"ترويقة فلافل" وذكريات في سن الفيل... زيارة مفاجئة للرئيس عون (صور)
قطاع الاتصالات في لبنان والخصخصة: أي رؤية؟
في ظل سعي لبنان إلى إعادة تفعيل إصلاحه الهيكلي لقطاع الاتصالات بعد أكثر من عقدين من الجمود، تستعد السلطات للقيام بخطوة أساسية. إذ توشك هيئة الشراء العام على الانتهاء من إعداد دفتر الشروط لعقد تقييم الأصول، المادية وغير المادية، والذي يشمل وزارة الاتصالات نفسها، وهيئة أوجيرو العامة، وشركتي الاتصالات الخليويتين "ألفا" و"تاتش". وسيُعرض هذا المستند، فور الانتهاء منه، على مجلس الوزراء للموافقة، تمهيداً لإطلاق مناقصة وفقاً لقانون الشراء العام رقم 244/2021.
وتقدَّر كلفة هذا العقد بين 1.5 و2 مليون دولار، سيتم تمويلها من قبل شركتي الخليوي، ويهدف إلى إعداد جرد شامل للأصول المادية المنتشرة في جميع الأراضي اللبنانية، والالتزامات التعاقدية، وعناصر تقييم المخاطر القانونية والمالية، وكذلك إلى تحضير نقل الأصول اللازمة إلى شركة "ليبان تيليكوم" العامة. وعلى الرغم من أن هذا المسار منصوص عليه في القانون رقم 431 الصادر بتاريخ 22 تموز 2002، فإنه لم يُطبق مطلقاً منذ ذلك الحين.
من خلال هذا القرار، الذي اتُخذ في 20 حزيران الماضي بناءً على اقتراح وزير الاتصالات شارل الحاج، يسعى مجلس الوزراء إلى إحياء إصلاح بقي معلقاً لما يقارب الجيل، لا سيما وأن الدولة استلمت مباشرة إدارة شركتي الخليوي بعد انتهاء عقودها مع "أوراسكوم" و"زين تيليكوم" في أيار 2020، من دون أن تجري أي تدقيق أو تقييم للأصول أو العقود. وتهدف هذه المهمة إلى سد هذا الفراغ.
وفقاً للقانون 431، يجب اختيار مكتب الخبرة عبر مناقصة، وتُعرض النتائج على الحكومة للمصادقة عليها. كما ينص القانون على أن يتم فتح 40٪ من رأسمال "ليبان تيليكوم" أمام شريك استراتيجي خاص خلال عامين من إنشائها القانوني والتشغيلي. وستتولى الشركة تشغيل شبكة الهاتف الثابت، وخدمات البيانات والاتصالات الدولية لمدة عشرين عاماً، مع إمكانية التوسع نحو القطاع الخليوي.
ثغرات هيكلية
لكن هذه الرؤية الطموحة تصطدم بسلسلة من الثغرات الهيكلية التي قد تهدد، بحسب العديد من الخبراء، صحة التقييم المرتقب. ويشير أحدهم إلى "فوضى مزمنة، وغياب إشراف مستقل، واستمرار الغموض في إدارة موارد القطاع".
وفي غياب إطار تنظيمي فعّال، فإن أي محاولة للتقييم قد تؤدي إلى تقليل قيمة الأصول، ما يبرر خصخصة جزئية مبنية على أسس خاطئة. ويشدد الخبراء على أن القانون يفرض توضيحاً مسبقاً لآلية نقل الأصول من الدولة إلى الشركة العامة المستقبلية، وإلا فقدت العملية مشروعيتها.
إلى جانب هذه الثغرات، يلفت الخبراء إلى عدة قضايا يجب معالجتها مسبقاً. أولها غياب رؤية استراتيجية للنهوض. إذ يعمل الوزارة من دون خطة طريق واضحة، وسط فوضى تنظيمية وانتشار شبكات موازية. وترى مصادر داخلية أن مجرد تنظيم العرض وتعزيز آليات الرقابة كفيل برفع قيمة القطاع.
ويُضاف إلى ذلك إطار قانوني عتيق وفراغ مؤسساتي مزمن. فمع التقدم التكنولوجي الهائل منذ عام 2002، بات من الضروري تحديث القانون، كما حدث في دول كفرنسا والمملكة المتحدة، حيث تم تعديل أو مراجعة الإطار التشريعي ثماني مرات، بالإضافة إلى أكثر من ستين تعديلًا جزئيًا بأوامر وقرارات تنفيذية.
أما هيئة تنظيم الاتصالات (TRA)، فهي مشلولة منذ عام 2012، ولم يتم تأسيس شركة "ليبان تيليكوم" حتى اليوم رغم النص عليها منذ 2002. وفي ظل غياب أي هيئة رقابية، تتولى الوزارة حالياً إدارة أصول عامة بقيمة مليارات الدولارات من دون تدقيق خارجي أو نشر تقارير. وقد تجلى هذا الانفلات مؤخراً في المحادثات مع شركة "ستارلينك" للاتصالات الفضائية، في وقت لم تكن الهيئة التنظيمية قد شُكّلت بعد، ما دفع رئيس الحكومة نواف سلام إلى التواصل أيضاً مع منافستها "يوتلسات".
خسائر مالية وهيكلية
على الصعيد المالي، كشف تقرير ديوان المحاسبة عام 2022 عن تبديد مليارات الدولارات من العائدات بين 2010 و2020 في توظيفات زبائنية وإنفاق غير مبرر، على حساب الاستثمار في البنية التحتية والابتكار.
أما من ناحية الأسعار، فقد شهد المشتركون ارتفاعاً حاداً في آب 2023، بحجة تعويض انهيار الليرة اللبنانية، من دون أن يتحسن مستوى الخدمة. إذ إن باقة خليوي بسعة 20 جيغابايت تكلّف حوالي 6.5٪ من الحد الأدنى للأجور، وهي نسبة أعلى بكثير من تلك المسجلة في تركيا أو الأردن أو إسرائيل أو الكويت. أما الإنترنت الثابت، فرغم أن أسعاره ظاهرياً معتدلة، إلا أن سرعته الضعيفة تقلل من قيمته الحقيقية.
وقد أدى تجميد مشروع الألياف البصرية الوطني منذ عام 2019 إلى ازدهار كبير للاتصالات غير الشرعية، حيث يلجأ المواطنون إلى شبكات عشوائية للاتصال بالإنترنت. ويُقدّر حالياً أن 700 إلى 800 ألف شخص – أي أكثر من ضعفي عدد المشتركين الرسميين – يستخدمون الإنترنت عبر موزعين في الأحياء يعملون خارج الإطار القانوني. وهذا يحرم الدولة من عائدات مالية ضخمة ويؤثر سلباً على الجودة والشفافية.
تدهور في البنية التحتية
وتزداد هذه الفوضى مع التدهور المادي لشبكة الاتصالات، إذ دمّرت الغارات الإسرائيلية عام 2024 عشرات محطات الاتصالات في جنوب لبنان، وحتى اليوم لم تُتخذ أي خطوات جدية لإعادة التأهيل، خصوصاً في مئات البلدات القريبة من الحدود مع إسرائيل.
وأخيراً، يعاني لبنان من تأخر تكنولوجي مقلق، إذ لم يُعلن بعد عن موعد دقيق لإطلاق الجيل الخامس (5G)، كما أن البنية التحتية لنظام الوسائط المتعددة عبر الإنترنت (IMS) – الضروري لدمج الصوت والصورة والبيانات – إما غير موجودة أو غير مكتملة. وهذا التأخر يعزل لبنان عن التحول الرقمي العالمي ويمنع تطوير خدمات حديثة وآمنة ومتكاملة.
قد يُشكّل التقييم المرتقب نقطة تحول حاسمة، بشرط أن يُنفّذ بجدية وشفافية وطموح. لكن لا بد أن تتحمل المؤسسات مسؤولياتها، وأن تُطبَّق القوانين، وأن يعود الصالح العام إلى الواجهة. لأن الارتجال والفوضى السائدة حالياً في اتخاذ القرار، قبل أي إعادة هيكلة حقيقية للقطاع، يهددان بإضاعة فرص تحقيق خصخصة ناجحة وعادلة.
ترجمة الذكاء الاصطناعي
المصدر: orient le jour
الكاتب: منير يونس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|