنفوذ والهويّة في كلّ دول المنطقة.

ستهدأ المكابرة عندنا، وسيتراجع النكد السياسي الأميركي المتبادل كما حصل بشأن التقارير عن حجم الدمار بعد ضرب منشأة فورود. سينقشع غبار المعركة قريباً ليتكشّف حجم الضربة الاستراتيجيّة التي هزّت عمق بنية إيران العسكرية والسياسية والاستراتيجيّة والعقائدية.

يعرف أعتى المكابرين أنّ إيران خرجت من الحرب مثخنةً بجراحها، ومشكوكاً في قدرتها على استعادة تماسكها الداخلي أو نفوذها الخارجي. علي خامنئي، الذي اختبأ طوال الحرب خوفاً من الاغتيال، ولم يزل، سيخرج ليواجه شعباً ناقماً، واقتصاداً منهاراً، ونظاماً مترنّحاً تتآكله الانقسامات. قُتل كبار قادة الحرس الثوري، وتلقّت المنشآت النووية ضربات قاسية، وسقطت مرتكزات الردع مفسحةً المجال أمام هيمنة تامّة لسلاح الجوّ الإسرائيلي على الأجواء الإيرانية.

إفلاس المشروع

هذه ليست أزمة إيرانيّة وحسب، بل إنّها لحظة إعلان فاقعة لإفلاس مشروع ولاية الفقيه وتصدير الثورة. هي شيءٌ يشبه هزيمة 1967 في تاريخ التجربة الناصريّة.

سقطت كذبة كبيرة اسمها إيران، التي بدت أنّها لا تختلف في إمكاناتها وتحضيراتها واستعداداتها عن ميليشيات المحور. الفارق في الحجم فقط لا في النوع. قبل إيران شاهدنا المسلسل في لبنان. قُتل قادة “الحزب”، وفُكّكت بنيته العسكرية، ودُمّرت صواريخه وأُقفلت خطوط إمداده مع إسقاط نظام بشار الأسد. البيئة الشيعية في لبنان، كما البيئة الشيعية في إيران، تتأرجح بين الخوف من الفراغ والرغبة في الخلاص، ما لم يكن من سطوة “الحزب”، فمن دعواته المفتوحة للحروب.

لكنّ الفرصة وحدها لا تصنع التغيير. ما يحتاج إليه لبنان الآن هو شجاعة القرار. شجاعة حلّ الميليشيا لا التلهّي بأفكار تافهة عن دمجها، أو استنساخ أفكار نعيم قاسم وجعلها صلب الخطاب الرسمي. كلّا، ليس الانسحاب الإسرائيلي مقدّمة لنزع السلاح. بل نزع السلاح هو شرط استعادة السيادة الكاملة. فما هو محتلّ اليوم محتلّ بسبب السلاح لا العكس.

إنّ مثل هذه الشجاعة هي الشرط الشارط للبدء بترميم الاقتصاد والخدمات تمهيداً لفتح الاقتصاد أمام الاستثمارات الخليجية والدولية.

هل قرأ اللبنانيون بعيون وعقول مفتوحة ما قاله وزير خارجيّة إيران عبّاس عراقجي عن بلدهم؟

قال عراقجي: “إيران ليست لبنان، وأيّ اعتداء سيُقابَل بردّ فوريّ”. دعك من الاستعلاء الفارغ والإهانة المباشرة، التي تكشف مقداراً مهولاً من القلق والخوف والشعور الحادّ بالنقص نتيجة الهزيمة. أليس هذا الكلام تنصّلاً فاضحاً من “النسخة المشوّهة” للبنان التي صنعتها إيران بنفسها.

فمن هو هذا الـ”لبنان” الذي يأنف منه عراقجي؟ أليس هو لبنان المدمَّر اقتصاديّاً، المفلس سياسيّاً، المفخّخ ميليشيويّاً، والمخطوف عسكريّاً؟ أليس هو “لبنان الحزب” الذي بنته إيران حجراً حجراً، عبر المال والسلاح والتعبئة والعقيدة؟ أليس هو نتيجة أربعين عاماً من الاستثمار الإيراني في التخريب، والاغتيال، وتحويل الشيعة، من مكوّن وطني، إلى طائفة وظيفيّة تُدار كثكنة عسكرية ضمن ثكنات مشروع ولاية الفقيه؟

حين يصف عراقجي إيران بأنّها ليست كلبنان، فهو لا يعي فقط فشل مشروعه، بل يعبّر عن احتقار فاقع لمنتَجه نفسه. والقول الأصدق في هذا المجال: “نحن لا نقبل بأن يُفعَل بنا كما فعلنا بلبنان!”.

لبنان مرآة قبحه

هذا اعتراف هائل، حتّى وإن لم يقصده، بأنّ المشروع الإيراني في المشرق لم ينتج إلّا دولاً تعمل بطاقة التدمير الذاتي نيابة عن إيران.

هي جملة تختصر هزيمة المشروع كلّه. فمن يخاف أن يصبح كلبنان، هو في الحقيقة يعترف أنّ لبنان صار مرآة قبحه وقبح مشروعه، وأنّ “جمهورية الحزب” التي فرضها على لبنان، تحوّلت إلى كابوس يخشى أن يصحو عليه في طهران.

في كلّ الأحوال ما عاد مسموحاً ولا مقبولاً للبنان أن يستمرّ في التلهّي بألاعيب لغويّة أو مناورات سياسية. ولا أعذار أمام الدولة اللبنانية، تعفيها من مواجهة مسألة السلاح بشكل مباشر وفق جدول زمني محدّد وقصير.

الخطر الأكبر على مستقبل لبنان من “الحزب”، هو تردّد اللبنانيين ودلع السلطة السياسية التي أخشى أنّه يخيّل للبعض فيها أن لا مسؤوليّة عليها عن استثمار اللحظة الإقليمية العملاقة، وأنّ لبنان سيتغيّر لوحده حين تكتمل دائرة التغيير في المنطقة، وما على البلد إلّا الانتظار!

القصف الذي تعرّضت له النبطية قبل أيّام هو نموذج مصغّر عمّا يمكن أن يكون عليه مشهد لبنان خلال أسابيع قليلة، إذا استمرّ تقاعس الدولة عن أداء المهمّة التي يعرف الجميع أن لا مهرب منها: نزع سلاح “الحزب” كنتيجة طبيعية لاكتمال هزيمة المشروع الثوري الايراني.

لن تتأخّر إسرائيل كثيراً عن استثمار نشوة انتصاراتها، وتوظيفها في لبنان بغية تثبيت الأمر الواقع الذي لا بدّ منه مهما طالت ممانعة الأطراف المعنيّة أو تمادى التسويف اللبناني الرسميّ.

الهزيمة فرصةٌ لولادة جمهوريّة جديدة

هزيمة إيران هي فرصةٌ لولادة جمهوريّة جديدة من ركام المقاومة ومن شتات المحور الذي تهاوى.

ليست هذه وعوداً ورديّة. لقد تسنّى للّبنانيين أن يعيشوا نتائج الهزيمة قبل أن تكتمل. ففيديوهاتهم وهم يتابعون حرب إيران وإسرائيل من على شرفات وأسطح الملاهي الليليّة، أو من دون تعديل يُذكر في برنامج أنشطتهم الصيفية، لم تكن مشهداً من اللامبالاة… بل كانت، من دون أن يدروا، التعبير العمليّ الأوضح عن حيادٍ فرضه الواقع، لا الدستور.

لأوّل مرّة منذ نصف قرن، كان لبنان في صفوف المشاهدين، لا المجاهدين. والسبب بسيط: “الحزب”، الذي أُنشئ للدفاع عن الجمهورية الإسلامية، لم يعد قادراً على الدفاع عنها، أو خوض الحروب نيابة عنها.

خلال 12 يوماً، عاش اللبنانيون لمحة عن المستقبل الذي يُمكن أن يكون: لا حرب، لا دمار، لا تحذيرات من السفارات، لا نزوح داخليّاً، ولا دماء تسقط. كانت الحرب هي حرب الآخرين تماماً ولم يكن لبنان ميدانها.

تمامًا كما حصل عام 1967، حين احتُلّت الضفّة الغربيّة بما فيها القدس الشرقية، وغزّة، وسيناء والجولان، نجا لبنان، لا لأنّه يملك جيشاً جرّاراً أو مقاومة خارقة، بل بفضل رجاحة العقل السياسي لدولته التي نأت بنفسها عن الحرب.

الحياد خلاصٌ لا خيانة

ما جرى في حرب حزيران 2025 هو الفرصة الكبرى لبلد صغير أُجبر لعقود على حمل بنادق غيره، ولمس أبناؤه اليوم لمس اليد كم أنّ الحياد ليس خيانة، بل خلاص. كم أنّ عدم الانجرار هو شجاعة، لا جبن. كما أنّ مستقبل أولادهم يستحقّ مشروعاً سياسيّاً جديداً… لا خطابات خشبيّة تخرج من عباءة عتيقة.

لكن لا حياد يستمرّ بالصدفة. الحياد لا يعيش من دون سلطة قرّرت أن تكون خارج الحروب، ومن دون قيادة تعترف أنّ “زمن السلاح” انتهى، وأنّ قواعد اللعبة في المنطقة تغيّرت.

لقد ضُربت طهران، وتغيّرت دمشق، وانهار “الحزب”. الكرة الآن في ملعب بيروت. فإمّا أن تكون هذه لحظة خلاص وطنيّ… أو فرصة ضائعة أخرى نتيجة التردّد والخوف وفقدان الشجاعة والمخيّلة.

نديم قطيش - اساس ميديا

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا