الصحافة

بعبدا منزعجة من تصرّفات أحمد الشرع

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ليبانون ديبايت"- عبدالله قمح

 

لم تكن زيارة وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إلى بيروت سوى وهم إعلامي صُنع على عجل. فقد تولّت بعض الوسائل الإعلامية، التي تنقّب في العلاقات الشخصية أكثر مما تستند إلى معطيات حقيقية، ترتيب “جدول أعمال” الزيارة ووزّعته على المرجعيات والقراء قبل أن تحصل، فيما انشغلت صالونات سياسية بتحضير ملفات لمناقشتها مع الضيف المرتقب، على افتراض أن كل شيء بات جاهزًا.

 

لكن المفاجأة كانت أن لا زيارة مرتقبة أصلًا، ولا حتى إشعار رسمي ورد إلى الدولة اللبنانية من الجانب السوري بهذا الخصوص. إذ تبيّن أن كل ما جرى من مواقف واستعدادات استند إلى تسريبات غير دقيقة، فيما كان الشيباني يتحضّر للسفر إلى إحدى العواصم الأوروبية. وهكذا اصطدمت بيروت بواقع مختلف تمامًا عمّا أُشيع.

 

لكن “الخيبة البروتوكولية” لم تكن حدثًا منفصلًا، بل جاءت ضمن سياق أوسع، أكّد شعورًا متناميًا لدى بعض المرجعيات السياسية، وفي مقدمتها قصر بعبدا، بأن دمشق تتعامل مع لبنان بنوع من الازدراء السياسي المقصود. إذ توحي التصرفات السورية بوجود إرادة منهجية لتهميش لبنان وعدم التعامل معه على قاعدة الندية أو الاحترام المتبادل.

 

أحد أبرز المؤشرات الأخيرة تمثّل في امتناع رئاسة الجمهورية السورية عن توجيه تهنئة رسمية إلى نظيرتها اللبنانية بمناسبة عيد الأضحى، على الرغم من أن بعبدا كانت قد بادرت إلى إرسال رسالة مشابهة. وهذه ليست المرّة الأولى. ففي عيد الفطر الماضي، وصلت رسالة التهنئة السورية متأخرة بأسابيع، بعد أن أشار زوار دمشق إلى ضرورة الرد على رسالة بعثت بها بيروت.

 

ورغم أن البعض قد يعتبر هذا السلوك “تفصيلًا بروتوكوليًا تافهًا”، إلا أنه لا يمكن فصله عن الدينامية المتبدلة في العلاقة بين البلدين. فمنذ توقيع “اتفاق جدة”، الذي بقي حبرًا على ورق، لم تُفعّل أي آلية تنسيق جدية بين بيروت ودمشق، باستثناء التعاون الأمني المحدود بين ضباط ميدانيين حول بعض الخروقات الحدودية.

 

وفي وقتٍ أبدى فيه لبنان إشارات انفتاح تجاه سوريا، مكلّفًا رئيسي الحكومة نجيب ميقاتي ونواف سلام بزيارتها على رأس وفود أمنية وسياسية رفيعة، لم تُقابل دمشق تلك الخطوات بأي مبادرة مقابلة، حتى ولو كانت رمزية. وعلى الرغم من استمرار التواصل “المتقطع” بين الرئيسين جوزاف عون وأحمد الشرع، إلا أن الأوّل لا يُخفي استياءه من طبيعة العلاقة، حيث أظهر لبنان انفتاحًا دون أن يتلقّى أي تجاوب فعلي من الطرف السوري.

 

ويمكن قراءة هذا الانزعاج من خلال خطوة تعيين سفيرة جديدة للبنان في سوريا من خارج السلك الدبلوماسي التقليدي، كانت تشغل منصب قنصل عام في ليبيريا، وهي خطوة أثارت الانتباه في توقيتها ورسالتها. كما يُنتظر أن يتخذ الأمن العام إجراءات أكثر تشددًا ضد النزوح السوري، اعتبارًا من 15 تموز الجاري، وهو الموعد النهائي الممنوح للسوريين المقيمين بشكل غير شرعي لتسوية أوضاعهم مجانًا، شرط مغادرتهم الأراضي اللبنانية.

 

مؤخرًا، ساد جو من الارتياب قصر بعبدا، بعد ورود معلومات تفيد بعزم دمشق استضافة مؤتمر لدول جوار سوريا لبحث ملف النازحين وقضايا أخرى، من دون أن تُوجَّه دعوة إلى لبنان. ومع أن التحضيرات السورية للمؤتمر كانت قد أُنجزت لافتتاحه في بداية الشهر الماضي، تقرر تأجيله لأسباب غير واضحة. ظنّ اللبنانيون حينها أن “الخطأ” سيتم تداركه عند تحديد موعد جديد. لكن المفاجأة أن الموعد حُدّد لكن الدعوة لم تُوجَّه مجددًا، ما عزّز القناعة بأن دمشق لا تفضّل إشراك بيروت في مؤتمرها.

 

بالنسبة للبنان، هذه إشارة إضافية إلى أن سوريا لا تنوي الانخراط الجدي في حوار مشترك بشأن ملف النازحين أو سواه من الملفات العالقة. وفيما تبرر دمشق موقفها بعدم جهوزية البنى التحتية اللازمة لإعادتهم، يرى كثيرون أن النظام السوري الجديد يتعامل مع ملف النزوح كورقة ضغط سياسية، يوظفها في سياق مقاربة داخلية وإقليمية أوسع.

 

ويعزّز هذا الانطباع ما كشفته مصادر دبلوماسية لبنانية عن محاولات سورية للاستفهام مؤخرًا عمّا إذا كانت الدولة اللبنانية مستعدة لتسوية أوضاع النازحين على أراضيها، عبر منحهم إقامات قانونية أو ما يشبه “مكافآت إقامة”، بما يُكرّس بقاءهم في لبنان، وهو توجّه يتناقض تمامًا مع الإرادة اللبنانية المُعلنة.

 

بموازاة ذلك، تثير الجهات اللبنانية استغرابًا متزايدًا من الإصرار السوري المتكرر على المطالبة بالإفراج عن موقوفين إسلاميين من أجانب وسوريين في سجن رومية، بعضهم متورط في قضايا إرهابية خطيرة. والمفارقة أن هذا المطلب يتكرر بإلحاح لافت، رغم معرفتهم بمدى خطورة هؤلاء الأشخاص.

 

يقول أحد العارفين بأجواء دمشق إن سوريا ليست بصدد الانفتاح الحقيقي على لبنان، على عكس انفتاحها الظاهر تجاه دول أخرى. فالنظرة التقليدية إلى لبنان لا تزال حاضرة، ولا يمكن فصل هذا التوجه عن السياق الإقليمي، خصوصًا الموقف السعودي غير المُعلن بعدم الانخراط الجدي في الملف اللبناني. وهو ما يفسر الغياب شبه الكامل للسفراء الخليجيين في بيروت (الإمارات، الكويت، البحرين)، واقتصار العلاقة السعودية – اللبنانية على وعود إعلامية بعودة السياحة لا أكثر.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا