الصحافة

فرصة أخيرة أم سقوط نحو المجهول؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

 

يمرُّ لبنان اليوم بلحظة مصيرية بالغة التعقيد، وسط ضغوط دولية غير مسبوقة، وانقسامات داخلية عميقة، وخوف متجدّد من هدر فرصة تاريخية لإعادة بناء الدولة واستعادة السيادة.

فالزيارة الثالثة المرتقبة للموفد الأميركي الخاص، السفير توماس باراك، تمثل محطة فارقة في مفاوضات مشدودة بمعظمها إلى الكواليس، لكنها محكومة بعنوانين رئيسيين: نزع سلاح حزب الله، وإطلاق إصلاحات مالية جذرية لوقف الانهيار المتسارع الذي يهدّد الدولة نفسها.

تعود فصول هذا التصعيد إلى 19 حزيران الماضي، حين وجّهت واشنطن رسالة رسمية إلى بيروت طالبت فيها بخطوات «فورية» لنزع سلاح حزب الله وتنفيذ إصلاحات اقتصادية عاجلة.

بعد ثلاثة أسابيع، زار باراك بيروت حاملاً ما وصفه مراقبون بـ«الإنذار الأخير»، مع خارطة طريق واضحة المراحل ومنح الدولة مهلة قصيرة لإثبات جدّيتها في استعادة سيادتها وإنقاذ اقتصادها المنهار.
بحسب مصادر دبلوماسية، لم يكن العرض الأميركي بلا مقابل. في المقابل، وعدت واشنطن بدعم اقتصادي ومالي وإعادة إعمار، لكن وفق آلية «خطوة مقابل خطوة» من دون أي التزام زمني أو ضمانات توقف إسرائيل خروقاتها أو تلزمها بالانسحاب من الأراضي المحتلة.

حاول رئيس الحكومة نواف سلام التخفيف من التوتر الداخلي، مؤكداً أن «الورقة» التي حملها باراك مجرد «مجموعة اقتراحات» لترجمة تفاهمات اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني 2024.

شدّد سلام على صيغة تحترم السيادة اللبنانية والتراتبية الدستورية، محذّراً من مقاربات «قسرية» تفرضها إسرائيل أو تروّج لها بعض العواصم كشرط لحصرية السلاح وضبط القرار الأمني.

لم تتوقف المطالب الأميركية عند البُعد الأمني. فقد تضمنت الرسالة إنذاراً صريحاً بضرورة إطلاق إصلاحات مالية جذرية تنقذ لبنان من أزمته الكارثية.

رغم ذلك، اكتفى البرلمان، بقيادة نبيه بري، بتمرير قانون يتيم لتخفيف السرية المصرفية، متجاهلاً ملفات أكثر جوهرية مثل إعادة هيكلة القطاع المصرفي، خفض الدين العام، وضبط المالية العامة.

ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، باتت الطبقة السياسية أكثر تردداً في اتخاذ أي خطوة موجعة، حتى لو كان ثمن ذلك استمرار الانهيار.

تلمّح واشنطن إلى أنها قد تفك ارتباطها السياسي والمالي مع بيروت في حال استمرار المراوغة، ملوحة بخيارات عقابية قد تشمل:

- تجميد الدعم الدولي.

- فرض عقوبات على مسؤولين برلمانيين وأمنيين متهمين بعرقلة الإصلاحات أو التنسيق مع حزب الله.

وفي هذا السياق، يقدّم الموفد الأميركي صيغة «خطوة مقابل خطوة»: التزام لبناني كامل بنزع السلاح والإصلاح، مقابل وعود غير ملزمة بفتح باب الدعم المالي وإعادة الإعمار في مرحلة لاحقة.

لكن من الزاوية اللبنانية، تبدو هذه الصيغة أقرب إلى «صفقة استسلام» منها إلى اتفاق متوازن، لأنها تفتقر لأي التزام أميركي أو دولي يلزم إسرائيل بوقف الخروقات أو الانسحاب الكامل.

الزيارة الثالثة المرتقبة لباراك إلى بيروت ستكون لحظة اختبار دولية حقيقية. فالسؤال المطروح:

هل تعترف واشنطن وشركاؤها بمرجعية الدولة اللبنانية ومؤسساتها؟ أم تصرّ على مقاربة أمنية تربط التهدئة في الجنوب بشروط إسرائيلية أحادية؟
مصادر دبلوماسية مطّلعة تقول إن باراك بات مدركاً لفشل الرهان على اللجنة الأمنية الخماسية، ما يدفعه للبحث عن صيغة جديدة تقوم على قاعدة: «لا انسحاب دون سيادة، ولا سيادة دون انسحاب».
هذا الطرح يلتقي مع الموقف اللبناني الجامع المطالب بانسحاب كامل من الأراضي المحتلة، وقف الخروقات الجوية، إطلاق الأسرى، وبدء إعمار جديّ، مقابل بسط الدولة سيطرتها الأمنية بسلاح شرعي واحد.
قد تحمل زيارة باراك المقبلة فرصة تاريخية حقيقية للبنان لإعادة ترتيب أوراقه واستعادة قراره الوطني والسيادي.
لكن هذه الفرصة مشروطة بجرأة الداخل على اتخاذ القرارات الصعبة، توحيد الموقف الرسمي، والتغلّب على الحسابات الضيقة.
وإلّا فإن البلاد مهدّدة بالانزلاق إلى مستقبل مجهول:
سلاح غير شرعي يفرض إرادته، اقتصاد ينهار بلا كوابح، وسيادة مصادرة في خريطة إقليمية تتغيّر بسرعة.

زياد سامي عيتاني
اللواء

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا