الصحافة

هل عاد برّي زعيم الشيعة الأوحد؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

على مسرح السياسة اللبنانية، لا متّسع للهواة. من يتقن اللعبة يواصل العرض بلا انقطاع، ومن يفشل يُسحب من خلف الستار. وفي هذا العرض المتكرّر، لا أحد يُجيد الدور المزدوج بين الغموض والوضوح، الصمت والكلام، التقدّم والانكفاء، اللعب والتواري، كما يُجيده نبيه برّي. 

حين تقدّم توم برّاك بورقته، ودخل لبنان الرسميّ في مرحلة "الردّ"، كان التوقّع أن يكون برّي في الزاوية الأكثر إحراجاً، والأكثر انكفاءً. 
عصا واشنطن، مؤدِّبة العالم، تهوي على "قفا" شريكه في الطائفة، "حزب اللّه". وبرّي، مهما أتقن اللعب، فلا يمكنه أن يكتب في ورقة الردّ ما يُرضي واشنطن من جهة، ويُنقذ شريكه من جهة أخرى. فورقة واحدة لا تتّسع لكلّ هذا التناقض... ولكنّه فعلها!

وجبة السياسة لا تؤكل ساخنة
ثعلب السياسة الأزلي، العابر بين فصولها من دون أن يتبدّل لونه اللبناني، لا يأكل كلّ ما يُعرض عليه، وحين يجلس إلى المائدة، لا يجلس ليأكل فقط، بل ليعرف ماذا يأكل، ولماذا يأكل. 
ففي السياسة، كما في الغابة، الثعلب لا يملأ معدته، بقدر ما يملأ وقته بالحساب، ويأكل حين يكون الأكل مكسبًا لا عبئًا، أضف إلى أنّه لا يأكل حين تكون الوجبة ساخنة، كما أنّه لا يأكل من صحن غيره، إلّا حين يكون متأكّدًا أنّ أحدًا لن يجرؤ على سؤاله: من سمح لك بالأكل من صحننا؟ 
طوال سنوات وسنوات، اكتفى برّي بالجلوس عند أطراف المائدة، يراقب شريكه الأثقل وزنًا وهو يأكل من صحنه. لم يعترض. لم يزمجر. لم يُظهر أنيابه. 
اقتنع أنّ الطريدة أكبر من حجم معدته على استيعابها، ومن قدرته على هضمها، وأنّ المنازلة خاسرة سلفًا. راهن على الوقت، لا على العضلات، وعرف كما يعرف كلّ محترف، أنّ الذكاء لا يكفي دائمًا للمنازلة، ولكنّه يكفي للبقاء حيًّا إلى حين تَتْعب الطريدة من نفسها، أو إلى حين تُتعِب الفريسة نفسها. 

برّاك يرفض استلام ورقة ملاحظات "الحزب"  
حين جاءت لحظة التفاوض على وقف إطلاق النار في حرب "الإسناد"، مدّ برّي يده، وأسقط حجرًا واحدًا أصاب به عصفورين دفعةً واحدة. من جهة، حمى ما تبقّى ومن تبقّى، من نارٍ كادت تلتهم يابس الطائفة بعدما التهمت أخضرها. ومن جهة ثانية، لم يقتنص الطريدة، لكنّه أيضًا لم يتركها تمرّ... يومها، لم يجرؤ "حزب اللّه" على سؤاله: من سمح لك بالأكل من صحننا؟ ولكن الذي امتنع عن سؤاله في حينها، ساءله أثناء كتابة الردّ على ورقة توم برّاك، وحضّر ورقة بملاحظاته تختلف عن الورقة الرسمية، رفض برّاك استلامها تحت عنوان "عدم تعاطي واشنطن مع جهات حزبية". 

برّي للشيعة: أنا ربّان الطائفة
"استعجلت وقف إطلاق النار كي لا تصبح بيروت غزّة ثانية"... بهذه الجملة المقتضبة والمعبّرة كان يجيب برّي سائليه. لم يحقّق انتصارًا كاملًا في حينها، ولكنّه خرج واقفًا، ثابتًا، وكثيف الرسائل. وأبلغ تلك الرسائل لم تكن موجّهة للخارج، بل للداخل الشيعي نفسه: أنا ربّان الطائفة حين تشتدّ العواصف.

يستطيع بري أخذ ما يريده الأميركي من "الحزب" دون أن يحرّك عضلة واحدة
لم يكن برّي بحاجة يومًا لتوجيه رسائله إلى الخارج، لأنّ الخارج نفسه، يبحث عن برّي لتوجيه رسائله إلى الداخل. يُدرك الأميركي أنّ ما لا يستطيع أخذه من "حزب اللّه" وهو بكامل عضلاته، يستطيع برّي أخذه دون أن يحرّك عضلة واحدة في وجهه. ولهذا لم يكن غريبًا أن يُطلق عليه آموس هوكستين لقب الـ Big Boss، ولا أن تُخبّئ مورغان أورتاغوس نجمة داوود في صدرها وهي تبتسم له، ولا أن يذهب توم برّاك أبعد من سلفيه، ويُغدق عليه قصيدة غزل تبدأ بحرف الميم: ممتع. متمرّس. ومحترف. 

برّاك: الطبقة السياسية تجيد كلّ شيء إلّا الحكم
توم برّاك، الذي لم يخلع بدلته الدبلوماسية في مخاطبة اللبنانيين، حافظ في العلن على أناقته الكلامية، وتوازن عباراته. لكنّه في اللقاءات المغلقة، لم يُخفِ صدمته: المشهد السياسي مرتبك. الأداء فوضويّ. والطبقة الحاكمة تجيد كلّ شيء إلّا الحكم! ولكن في خضمّ هذا الركام، كان هناك استثناء اسمه نبيه برّي. ما قاله عنه برّاك في الضوء، ردّده في الظلّ. قال إنّ الرجل مختلف: يعرف ماذا يقول، ويدرك تمامًا ماذا يريد. أسلوبه ممنهج. عقله منظّم. وكلامه مقنع حتى لمن يختلف معه في اللغة والخلفية والمرجعية. 
لم يأتِ برّاك بجديد في "نفخه" برّي. فالكلّ يعلم، أنّ برّي بعيني واشنطن ليس مجرّد سياسي مخضرم، بل قاموس تعود إليه حين تفشل كلّ أدوات الترجمة.
وهنا لا مفرّ من السؤال: ماذا كتب برّي في ورقة الردّ؟ وهل كتب من "عندياته"، أم اكتفى بترجمة أنيقة لنصّ كاتبه الأصلي في الضاحية؟

كيمياء إيجابية بين برّي وبرّاك 
تتحفّظ مصادر عين التينة على مضمون الورقة، وتكتفي بالإشارة إلى أنّ برّاك أبلغ برّي بأنّه يفضّل عدم إبداء موقف قبل صدور ردّ رسمي من إدارته. وتستطرد المصادر لتقول إنّ برّي وجد في برّاك شخصيّة مريحة، ملتزمة أصول التخاطب، وما فوق دبلوماسية، وأنّ كيمياء إيجابية سارت بين الرجلين. 
ولكن رغم تحفّظات عين التينة، تُفيد المعلومات المتقاطعة بأنّ برّي أنضج بيده "ثمرة" الردّ التي "أشبعت" واشنطن، إذ صاغ بعباراته المنتقاة معادلة سحب السلاح، إنّما تحت سقف الطائف لا فوقه، وعلى قاعدة التفاهم لا الفرض. وعلى هذا الأساس أشاد نوّاف سلام ببرّي وقال إنّه "كفّى ووفّى". 
رتّب برّي الأولويات على طريقته. حرّر "حزب اللّه" من المهل المقيّدة، وحرّر واشنطن في المقابل من سياسة "خطوة مقابل خطوة". فلم تعد هناك حاجة لرقصة التزامن: واحدة من هنا، وأخرى من هناك. لكن ما خُطّ بحبر عين التينة أُحرق جزئيًا بنيرانٍ صديقة. اتّهامات بالتراخي وبـ "سوء التفاوض الذي قاد إلى أهوالٍ مستمرّة". 
رسائل مشفّرة انطلقت من الضاحية، صار واضحًا معها، أنّ "حزب اللّه" لم يكن موافقًا على صياغات برّي حول تسليم السلاح. 
ولكن لا بأس. فالثعلب لا يطلب التصفيق... يكفيه أنّ له مقعدًا على الطاولة، وأنّ "حزب اللّه" على قائمة الطعام.

فهل عاد نبيه برّي زعيم الشيعة الأوحد؟

نورما ابو زيد -نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا