بالفيديو - الجيش ينفذ مداهمة في سد البوشرية دون توضيح الأسباب
"الروتا" يهدد أطفال لبنان... فهل هم في خطر؟
جنى جبّور - "نداء الوطن"
تتصدر الإصابات المتزايدة بفيروس "الروتا" المشهد الصحي في لبنان، مثيرةً قلقًا واسعًا مع تباين أعراضه التي قد تدفع أطفالنا نحو رعاية طبية مكثفة أو حتى دخول المستشفيات، ما جعل البعض يشكك في فعالية اللقاح. يتميز هذا الفيروس بسرعة انتشار مذهلة؛ ينتقل بسهولة فائقة، لا سيما في الحضانات. مع انطلاق الأنشطة المائية الصيفية، تتصاعد مخاوف إضافية حول طرق انتقال العدوى المحتملة في المسابح والبحار. لكن انتشاره لا يمثل التحدي الوحيد؛ فالأهالي يواجهون خطرًا لا يقل ضراوة، يتمثل بسيل من المعلومات المغلوطة والشائعات التي تُنسب زورًا لمصادر طبية. وفي حين أن الخوف غير المبرر قد يضللنا عن المسار الصحيح، تبقى الوقاية الواعية والانتباه الشديد السبيل الوحيد لحماية أطفالنا من الأعراض الشديدة التي تصل في بعض الحالات إلى حد الوفاة.
ازدادت حالات الإصابة بفيروس "الروتا" في الأسابيع الأخيرة في البلاد، وهو أمر غير مفاجئ بالنظر إلى الظروف الصعبة التي نمر بها من نزاعات مستمرة، ونقص الخدمات، وتدهور معايير النظافة العامة. يُعرف "الروتا"، الذي ينتمي إلى عائلة Reoviridae، بكونه "فيروسًا ديمقراطيًا" يصيب الجميع حول العالم، سواء في الدول المتقدمة أو النامية. ومع ذلك، فإن وطأته تكون أشد قسوة في بلد مثل لبنان، حيث تزداد احتمالية المضاعفات الخطيرة والمميتة لدى الأطفال بسبب محدودية الوصول إلى الرعاية الصحية المتقدمة مقارنة بالدول الأكثر تطورًا. يزداد الأمر تعقيدًا بسبب النقص الحاد في البيانات؛ فمنذ عام 2018، لا تتوافر أي إحصاءات وطنية شاملة حول انتشار الفيروس، مما يعيق بشكل كبير جهود المكافحة والوقاية الفعالة.
يُعدّ "الروتا" المسبب الرئيسي وراء حالات التهاب الأمعاء الشديدة التي تظهر على شكل إسهال وقيء حاد لدى الأطفال. "ينتقل بسرعة فائقة"، كما يوضح الدكتور أنطوان يزبك، اختصاصي طب الأطفال وحديثي الولادة. لكن هل كل نوبة إسهال أو تقيؤ لدى الأطفال تشير إلى الإصابة بهذا الفيروس؟ يجيب: "ليس كل إسهال، لا سيما إذا كان عدد المرات قليلاً، يعني التهابًا شديدًا في الأمعاء". ويوضح أنّ التهاب الأمعاء (Gastroenteritis) يمكن أن ينجم عن عدة أسباب محتملة تتنوع بين الفيروسات، البكتيريا، والطفيليات. "لكن في الحالات التي تصيب الأطفال، فإن الفيروسات هي المسبب الأكثر شيوعًا؛ ويتصدر "الروتا" القائمة، حيث يُعزى إليه حوالى 75 % من حالات التهاب الأمعاء الفيروسية لديهم".
بؤر في المسابح؟
صحيح أن فيروس "الروتا" ينتشر عادةً بكثرة خلال فصلي الشتاء والربيع، لكنه لا يغيب تمامًا عن بقية العام، بل قد يستمر في الانتشار، لا سيما مع تقلبات الطقس التي نشهدها حاليًا. ينتقل هذا الفيروس بشكل أساسي عن طريق التلامس الفموي-البرازي (oro-fecal)، أي عبر تلوث اليدين بالبراز ثم ملامسة الفم. يشرح د. يزبك: "هذا النمط من الانتقال يجعله شديد العدوى، خصوصًا في بيئات مثل الحضانات حيث ينتشر بسهولة من طفل لآخر. على سبيل المثال، قد ينتقل الفيروس عند تغيير حفاض الطفل على طاولة غير معقمة، أو عند عدم غسل الأيدي جيدًا بعد ذلك، ما قد يؤدي إلى تلويث الطعام أو الأسطح".
ومع حلول الصيف، تزداد المخاوف من انتشار "الروتا" عبر المسابح. يحذر د. يزبك من أن المياه العذبة التي لا تحتوي على كمية كافية من الكلور تُعد بيئة مثالية لانتقال الفيروسات، خاصةً إذا كانت ملوثة بمياه الصرف الصحي. لذا، يجب التأكد من وجود النسبة المناسبة لقتل الجراثيم. لكن حتّى الكلور وحده لا يكفي دائمًا؛ فعلى الأهل الانتباه لعدم السماح للأطفال الذين يرتدون الحفاضات بالنزول إلى المسبح دون حفاض سباحة مخصص. فتبرز الطفل المصاب بـ "الروتا" في المسبح قد ينقل العدوى للآخرين، خصوصًا إذا كانت كمية البراز الملوثة كبيرة".
جفاف الجسم... خطر حقيقي
ينتشر الفيروس بسرعة مذهلة، فكمية صغيرة جدًا منه في براز الشخص المصاب تكفي لنقل العدوى. الأسوأ، أنه يبقى في براز الطفل لأسابيع أو حتى أشهر بعد التعافي، ما يجعله مصدرًا مستمرًا للعدوى إذا أُهملت إجراءات الوقاية.
تظهر الأعراض عادةً بعد يوم إلى ثلاثة أيام من التعرض للفيروس، وتشمل قيئًا وإسهالًا حادين بكميات كبيرة، مع تغير لون البراز ليصبح فاتحًا وقد يحتوي على دم أحيانًا. يرافق ذلك ارتفاع في درجة الحرارة، إرهاق، خمول، وشحوب، بالإضافة إلى آلام في الجسم والبطن. ويؤكد د. يزبك أن الخطر الأكبر يكمن في الجفاف الشديد، الناتج عن القيء والإسهال الحادين. فرغم إمكانية علاج هذه الأعراض مبدئيًا في المنزل، إلا أن جفاف جسم الطفل، خاصةً كلما كان أصغر سنًا، يتطلب تدخلاً طبيًا سريعًا وعناية فائقة لتجنب المضاعفات الخطيرة على أعضائه الحيوية أو حتّى الوفاة.
مفاهيم خاطئة
تُشخص الإصابة من خلال اختبار PCR للبراز أو زرعه، لكن يمكن للأطباء تحديده أيضًا بناءً على الأعراض السريرية الواضحة، خاصةً في ظل انتشاره. يظن الأهل غالبًا أن أطفالهم قد تعافوا بعد 5-6 أيام من بدء الأعراض، لكن قد تعود بعضها الأسبوع التالي بسبب عدوى متجددة أو استمرار إفراز الفيروس، إلا أنها تكون أخف حدة بفضل المناعة الجزئية التي يكتسبها الطفل.
في لبنان، يركز الكثير من الأهل على إيقاف الإسهال؛ يوضح د. يزبك أن هذا المفهوم خاطئ تمامًا؛ فالإسهال هو وسيلة الجسم للتخلص من الفيروس أو البكتيريا؛ وإيقافه قد يحبس المسبب المرضي داخل الأمعاء ويزيد الحالة سوءًا، مشدداً على "على أنّ الهدف الأساسي من العلاج هو تعويض السوائل والأملاح والسكريات التي يفقدها الطفل بسبب الإسهال والقيء، من خلال محاليل الإماهة الفموية، أو وريديًا في الحالات الشديدة بالمستشفى. إضافة إلى ذلك، يمكن إيقاف التقيؤ بالأدوية المناسبة لتجنب الحاجة للمصل الوريدي. كما يُنصح بإعطاء البروبيوتيك لدعم البكتيريا النافعة في الأمعاء".
ويُحذر بشدة الأهل من إعطاء المضادات الحيوية، خاصة "الفلاجيل"، دون استشارة الطبيب. فـ "الروتا" عدوى فيروسية، والمضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وقد تضر بصحة الطفل وتزيد من مقاومة البكتيريا.
تشكيك "لبناني" باللقاح؟
النظافة أساسًا لا غنى عنها في كسر سلسلة عدوى الفيروس، لكن اللقاح يبقى السلاح الأكثر فعالية في الوقاية منه. منذ اكتشافه قبل نحو 15-20 عامًا، أحدث فعلًا ثورة حقيقية. فبعدما كانت الإحصاءات العالمية تشير إلى أكثر من 100 مليون إصابة و500 ألف وفاة سنويًا بين الأطفال، انخفضت هذه الأرقام بنحو 60 % بفضله، خصوصًا في الدول المتقدمة.
في لبنان، ومع تزايد الإصابات والحاجة لدخول المستشفيات حاليًا، قد يتساءل بعض الأهل عن فعاليته إذا أصيب طفلهم بأعراض حادة بعد تلقيه. يوضح د. يزبك أنّ "اللقاح يعمل على محاكاة الإصابات الأولية الشديدة لتكوين مناعة، وبالتالي يقلل من حدة التهاب الأمعاء". ويؤكد على الرغم من أن بعض الأطفال قد يحتاجون لدخول المستشفى رغم الحصول عليه بسبب كمية الفيروس الكبيرة، إلا أن التطعيم يبقى حاسمًا في تقليل خطر الإصابة الشديدة والوفيات، مما يجعله خطوة ضرورية لحماية أطفالنا"، مشيراً الى أن "الأطفال يمكنهم تلقيه من عمر 6 أسابيع وحتى 7 أشهر تقريبًا"، لافتًا إلى "نوعين رئيسيين من اللقاحات الموصى بهما عالميًا: Rotarix الذي يُعطى على جرعتين، وRotateq الذي يُعطى على ثلاث جرعات، وهما الأكثر فعالية".
يمكن للأطفال الإصابة بفيروس "الروتا" عدة مرات في حياتهم، خاصة قبل بلوغ الخامسة. فكل تعرض للفيروس يكسب الجسم مناعة جزئية، مما يخفف من حدة الأعراض في المرات اللاحقة. حتى البالغين قد يُصابون بـ "الروتا"، وإن كانت الأعراض لديهم غالبًا ما تكون خفيفة. ويختتم د. يزبك حديثه بالقول: "لا داعي للخوف؛ إنه فيروس موسمي يصيب الأطفال حول العالم كل عام. الأهم هو التركيز على النظافة واللقاح كخطوات أساسية للتخفيف من حدة الأعراض، إذ لا يمكن القضاء عليه بشكل كامل".
النظافة خط الدفاع الأقوى
بما أن "الروتا" ينتقل بشكل أساسي عن طريق التلامس الفموي-البرازي، فإن الوقاية منه بسيطة وفعالة وتعتمد على النظافة. تشمل هذه الإجراءات:
- عزل المصاب: إذا كان هناك طفل مصاب في المنزل، يجب عزله عن الأطفال الآخرين قدر الإمكان، أي عدم مشاركة نفس الحمام أو الأكل والأدوات الشخصية.
- تطهير اليدين: غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون بشكل متكرر، خاصة بعد استخدام الحمام، وبعد تغيير حفاضات الأطفال، وقبل إعداد الطعام وتناوله.
- تطهير المحيط: تنظيف وتطهير جميع الأسطح والألعاب والأدوات التي يلامسها الطفل المصاب بانتظام، لتجنب انتشار العدوى.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|