"ترويقة فلافل" وذكريات في سن الفيل... زيارة مفاجئة للرئيس عون (صور)
البنك الدولي يلاحق صفقات الكهرباء: هل تحمي "الشطارة" الفساد؟

في موجة الحديث عن الإصلاحات، برز قطاع الكهرباء كأحد أهم القطاعات التي تحتاج إصلاحاً جذرياً وعاجلاً. وكأحد أدوات الإصلاح، جاء قرض البنك الدولي للإنشاء والتعمير، بقيمة 250 مليون دولار. وافق مجلس النواب على القرض، لكن التجربة اللبنانية تستدعي التوقّف عند تساؤل يطال جدية الانخراط في ورشة إصلاح القطاع، كي لا يتحوّل القرض بواسطة "الشطارة" اللبنانية، إلى مسرب جديد للهدر.
ومن النقاط التي يجب حسمها في مسار الإصلاح، هي مصير مشروع شركات مقدّمي الخدمات الذي أنشئ بهدف المساهمة بإصلاح القطاع، فتحوَّلَ إلى سببٍ رئيسٍ لتدميره.
رحلة مقدمي الخدمات
بدأ مشروع شركات مقدّمي الخدمات في آب 2012، وكان من المفترض به أن ينتهي بعد 4 سنوات، إلاّ أنّه لا يزال قائماً حتى اللحظة بموجب تمديدات متكرّرة، رغم فشله في إنجاز أهدافه. وتتولّى المشروع 3 شركات رئيسة هي شركة BUS التي تملك معظم أسهمها شركة BUTEC، وشركة KVA التابعة لشركة خطيب وعلمي، وشركة NEU التابعة لشركة دبّاس. وكلّ شركة من هذه الشركات الثلاثة، تسند إلى شركات فرعية، بعض المهام على أرض الواقع.
ومن المفترض بالمشروع أن يطوِّر القطاع ويحسّن إنتاجية الكهرباء والجباية والتوزيع، وكذلك ضبط الهدر ومنع التعديات وتركيب العدادات الذكية بدلاً من العدادات القديمة. ورغم تركيب بعض العدادات في أكثر من منطقة، إلاّ أنّها بقيت بلا جدوى بفعل عدم إنجاز السنترال المركزي الذي يتحكّم بقراءة العدادات لحجم الاستهلاك. أمّا التوزيع وضبط التعديات فحدّث بلا حرج، في حين أنّ مستوى الفوترة والجباية تراجع كثيراً مقارنة بما كان عليه قبل المشروع.
ومع هذا الفشل، بات المشروع مجالاً للسمسرة عن طريق التحاصص السياسي، فوافق مجلس الوزراء في العام 2019 على تشريع دخول شركة رابعة إلى المشروع، من خارج أي مناقصة قانونية تضمن الشفافية والمنافسة. وكاد أن يوافق أخيراً على إدخال شركة خامسة بذات الأسلوب، لولا خروج الموضوع إلى العلن وكشف "المدن" له، وهو ما أدى إلى سحبه من جدول الجلسة
أهداف القرض
أمام هذا الواقع، يهدف مشروع قرض البنك الدولي إلى "تحسين موثوقية شبكة الكهرباء عبر التقليل من الانقطاعات المتكررة في التيار الكهربائي، بواسطة إعادة تأهيل الأصول الكهربائية مثل محطات التحويل وشبكات النقل، وتعزيز إدارة الشبكة عبر التحكّم والمراقبة المتقدمة، فضلاً عن إنشاء مركز وطني جديد للتحكم بالطاقة". ووفق اتفاقية القرض، يندرج ضمن الأهداف تحسين الأنظمة التجارية في مؤسسة كهرباء لبنان؛ إذ يسعى المشروع إلى تحسين هذه الأنظمة عبر تنفيذ تقنيات متقدمة تشمل نظام تخطيط موارد المؤسسات، ونظام القياس الذكي. وهذه التحسينات ستساهم في تعزيز إدارة العمليات المالية، إدارة الموارد البشرية، تخطيط المشاريع، وهذا ما يقلل من التكاليف التشغيلية ويزيد الكفاءة. وستساعد هذه الأنظمة في تحسين جمع الفواتير وتحصيل الإيرادات، بما يعزز استدامة المؤسسة مالياً على المدى الطويل".
بالتوازي مع ذلك، لم يُشِر البنك إلى مشروع مقدّمي الخدمات حصراً، لكنّ أهداف القرض المتعلّقة بزيادة الإنتاج وتقليص الخسائر وتعزيز الجباية، تطال بلا منازع، مهام مقدّمي الخدمات. أمّا التطرّق إلى التدقيق المالي، فيعني تضييق الخناق على مهام مقدّمي الخدمات؛ إذ إنّ المشروع أدّى إلى هدر المال العام بشتّى الوسائل، منها الأكلاف المضخَّمة لرواتب موظفين ومياومين يحظون بدعم سياسي، فضلاً عن تأخير تحويل أموال الجباية إلى حساب مؤسسة الكهرباء في مصرف لبنان، وتعمّد إبقاء الأموال في حسابات الشركات في المصارف الخاصة، فضلاً عن تضخيم أكلاف الأشغال... وغير ذلك. فاتفاقية القرض نصّت على أنّه ينبغي "على المقترضين إعداد، في غضون 45 يوماً كحدّ أقصى من نهاية كل فصل، تقارير مالية عن أجزاء المشروع، وتقديمها. ويجب أن يغطّي كل تدقيق البيانات المالية للمشروع، فترة سنة مالية واحدة تبدأ بالسنة المالية التي يُجرى فيها السحب الأول (من أموال القرض)".
إنهاء العقود خطوة إصلاحية
تظهر الإصلاحات كضرورة حتمية لإنقاذ لبنان من أزمته التي تلفّ مختلف القطاعات. وكتأكيد الحسم في هذا المجال، فإنّ كل الجهات الدولية المانحة تصرّ على الإصلاحات قبل تمويل أي مشروع. أمّا مشروع مقدّمي الخدمات، فحازَ على توصية بإنهائه، وبوجه خاص عبر تقارير شركة نييدز Needs التي تعاقدت معها مؤسسة كهرباء لبنان لتقديم خدمات استشارية، من ضمنها استشارات تتعلّق بمقدّمي الخدمات وأدائهم. فأوصت الشركة بضرورة وقف المشروع وعدم تمديده.
وأبعد من ذلك، تكشف مصادر من بين الشركات التي تقدّمت إلى مناقصة مشروع مقدّمي الخدمات، أنّ "المشروع فُصِّلَ على قياس الشركات الثلاثة". وتشرح في حديث لـ"المدن"، أنّه في العام 2012 "كان من المفترض أن تتوزّع الأعمال على 7 مناطق، وهو الأمر الذي يسمح للكثير من الشركات بالتقدّم للمناقصة واستلام جزء من المهام، لكن فوجئنا بتقليص المناطق إلى ثلاثة، وبالتالي زيادة عدد المشتركين والمهام على كل شركة، وهذا ما أدّى إلى انسحاب الشركات الأصغر التي لا قدرة لها على التزام العمل بمناطق أوسع وبعدد مشتركين أكبر".
علماً أنّ شركة BUS لُزِّمَت الأشغال من شمال بيروت الإدارية حتى منطقة شمال لبنان، وشركة KVA لزّمت منطقة بيروت الإدارية والبقاع، أمّا المنطقة جنوب بيروت الإدارية حتى الجنوب اللبناني، فلزّم لشركة NEUC.
وتلفت المصادر النظر إلى أنّ "تمديد مهلة المشروع أرهق الشركات الفائزة أيضاً، وبات الاستمرار به ضمانة للتنفيعات السياسية لا غير، وهو ما أكّدته عملية فصل المهام في بعض المناطق عن الشركات الأم وتلزيمها لشركات كانت في الأصل متعهّداً فرعياً". وتختم المصادر بالقول إنّ "الإصلاح في قطاع الكهرباء يجب أن يتضمّن إنهاء مشروع مقدّمي الخدمات سريعاً".
من العام 2012 حتى اليوم، تدرّج مشروع مقدّمي الخدمات من كونه نموذجاً للإصلاح على المستوى النظري، إلى كونه أحد أهم الصفقات التي تهدر المال العام في قطاع الطاقة، فضلاً عن كونه شاهداً حياً على ضرورة الإصلاح في إدارات ومؤسسات الدولة ووزاراتها، إثر تشابك المصالح السياسية لتمرير المخالفات والفضائح في المشاريع. وبالتالي، فإنّ تركيز المجتمع الدولي على الإصلاح، وتضمين اتفاق قرض البنك الدولي بنوداً رقابية، قد يكون ذلك طريقاً لوقف الصفقات وإعادة بناء قطاع الكهرباء عبر الشفافية والاستقلالية والمحاسبة. إلاّ إذا تسلّلت "الشطارة" اللبنانية لتقوِّضَ أهداف الإصلاح وتضمن استمرار الفساد وحماية مشاريع الهدر، وهو ما يجب أن يتنبّه إليه البنك الدولي في سياق رقابته على إصلاح القطاع. وعلى سبيل المثال، قد يذهب جزء من أموال القرض إلى شركات مقدمي الخدمات بصورة غير مباشرة تحت عنوان تسديد مستحقات في قطاعيّ النقل والتوزيع، أو عناوين أخرى تستفيد منها الشركات، وهو ما حصل في سلفة الخزينة التي أقرّها مجلس الوزراء مطلع العام 2023 لتمويل شراء الغاز أويل، فحصل مقدّمو الخدمات على مبلغ غير محدّد، أتى ضمن 54 مليون دولار أُقرّت "لتسديد مستحقات عقود التشغيل والصيانة ومصاريف قطاعات الإنتاج والتوزيع" . وإن كان البنك لا يتدخل في آلية تنفيذ كهرباء لبنان لأشغالها وعقودها، إلاّ أنّ الحزم في مراقبة كيفية صرف أموال القرض، قادر على منع تمويل مشاريع الهدر والفساد .
المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|