فخّ قروض الإسكان... القرض 50 والسداد 100 ألف دولار
يتعطّش اللبنانيون للإقراض السكني الذي يوفّره "مصرف الإسكان"، باعتباره المسار الوحيد لتملّك مسكن في الوقت الحالي، نظراً لارتفاع مستوى التضخّم، وانهيار الليرة، وتراجع القدرة الشرائية للمداخيل، وغياب الإقراض المصرفي، وتعطّل عمل المؤسسة العامة للإسكان.
لكن، هل يعلم الطامحون إلى الاقتراض من مصرف الإسكان حجم الدين الذي سيترتّب عليهم مقابل القرض؟ هل سبق لأحد المقترضين أن دقّق في شروط "مصرف الإسكان"؟ وهل يدرك المقترض أنّ الـ50 ألف دولار التي سيقترضها، سيضطر إلى سدادها بقيمة 100 ألف دولار وربما أكثر؟
الشيطان يكمن في التفاصيل
لا شك في أن مسألة الإقراض السكني اليوم تُشكّل حاجة ماسّة للبنانيين، بصرف النظر عن مصدر القرض، سواء "مصرف الإسكان" أو سواه. لكن، مهما بلغت حاجة المقترض، لا بدّ له من التنبّه إلى شروط القرض وتفاصيل سداده، لا سيّما في ظلّ الترويج الواسع لقروض "مصرف الإسكان" وتصويرها على أنها ميسرة أو حتى "مدعومة"، وهو أمر غير دقيق. فمصرف الإسكان، كما سائر المصارف التجارية، مؤسسة تبغي الربح، بخلاف المؤسسة العامة للإسكان. وبالتالي، لا تيسير ولا دعم حقيقي، بل عملية إقراض "مجحفة" من جوانب عدّة.
فالعقد المُرتقب إبرامه بين مصرف الإسكان والمقترض واضح الشروط، وهو يكاد يتطابق مع عقود الإقراض السكني التي كانت تبرمها المصارف التجارية قبل عام 2019 لكنه يفوقها إجحافاً بشكل أو بآخر. قيمة القرض تتراوح بين 50 و100 ألف دولار كحد أقصى، بفائدة سنوية تبلغ 6 في المئة، قابلة للتعديل. ماذا يعني ذلك؟
فائدة الـ6 في المئة تُعد مرتفعة على قرض بهذه القيمة، خصوصاً أن قرضاً بـ50 أو حتى 70 ألف دولار قد لا يُمكّن صاحبه من شراء شقة صغيرة خارج بيروت. أضف إلى ذلك أن هذه الفائدة، إلى جانب التأمينات الإلزامية، تضاعف كلفة القرض في نهاية مدة السداد.
وإذا أخذنا مثالاً واقعياً، شقة صغيرة في جرود عكّار بقيمة 50 ألف دولار، مع فائدة 6 ف يالمئة سنوياً، فإنها ستؤدي إلى تراكم المبلغ المقترض إلى نحو 86 ألف دولار، علماً أن القسط الشهري يشمل جزءاً من أصل القرض وجزءاً من الفائدة. ويُضاف إلى هذا المبلغ نحو 12 ألف دولار كلفة التأمينات الإلزامية (تأمين على الحياة، وعلى الضرر الدائم، وعلى المسكن والحريق)، وهي تأمينات يُحدّد المصرف نوعها والشركة التي تُديرها. بالتالي، يصبح إجمالي الدين قرابة 100 ألف دولار (50000 + 36000 + 12000 دولار).
ولا يقتصر الأمر على ذلك بل تكمن الخطورة في كون العقد يذكر بشكل صريح أن مصرف الإسكان يمكنه تعديل الفائدة بحسب ما تقتضيه المصلحة لاحقاً. ما يعني أن نسبة الـ6 في المئة معرّضة للارتفاع لاحقاً من دون تحديد سقف معيّن لتلك الزيادات.
المصرف يستغل اللبنانيين
لطالما روّج رئيس مجلس الإدارة المدير العام لمصرف الإسكان أنطوان حبيب، عبر الإعلام، أن المصرف يسعى لمساعدة اللبنانيين على تملّك منازل، وللتخفيف من أزمة السكن. وكرر حبيب في أكثر من مناسبة أن المصرف "يحمل رسالة اجتماعية"، ولا يسعى إلى تحقيق الأرباح من عمليات الإقراض، بل إلى دعم الشباب اللبناني. لكن عند التدقيق في بنية الفوائد وشروط القرض، يتبيّن أن رسالة مصرف الإسكان قائمة على الفائدة والربح المضاعف وليس الربح المنصف.
فالمصرف اقترض 165 مليون دولار من "الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية" بفائدة منخفضة بلغت 2 في المئة فقط، فيما حدد فائدة الإقراض السكني عند 6 في المئة قابلة للتعديل. فهل هذه فائدة عادلة؟
عادةً ما تقوم المصارف بإقراض الزبائن من خلال أموال المودعين أو عبر قروض من مصارف أخرى أو المصرف المركزي أو أدوات تمويلية متنوعة. ولكل مصدر من هذه المصادر كلفة يُسدّدها المصرف على شكل فوائد، تُعرف بـ"Cost of Funds" أو "كلفة الأموال". بالمقابل، يُقرض المصرف الزبائن بفائدة أعلى من تلك التي تكبّدها، محقّقاً ربحاً مشروعاً.
لكن لهذه العملية أصولاً، فالفائدة المفروضة على المقترضين عادة ما تزيد بنسبة 2 في المئة فقط عن كلفة الأموال. ما يعني أن مصرف الإسكان، إذا اقترض من الصندوق العربي بفائدة 2 في المئة، يُفترض به ألا يفرض أكثر من 4 في المئة فائدة على المقترضين منه. لكن الواقع يشير إلى أنه حدّد الفائدة بـ6 في المئة، ما يكشف محاولة لمضاعفة الأرباح على حساب المقترضين المتلهّفين للإقراض السكني. والأسوأ من ذلك أن الفائدة ليست ثابتة، بل "قابلة للتعديل"، أي أنها قد تُرفَع لاحقاً وفقاً لسياسة مصرف الإسكان ومصادر تمويله، من دون أي ضوابط أو سقوف واضحة.
من هنا لا بد للمقترض أن يتحقّق قبل توقيع العقد مع مصرف الإسكان من تفاصيل تعديل الفائدة في وقت لاحق، والاستفسار عن السقف الأدنى والأقصى الممكن للفائدة، ومعرفة عدد المرّات المسموح فيها تعديل الفائدة خلال مدة القرض كما يمكن للمقترض طلب نسخة واضحة ومفصّلة من جدول السداد المتوقع.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|