محليات

المفتي دريان إلى سوريا.. زيارة دينية بأبعاد سياسية استثنائية

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في خطوة تحمل أبعادًا رمزية تتجاوز طابعها الديني، يتوجّه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان إلى دمشق للقاء الرئيس السوري أحمد الشرع، على رأس وفد من علماء الدين اللبنانيين، يوم السبت المقبل، وهي الزيارة الأولى من نوعها منذ سنوات طويلة كانت العلاقة فيه "شبه مقطوعة" بين دار الفتوى ودمشق، في عهد نظامي حافظ وبشار الأسد، ولو أنّ العلاقة لم تبلغ مستوى العداء الصريح.

وإذا كانت الزيارة وُصِفت رسميًا بأنّها "تهنئة بروتوكولية" للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، بعد السقوط "التاريخي" لنظام الأسد، فإنّ التوقيت الدقيق والاستثنائي الذي تأتي في ظلّه، لبنانيًا وسوريًا وإقليميًا، يمنحها أهمّية أكبر، خصوصًا في ظلّ الانفتاح العربي والغربي المستجدّ على القيادة السورية، والعمل على تحضير الأرضيّة من أجل إرساء أسُس إصلاح العلاقات اللبنانية السورية وتطويرها، مع طيّ صفحة الماضي بكلّ أشكالها.


 وفي وقتٍ يحرص المحسوبون على دار الفتوى على نفي كل التأويلات والاستنتاجات غير الدقيقة حول الزيارة، خصوصًا تلك التي حاولت أسرها في سياقات طائفية ومذهبية، بل وذهبت لحدّ ربطها بكلامٍ للمفتي حول رفضه "تهميش السنّة"، ثمّة علامات استفهام تُطرَح حول الغايات الفعليّة من هذه الزيارة، داخليًا وخارجيًا، وكذلك على مستوى العلاقة اللبنانية السورية المتأرجحة، وقبل ذلك العلاقة بين دار الفتوى ودمشق، وهنا بيت القصيد.

"قطيعة بلا عداوة"
 
تكتسب الزيارة المرتقبة لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان إلى دمشق أهمية "استثنائية" ليس فقط لتوقيتها الرمزيّ المعبّر، على خطّ التغييرات الكبرى التي تحصل في المنطقة، وانعكاساتها على كلّ من سوريا ولبنان، ولكن أيضًا لكونها تشكّل "خرقًا نوعيًا" على مستوى العلاقة "المتذبذبة"، إن جاز التعبير، بين دار الفتوى ودمشق، التي لطالما كان الحذر عنوانها، وإن لم تصل لمستوى العداء الفعليّ والحقيقي.
 
فبين التصعيد الذي بلغ ذروته في الثمانينات مع اغتيال المفتي حسن خالد، ومحطات التباعد خلال مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بدا أنّ المؤسسة الدينية تتجنب الاصطفاف السياسي العلني في الملف السوري، وهو موقف لم يتغيّر عمليًا مع انتخاب المفتي دريان عام 2014، إذ سلكت دار الفتوى معه نهجًا توافقيًا، حرص على التوازن بين التفاعل مع الداخل اللبناني، والانفتاح المحسوب على الإقليم، من دون الدخول في مواجهات مباشرة مع أحد.

بهذا المعنى، يؤكد المحسوبون على دار الفتوى أنّ الزيارة لا تخرج عن هذا النهج وهذه الثوابت، بل تكرّسها في مكان ما، رافضة اختزالها بمنطق طائفي لا يعكس مبادئ الدار، خصوصًا في ضوء إصرار البعض غير المفهوم على ربطها بكلام عام للمفتي أطلقه مؤخرًا عن "رفض تهميش أي مكوّن لبناني"، وكأنه كان موجّهًا ضدّ طرف أو فريق، في حين أنّ هدفه كان محاولة تثبيت توازن رمزي في ظل ما يعتبره البعض اختلالًا في موازين التمثيل الوطني.
 
 زيارة دينية بطابع سياسي واضح
إذا كان المحسوبون على دار الفتوى يشدّدون بهذا المعنى على أنّ الزيارة المرتقبة تأتي لتؤكد على موقع دار الفتوى ومنطلقاتها التي لطالما كانت إيمانية وجامعة، فإنّ المطّلعين يؤكدون أنّها، رغم طابعها الديني البديهي، لا تخلو من الأبعاد السياسية، خصوصًا أنّها تتقاطع مع جملة من المعطيات التي لا بدّ من أخذها بعين الاعتبار في مقاربة الأهداف المتوخّاة من الزيارة، وربما النتائج التي يمكن أن تفرزها على المستوى الداخلي أو الخارجية.
 
هنا، ثمّة من يقرأ في الزيارة سعيًا واضحًا من دار الفتوى لتثبيت مرجعيتها الوطنية، من بوابة التفاعل مع التحولات الإقليمية الكبيرة، حيث تعود دمشق إلى موقعها ضمن الخريطة العربية الجديدة، وتتسارع اللقاءات الثنائية معها من عواصم كانت حتى الأمس القريب في موقع القطيعة، وبالتالي فإنّ لبنان لا بدّ أن يكون حاضرًا في سياق هذه التحوّلات، علمًا أنّ بعض المعطيات تحدّثت عن "إشارات مشجّعة" على الزيارة سبقتها، بل مهّدت الطريق لترتيبها.

وبهذا المعنى، يرى البعض أن أهمية الزيارة تكمن في شكلها أكثر من مضمونها، إذ يُستبعَد أن يخوض المفتي دريان مثلاً مع الرئيس الشرع في الملفات الشائكة، التي يُترَك أمر معالجتها للقيادات السياسية، إلا أنّ أهمية اللقاء إن حصل كما هو متوقّع، تبقى في الصورة التي سيفرزها، والتي ستقدَم بوصفها علامة على أن صفحة قد طُويت وأخرى فُتِحت، وأن المرجعية السنّية في لبنان لا تنوي البقاء خارج أي تحوّل تجري صياغته على مستوى الإقليم.
 
في الخلاصة، يمكن القول إنّ زيارة المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان إلى دمشق تحمل رمزية مضاعفة في توقيتها وشكلها ومضمونها، وهي، وإن قُدّمت تحت العنوان الديني، لا يمكن فصلها عن سياقاتها الأوسع، خصوصًا في ظلّ محاولات إعادة ترتيب الأوراق على أكثر من مستوى في المنطقة. وإذا كان صحيحًا أنّها قد لا تغيّر موازين القوى، أو تعيد رسم العلاقة بين دمشق وبيروت بجرّم قلم، إلا أنّها قد تكون مقدّمة لما هو أكبر، إذا ما أحسن الطرفان، اللبناني والسوري، قراءة اللحظة وتوظيفها بما يخدم مصلحة الدولتين، لا مصلحة اللحظة.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا