محليات

لبنان في دوامة الجفاف: مستقبل مجهول للأمن الغذائي

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لبنان، الغني بالمياه والثلوج، يواجه أزمات مائية متزايدة كل عام.  ,يبدو توجيه اللوم بشكل مركّز إلى عوامل التغير المناخي مجرد هروبٍ من المسؤولية السياسية. ففي هذا البلد، المعروف بلقب "بلد المياه في الشرق الأوسط"، والذي يضم عشرات المجاري المائية والنهرية دائمة الجريان، وآلاف الينابيع، ومخزونًا هامًا من المياه الجوفية، أصبحت موجات الجفاف والتصحّر السنوية تُشكل تهديدات خطيرة للقطاع الزراعي واحتياجات السكان الغذائية.

ويبرز عجز الجهات المسؤولة عن التعامل مع نتائج هذه الأزمات في ظل الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية الصعبة التي تعصف بالبلاد والمنطقة. ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من الخطوات التي يمكن اتخاذها للتخفيف من حدة الأزمة المائية، بدءًا من معالجة الأسباب المتراكمة المتعلقة بسوء الإدارة والإهمال وتدهور البنية التحتية، لاسيما من خلال صيانة وتجديد شبكات التوزيع القديمة.

فالهدر الناتج عن الأنابيب القديمة يفوق 50% في بيروت، ويتجاوز 65% في القرى، فيما يخسر لبنان بسبب ضعف البنية التحتية أكثر من 50% من تدفقات المياه السطحية التي تذهب إلى البحر. كما يجب اللجوء إلى ترشيد استهلاك المياه بأساليب مدروسة تضمن توزيعًا عادلًا، بدلاً من حرمان سكان المدن والقرى من المياه عبر تطبيق سياسات تقنين قاسية، تؤدي إلى تفاقم الأضرار الاقتصادية والبيئية والصحية، وزيادة النقمة الاجتماعية التي عادت لتطفو على السطح، خصوصًا في بيروت الكبرى التي يقطنها نحو مليوني نسمة.
 
تفاقم العجز المائي
في دراسة علمية أجراها كل من جاد سعادة ومايا عطية وصوفيا غنيمة وجولمار غولمحمدي، نُشِرت في آب/أغسطس 2021، لوحظ أن 37% من سكان لبنان فقط يصلون إلى مياه الشرب الآمنة، فيما يصل 20% منهم فقط إلى خدمات الصرف الصحي المدارة بأمان. كما لوحظ انخفاض حاد في تدفق 12 نهرًا من الأنهار اللبنانية بنسبة تجاوزت 23% مقارنة بعام 1965، فيما تتعرض بعض الأنهار للجفاف لأكثر من 9 أشهر في السنة، واختفت 60٪ من الينابيع، وذلك بسبب التغيرات المناخية بشكل أساسي.

أما المجاري المائية الموسمية فقد انخفض تدفق 60 مجرى منها بنسبة 50٪ عن المستويات الطبيعية. في المقابل، توقعت الدراسة أن يتعرض لبنان لنقص شديد في المياه في العقد المقبل، حيث قدّرت أن يزداد إجمالي الطلب السنوي على المياه في لبنان بنسبة 22% وأن يصل العجز المائي إلى 610 مليون متر مكعب بحلول عام 2035 فقط، في حال استمرت الوضعية الحالية، لاسيما من جهة انخفاض سعة تخزين المياه التي تصل إلى 6% مقارنة بمتوسط 85% في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

قدّرت الدراسة تكلفة انخفاض إمدادات المياه الزراعية والمنزلية والصناعية بسبب تغير المناخ بنحو 32 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2040، ومليار و200 مليون دولار أميركي بحلول عام 2080. كما قدّرت انخفاض إمدادات المياه اللازمة لتوليد الطاقة الكهرومائية بنحو 31 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2040، و110 ملايين دولار أميريكي بحلول عام 2080.

على مستوى الاستهلاك الشخصي والأسري، فإن كلفة سوء الإدارة والعجز المائي تتزايد باستمرار على كاهل اللبنانيين، رغم انخفاض معدل الاستهلاك الفردي للمياه بنسبة تجاوزت 30%. تشير الشركة الدولية للمعلومات إلى أن الأسر اللبنانية تنفق نحو 40 دولارًا أميركيًا في الشهر للتعامل مع الانقطاع المتكرر للمياه وشراء مياه الطهي والشرب.

في حين أن الحد الأدنى للأجور، بعد إقرار المرسوم الأخير الذي يقضي برفعه، لا يتجاوز 312 دولارًا، أي أن فاتورة استهلاك المياه تعادل ما نسبته 13% من الحد الأدنى الجديد للأجور في "بلد المياه"، مقارنة بـ 8% في مصر، و6% في العراق، وهما بلدان يواجهان أزمة جفاف أشد خطورة بسبب التغيرات المناخية ومشاريع السدود في دول المنبع، فيما يبلغ عدد سكانهما معًا حوالي 160 مليون نسمة، مقابل 5.5 مليون في لبنان المليء بالأنهار والينابيع من أقصاه إلى أقصاه.
 
انعدام الأمن الغذائي 
يعاني القطاع الزراعي اللبناني من تراجع الإنتاج لأسباب عدة، أهمها موجات الجفاف والتصحر المتزايد، حيث ينخفض معدل الإنتاج في ذروة فترات الجفاف إلى 20%، ما يفرض على المزارعين بشكل متزايد البدء باستخدام تقنيات الري الحديثة. في الوقت الذي يتزايد فيه أيضًا حفر الآبار بصورة غير منظمة، من دون الاستحصال على رخص من الجهات المختصة، مما يؤدي بدوره إلى استنزاف مخزون المياه الجوفية، ويساهم في جفاف الينابيع.

ورغم توفير عمليات حفر الآبار إمدادًا مؤقتًا من المياه، إلا أنها ترتّب في المقابل تكاليف طويلة الأجل على مستوى التنوع البيولوجي وتدهور التربة وتسرّب المياه المالحة إلى الطبقات العلوية، إضافة إلى تزايد أخطار تلوث المياه الجوفية.

في موسم شتاء 2024-2025، انخفض المعدل العام للمتساقطات بنسبة تفوق 50% مقارنة بالسنة السابقة بحسب مصلحة الأرصاد الجوية، ما أدى إلى تقلص إضافي في المساحات المزروعة. يضاف إلى ذلك الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة، حيث أحرقت إسرائيل آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية بالقنابل الفوسفورية، بالإضافة إلى فرضها طوقًا أمنيًا مشددًا على طول قرى الشريط الحدودي، مما يمنع المزارعين من العودة إلى أراضيهم لمحاولة استصلاحها.

تشير منظمة الأغذية العالمية (الفاو) إلى انخفاض معدل إنتاج محاصيل الحبوب التي تمثل الركيزة الأساسية للأمن الغذائي، مثل القمح والشعير والذرة، بنسبة 38.4% في عام 2024. وتبدو إحصائيات المنظمة لعام 2025 أكثر تشاؤمًا، فوفقًا للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، يواجه 1.17 مليون شخص حالة أمن غذائي حادة (المرحلة الثالثة: مرحلة الأزمة)، حيث تستمر آلاف الأسر اللبنانية والأجنبية اللاجئة أو المقيمة على الأراضي اللبنانية في تقليل كمية ونوعية الأغذية المستهلكة لتلبية الحد الأدنى من احتياجاتها اليومية.

تؤكد زيادة معدل استيراد القمح بنحو 4% خلال عام واحد تراجع الإنتاج المحلي في محاصيل الغذاء الرئيسية، في الوقت الذي يعاني فيه لبنان من انخفاض كبير في تدفقات التحويلات المالية بالعملات الأجنبية تجاوز نسبة 13% وهي الأكبر منذ عام 2007.
 
وعودٌ وخططٌ كثيرة، لكن أين الأفعال؟
في الأسبوع الأخير من كانون الثاني/يناير 2025، أطلق وزير الزراعة السابق عباس الحاج حسن، بالتعاون مع المنظمة العربية للتنمية الزراعية، خطةً وطنية لإدارة الجفاف، كانت هي الأولى من نوعها رغم تأخرها. ومنذ نحو أسبوعين، أكّد وزير الزراعة الجديد نزار هاني، في جولة أجراها في مناطق البقاع الغربي، أن مواجهة التصحر وشح المياه هي من ضمن أربعة أولويات وضعتها وزارة الزراعة للمرحلة الحالية، وأن تحقيق السيادة الغذائية للبنان هو أولوية استراتيجية. 

في هذا السياق، وقع وزير المالية ياسين جابر، في أواخر أيار/مايو 2025، اتفاقية قرض بقيمة 257.8 مليون دولار مع البنك الدولي لمشروع استكمال إنجاز البنية التحتية وإمداد بيروت بالمياه وإصلاح القطاع المائي بشكل عام، هو الثاني من سلسلة قروض يُفترض أن يتحول جزء منها للقطاع الزراعي...

فهل تنتقل الوعود والخطط والقروض إلى أفعال وبرامج قابلة للتحقيق في ظل الوضع الاقتصادي والأمني الحالي؟ وهل سيبقى اللبنانيون، رغم التراكم المستمر للديون والبرامج والخطط، تحت رحمة صهاريج المياه الخاصة، والمولدات الكهربائية الخاصة، والتعليم الخاص، والرعاية الصحية الخاصة، والإسكان الخاص؟

هاني عضاضة -المدن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا