تركيا تقتلع الأكراد من شمال سوريا وتحاصر روسيا وتدافع عن مصالح واشنطن

ليس من قبيل الصدفة ان تترافق العملية العسكرية التركية في شمال سوريا مع تاكيدات أميركية ببقاء قواتها العسكرية شرق الفرات لمدة عشرة سنوات على الاقل، خصوصا وان الاحزاب الكردية التي تكافحها تركيا تشكل عماد قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكرية والامنية لسيطرة واشنطن على مناطق داعش.
المعطيات الميدانية للعملية العسكرية التركية، تشير إلى حرص تركيا على عدم التوغل البري في سوريا و عدم الوقوع في فخ حرب العصابات، و هي ميدان الاحزاب الكردية ولا يمكن الاستهانة بمفاعيلها، وكل ما يطلبه اردوغان اقتلاع الحلم الكردي بإقامة حكم ذاتي في سوريا يشكل مع الوقت امتدادا تاريخيا و جغرافيا مع العراق ويتوغل في عمق إيران.

لكن، وفق خبراء في الشأن التركي يسعى اردوغان إلى تحقيق هدف استراتيجي يتمثل بتقويض الدور الروسي في سوريا الذي بدأ عمليا بالتراجع تدريجيا منذ اندلاع حرب أوكرانيا ، وهذا الامر لا يقل أهمية عن بتر المشروع الكردي بشكل كامل.

الانعطافة صوب المصالح كما الانحياز لتحقيق مكاسب، سمة من سمات الاردوغانية كنهج بات يطبع سياسة تركيا الحديثة، حيث يسعى اردوغان راهنا إلى بناء دور محوري لبلاده في العالم عنوانه التمدد خارج الحدود التي رسمها الغرب منذ 100 عام و جعلها بلد متخلف بكل المقاييس.

التنمية السريعة، والقفزات السريعة اقتصاديا في السنوات الأخيرة كانت لها اكلافها في الداخل التركي حيث كانت عثرات لا بد التوقف عندها، وهي معطوفة على الصراع التقليدي مع اليمين المتمثل بسطوة اتاتورك المؤسس للدولة العلمانية والاجيال الصاعدة التي تحاول العيش وفق النمط الاوروبي.

لذلك، و من منظور استراتيجي لا يجد اردوغان مصلحة بشراكته مع روسيا في إدارة شرق وشمال سوريا إلى جانب أميركا المتمركزة في مناطق حقول النفط والفوسفات، ويجدها فرصة سانحة لضرب المشروع الكردي من جذوره كما بالتخلص من روسيا وادارة المنطقة الشاسعة بشكل ثنائي مع الأميركيين.

تبقى الورقة الأهم، المتعلقة بتحالف الأكراد مع الأميركيين والتي تتناقض عمليا مع الاتفاق الضمني مع تركيا، لكن هناك من يعتبر بأن الأكراد ارتضوا ان يتحول مصيرهم إلى مجرد أوراق يتم استغلالها تباعا، لذلك ليس من مفر سوى بقائهم كحراس الوجود العسكري الأميركي من دون أن يتطور ذلك إلى صموحات بمناطق حكم ذاتي او مناطق إدارية خاصة.