محليات

هل يريد "الحزب" التفاوض حول السلاح مع واشنطن مباشرة؟ ..فارس سعيد يجيب

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كتب النائب السابق فارس سعَيد:

1- أجمعت وسائل الإعلام اللبنانية، باتجاهاتها ومرجعياتها المختلفة، على أن السيد توم برّاك "فاجأ" الجميع بموقفه "المتفهّم"، لا بل "المرحِّب والسعيد" بالردّ اللبناني الرسمي (الثلاثي) على ورقته في شأن حصريّة السلاح بيد الدولة، إذ كان المتوقّع والطبيعي، بحسب الاعلام إياه على جانبَي الانقسام اللبناني الحاد حول السلاح، أن ينسج السيد برّاك على أحد مِنوالين:

أ‌- منوال السيدة مورغان أورتاغوس في التهديد والوعيد، باعتبار أن الورقة الأميركية كانت بصيغة "أوامر تنفيذية" في ربع الساعة الأخير من المهلة المعطاة للدولة اللبنانية كي تبرمج خطة "سحب السلاح" وتَشرَع في تنفيذها... وإلّا!

ب‌- أو منوال السيد آموس هوكشتاين، بإجراء "صفقة جزئية" مع "حزب الله"، على غرار ترسيم الحدود البحرية، بحيث يكون الطرفان (حزب الله وإسرائيل) رابحين: تربح إسرائيل نفطها وقسما من النفط اللبناني، ويربح "حزب الله" شبعا ثانية في البحر" Cheb’a sur mer، بوصفها مبررا آخر لاحتفاظه بالسلاح، على قاعدة: "السلاح لحماية النفط والغاز اللبنانيين"!

2- ما ضاعف "المفاجأة"، أو خيبة الأمل لدى البعض، أن منوال برّاك المعبّر عن "الرضا" والواعِد بحتمية نزول الجميع عند مقتضيات المصلحة اللبنانية الواقعية والفعلية، قد جاء عقب الموقف الذي أعلنه الأمين العام لـ"حزب الله" يوم العاشر من محرّم، رافضا الكلام في موضوع السلاح، بما في ذلك اقتراح "الخطوة مقابل خطوة"، "إلا بعد وقف الاعتداءات الإسرائيلية والاغتيالات، وانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة، والشروع في إعادة الإعمار، ومن ثمّ (أي بعد شهور أو ربما سنوات) نناقش مع الدولة الإستراتيجة الدفاعية وسلاح المقاومة" (هكذا، من موقع المنتصر والآمر الناهي!).

3- الحال أنّ السيد برّاك نسج هذه المرة على منوال جديد كل الجِدّة، خلافا لكل المبعوثين الأميركيين إلى لبنان في السنوات الأخيرة. إنه منوال الانحياز إلى "فكرة الدولة" في لبنان، بشرطها وشروطها، وليس إلى هذا الفريق أو ذاك من اللبنانيين. وفكرة الدولة هذه في لبنان ليست فكرة غائمة أو قيد البحث والحوار الوطني، كما في كثير من البلدان العربية (سوريا، فلسطين، العراق، اليمن، ليبيا...)، إنما هي واضحة ومقرّرة في العقد الوطني اللبناني منذ اتفاق الطائف، ولا سيما في خصوص سيادة الدولة على أراضيها والمقيمين، واحتكارها العنف المسلّح بموجب القانون. وفي هذا الصدد كان لافتا تركيز برّاك على اتفاق الطائف، بوصفه المرجع الأصل والأساسي لحل مسألة السلاح خارج الدولة، إلى درجة أنه كرر مضمون التصريح الذي أدلى به رئيس الحكومة بقوله "إن السلطات اللبنانية المتعاقبة منذ الطائف حتى أيامنا هذه قصّرت في تطبيق الاتفاق لجهة حصرية السلاح بيد الدولة".

ليس هذا فحسب، وإنما ذهب السيد برّاك إلى أصل المشكلة في الحياة السياسية اللبنانية، بدعوته اللبنانيين إلى "مغادرة الطائفية"، هكذا باقتضاب ومن دون تفسير المفسَّر وإيضاح الواضح المعلوم. والمعلوم لدى جميع اللبنانيين أن المقصود هو الطائفية السياسية التي قرّر اتفاق الطائف إلغاءها تدريجا وفي غضون سنة أو سنتين على الأكثر.

ولكن ماذا تعني الطائفية السياسية عمليا وفي الممارسة؟ تعني أن يحتكر حزب أو أكثر تمثيل طائفته والنُطق باسمها والدفاع عن مصلحتها في وجه الآخرين، كل الآخرين. وتقتضي هذه المسألة أن يخوض الحزب المتنطح للزعامة معركتين: معركة أولى داخل طائفته لتكريس زعامته الأحادية، ومعركة ثانية في وجه الطوائف الأخرى لتعيين حصته في الدولة. وقد بيّنت التجارب أن أيا من المعركتين يمكن أن تنزلق نحو العنف المسلح.
أما نتيجة المعارك فإحدى اثنتين: إما أن ينتصر الحزب فيربح وحده، ولا تنال طائفته شيئا سوى بعض الفتات من مائدة الزعيم، وإما أن يخسر فتخسر طائفته معه وتصاب بإحباط عظيم. وهنا "ينكسر عمود السماء" ويعلو الصياح :"واطائفتاه!".

4- في هذه المسألة الأخيرة، وضع السيد برّاك إصبعه على مطرح الوجع في الطائفة الشيعية، وهو كما أسلفنا، وجع كل الطوائف اللبنانية، ينتابها دوريا، ولا من يتعلّمون إلا من رجم ربِّك! ولا بد من القول إن هيمنة حزب ما على طائفة ما غالبا ما تكون بدعم خارجٍ ما. وهذا ما حصل في الطائفة الشيعية اللبنانية، بدعم استثنائي على مدى عقود من جانب النظامين السوري والإيراني، في ظل انكفاء عربي عن لبنان وتواطؤات دولية. وفي هذا السياق تم استلحاق حركة "أمل" بالحزب، بعد معارك دموية. وما يُحكى عن "ثنائية" ما هو إلا "أحادية" في الواقع باسمين ورايتين. ويرى العارفون بحقائق الأمور أن مأثرة الرئيس نبيه بري (مرجلته، بالعامية اللبنانية) أنه استطاع أن يجعل من نفسه "حاجة" للحزب بدلا من تابع. وهذا ما ظهر في محطات عدة، كان أوضحها وأفصحها، ارتفاع الرئيس بري إلى منزلة "الأخ الأكبر" بلسان الأمين العام للحزب، على أثر الاجتياح الإسرائيلي الأخير وغير المسبوق بشراسته ونتائجه.

5- ما ورد في هذه الفقرة الأخيرة، وفي اختصار شديد، لا بد أن يكون السيد برّاك على علم به، لكونه متضلّعا من الحالة اللبنانية، على ما قيل وتبيّن. وما ورد أعلاه يتّصل أيضا بسؤال تستدعيه بداية المداخلة حول "المفاجأة"، وهو التالي: تُرى ما الذي حمل السيد برّاك على "الرضا" وحتى على "الإعجاب" حيال رد السلطة برؤوسها الثلاثة على ورقته، مغدقا المديح على أركانها، وبخاصة على الرئيس نبيه بري بصفتيه: الوسيط والمسؤول في آن واحد؟ هل يرجع الأمر إلى حنكة هؤلاء الثلاثة، وقدرتهم على إقناع المبعوث الأميركي بضرورة التريث والتسويف، نزولا عند رغبة "حزب الله"، ريثما تنجلي الغيوم وتتّضح المصائر في المنطقة؟ وهل السيد برّاك مجرد مثقّف يهوى الانتروبولوجيا، فتكفيه غبطة المعرفة والاستكشاف، أو أنه مبعوث لدولة عظمى، في مهمة محددة ولغاية أكثر تحديدا؟

6- للإجابة عن هذا السؤال المركّب، أو هذه الأسئلة، لسنا في حاجة إلى معلومات خاصة أو الاستعانة بمنجّمين. يكفي منطوق بعض الخطابات والتصريحات، معطوفا عليه بعض التسريبات المعممة على وسائل الإعلام:

• عشية الرد اللبناني على الورقة الأميركية، ومع تردد "حزب الله" في الموافقة عليها، أفادت نشرات الأخبار، عن "مصادرها" ولا سيما المصادر القريبة من الرئيس بري، أن "الرؤساء الثلاثة ماضون في ردّهم الموحّد من دون "حزب الله"، إذا لم يوافق".

• في خطبة عاشوراء، ذكر الشيخ نعيم قاسم أن في إمكان الرؤساء الثلاثة تقديم ردهم بمعزل عن الحزب، "لأن لدينا طريقنا الخاصة في التعامل مع الورقة الأميركية". وبعد ساعات قليلة نقلت الفضائيات العربية عن مصادر قريبة من الحزب أنه "يرغب في التعامل مع الورقة الأميركية مباشرة ومن دون وسائط".

• في الوقت نفسه، خرجت جريدة "الأخبار" المعروفة بولائها لـ"حزب الله" بافتتاحية شديدة القسوة، محملة الرئيس بري مسؤولية التراجعات التي قدّمها في اتفاق وقف الأعمال الحربية باسم "حزب الله" ومن دون تشاور كافٍ معه!

• فضلا عن ذلك كله، جرت مجالس العاشر من محرّم بحرص شديد من جانب "أمل" على التمايز عن "حزب الله" وشعاراته في هذه المناسبة.

7- ماذا تفيد هذه الملاحظات/الوقائع؟

تفيد أمرين أساسيين:

الأول، أن ثمة شرخا حدث بين طرفي الثنائي الشيعي، وقد يكون مفتوحا على المزيد من الشيء نفسه، أو بعبارة أخرى: انحاز الرئيس بري إلى الدولة، ولم يعُد "رِجلا في الفلاحة وأخرى في البُور". مع حرص الطرفين على تجنب التصادم، لما في ذلك من عواقب وخيمة على الجماعة الشيعية بأسرها، وبطبيعة الحال على كل الاجتماع اللبناني.

الأمر الثاني، أن "حزب الله" يتوجّه نحو تفاوض مباشر مع الجانب الأميركي، من دون المرور بالدولة اللبنانية أو شركائه اللبنانيين، مفضّلا التنازل للخصم القوي على التنازل لأهل البيت الواحد. وهذا ما فعله ويفعله محور الممانعة من رأسه إلى كل أطرافه:

فالرأس الإيراني استبعد الأوروبيين وحتى الروس، مفضلا التفاهم مع الأميركي بأي ثمن. وآخر عروضه، على لسان الرئيس الإيراني، أن "المرشد لا يمانع في فتح إيران الاستثمارات الأميركية"، كما أن المرشد نفسه في خطبة عاشوراء لهذه السنة "تجنّب الخطاب الإيديولوجي، واقترب كثيرا من الخطاب الوطني القومي"، على ما لاحظ المراقبون. فإذا انتقلنا إلى الأطراف نجد أن "حماس"، غداة طرح مصر باسم قمتين عربية وإسلامية مشروعا لإنقاذ غزة وإعمارها وإدارتها، مع تنحّي "حماس" عن المشهد الفلسطيني، إذا بهذه الأخيرة تطير فرحا وتشددا عندما فتحت لها الإدارة الأميركية قناة تواصل مباشر! وعندما تعالت الأصوات العراقية مطالبة بحل الفصائل المسلحة وتسليم أسلحتها للدولة، أعلنت هذه الفصائل أن "حمل السلاح يدخل في عقيدتها الدينية، وأنها لن تسلم سلاحها إلا للمهدي المنتظر، صاحب العصر والزمان"! وليس مستبعدا أن نسمعها بعد قليل تطالب بتفاهم مباشر مع الأميركي، وبمعزل عن الدولة العراقية. كذلك الأمر فعل الحوثيون باتفاقهم الثنائي مع الإدارة الأميركية.
إن القاسم المشترك بين هذه النماذج كلها هو أولوية الاحتفاظ بالسلطة على أي أمر آخر، بما في ذلك العقيدة الدينية. فالعقيدة الدينية هي طعام الجمهور. أما السلطة فلها ربٌّ آخر.



8- هل تبيّن لنا ما سرّ غبطة السيد برّاك وارتياحه في زيارته الأخيرة للبنان، ووعده بالعودة بعد أسبوعين أو ثلاثة؟ مما لا شك فيه أنه مسرور لبوادر انفكاك التصلّب الشيعي، كما أن إدارته مسرورة أيضا لطلب التفاهم المباشر الذي قدّمه "حزب الله". وحتى لا نظلم الرجل، يطيب لنا الاعتقاد أنه يسعى الآن إلى خلوة مع نفسه، ليوازن بين صدقه في التعامل مع الأزمة اللبنانية وضرورات الانصياع لذهنية "الصفقة" التي تملأ رأس سيده في البيت الأبيض.



أما السؤال الأكثر أهمية وإلحاحا فهو: هل يواصل اللبنانيون مسيرة العودة إلى الدولة بشروطها، أو أن الثأريات باتت أقوى من بديهيات الفضيلة الوطنية؟



الإجابة عن السؤالين أعلاه رهن بما ستحمله الأيام المقبلة. "ومن وثِق بماءٍ لا يظمأ".

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا