"سلاح الحزب" أفشل موسم الأمل؟
"كنا متأملين خيرًا بس يا فرحة ما تمّت"... صيف 2025 كان يُفترض أن يكون واعدًا، المغتربون والسيّاح بدأوا بحجز بطاقاتهم منذ أشهر معتمدين بذلك على بزوغ شمس "عهد التغيير".
لكن ما لم يتمّم هذه الفرحة أو ربما ساهم في عدم إتمامها، هو المعضلة القديمة - الجديدة والدائمة: سلاح "حزب اللّه"، ورفضه التنازل حتى في حال انسحاب إسرائيل، أما رئيس مجلس النواب نبيه برّي فنُقل عنه أنه لا يستطيع الوعد بنزع السلاح. بالمقابل، الطيران الإسرائيلي لم يكفّ عن التحليق في الأجواء اللبنانية، ولا عن تنفيذ ضرباته، ردًّا على "تكرار موقف الحزب الرافض للتسليم".
كل هذا وأكثر انعكس على السياحة مباشرة وأعاد لبنان إلى خانة "الوجهة غير الآمنة"، فما كان من الزوّار إلّا البدء بإلغاء حجوزاتهم، لكن "يلي آكلها هو لبنان وصورته السياحية"، على حدّ قول جورج، أحد السيّاح الذي اختار اليونان بدلًا من بيروت.
في هذا التحقيق، نفتح ملف السياحة، خصوصًا في شهر آب، ما الذي دمّر موسمًا كان من المفترض أن يُشكّل بصيص أمل لاقتصاد منهك؟
خاطر: حان الوقت ليُصبح لبنان دولة تحتكر السلاح
يشير الكاتب والباحث في الشؤون المالية والاقتصادية، البروفيسور مارون خاطر، في حديث لـ "نداء الوطن" إلى أن "لبنان عَرَف ذروته السياحية خلال خمسينات وستينات القرن الماضي، حين كان يُلقَّب بـ "سويسرا الشرق"، بفضل ازدهار القطاعين السياحي والمصرفي، إذ بلغت مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي نحو 20 %، ما جعلها ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الوطني".
في هذا الإطار، يذكّر بأن العام 1974 شكّل محطة ذهبية في التاريخ السياحي اللبناني، حيثُ استقبل لبنان نحو 1.4 مليون سائح، في رقم قياسي غير مسبوق في ذلك الوقت، كان له أثر مباشر على الميزان التجاري وتعزيز الموقع المالي والخدماتي للدولة.
كما رأى أنّ "السياح العرب كانوا يشكّلون النسبة الكبرى من الوافدين، إلى جانب الأوروبيين، قبل أن تتدهور الأوضاع السياسية ليتلقى القطاع ضربات متتالية استمرَّت طيلة سنوات الحَرب".
ويضيف خاطر: "في صيف 2025، تلقّى القِطاع السياحي ضَربَةً قاسية جَديدة. فَبَعدَما كان يتطلّع إلى موسمٍ سياحيٍ صيفيٍ ناشط وواعد بعد رفع الحظر الجزئي عن سَفر السياح العرب، تبدَّدَت الأحلام على وَقع توتُّرات الدَّاخِل والخارِج .كذلك، لم يستطع القطاع السياحي تعويض خسائره عَبرَ الاستفادة مِمَّا تَبقَّى من موسم الصيف بسبب التصعيد الأمني في المنطقة واستمرار الضبابيَّة وغياب الحسم داخليًّا".
ويشدّد خاطر على أنّ "القطاع السياحي في لبنان ليس مجرّد مصدر دخل ظرفي، بل هو أحد أهم مصادر التدفّقات النقديَّة بالعملات الصعبة ما يجعل منه مرتكزًا للنمو". ويردف: "في ظلّ كُل هذه التطوّرات، عادت السياحة لتقتصر على المغتربين الذين يشكلون المُتنفَس الوحيد للاقتصاد عبر التحويلات والسياحة".
وخَتَمَ بالقول "لا يستطيع لبنان الاستمرار في هذه الحلقة المُفرغة من الأزمات، فالوقت حان ليُصبح بلدنا دولة حقيقية تمتلك قرارها السيادي، وتحتكر السلاح، وتُدير ملفاتها المَصيريَّة من داخل مؤسساتها الشرعية دون تبعيَّة أو ارتهان للخارج أيًّا كان. إنّ الاقتصاد بكل قطاعاته، ولا سيَّما القطاع السياحي، لا يمكن أن ينهض من دون استقرار سياسي وأمني فعلي وإنَّ تأجيل الإصلاح بانتظار نهاية الحروب الإقليمية مغامرة خطرة".
ليس خاطر وحده من تأمّل بعودة السياحة العربية إلى لبنان، فقد أشارت وزيرة السياحة لورا الخازن لحود إلى أنّ "رفع الحظر الإماراتي عن السفر إلى لبنان يُعدّ نقطة تحوّل مهمة، خاصة أنّ الزوار الخليجيين يشكّلون نسبة كبيرة من الحركة السياحية في لبنان".
"السياحة": نتوقع موسمًا نشطًا
وتوضح أنّ وزارتها ستتبع خطة تشمل، "عدة محاور أساسية بدءًا بداخل الوزارة عبر تأهيل الكوادر الإدارية، وتدريب الشرطة السياحية والمفتشين في المناطق، وصولًا إلى جعل لبنان تجربة سياحية متكاملة ومتميّزة على مدار السنة".
وتوقّعت الوزيرة "موسمًا سياحيًا نشطًا، استنادًا إلى جهود الحكومة، خصوصًا في ما يتعلق بتطبيق ورقة العمل الإصلاحية التي قدّمتها وزارة السياحة، والتي يُعمل على تنفيذها لضمان جهوزية كاملة لموسم واعد"، هذا الكلام قالته لصحيفة عربية قبل قرابة الشهر، لكن إلى الآن الأخبار والواقع يقولان عكس ذلك.
الأشقر: "كنا مقلعين... بس الضربة الأمنية محيت كل شي"
فقد أطلق نقيب أصحاب الفنادق في لبنان، بيار الأشقر الصرخة عبر "نداء الوطن"، قال: "القطاع الفندقي كان يترقّب موسمًا صيفيًا واعدًا، لا سيّما بعد الحركة الملحوظة التي شهدتها الفنادق خلال فترة عيد الأضحى، حيث استقبلت بيروت عددًا كبيرًا من السياح العرب، خصوصًا من دول الخليج، فوصلت نسبة إشغال الفنادق في العاصمة خلال العيد إلى أكثر من 80 %، وكانت التوقعات إيجابية جدًا"، يقول الأشقر، موضحًا أن "الحجوزات كانت تسير بوتيرة تصاعدية، والطموحات كانت تتجاوز الواقع القائم".
لكن كلّ ذلك تبدّد سريعًا، على حدّ وصفه، مع تصاعد التوتر الأمني، الذي سبّب فوضى كبيرة في حركة الطيران، وإلغاء جماعيًّا للحجوزات، مشيرًا إلى أن "هذه التطوّرات حصلت خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الـ 20 يومًا، ما شكّل صدمة قوية للقطاع.
ويكشف عن أنّ "نسبة الإشغال الفندقي اليوم في بيروت تبلغ بين 40 إلى 50 %، في حين كان من المفترض أن تصل إلى ما بين 70 و 80 % في مثل هذا الوقت من السنة".
ويصيف: "السياحة الوافدة تتركّز اليوم من جنسيات محدودة تشمل اللبنانيين، والسوريين، والعراقيين، والأردنيين، والمصريين، وبعض الزوار الخليجيين"، لافتًا إلى أنّ، "العمود الفقري للسياحة العربية لطالما كان السياح السعوديين، والسعودية لا تزال لا تسمح لرعاياها بالمجيء إلى لبنان لأسباب سياسية".
وحول الخطط التسويقية، يوضح أن "بعض المناطق تعمل على ترويج نفسها بشكل منفصل، لكن لا توجد حملة دعائية شاملة على مستوى لبنان ككل، وهو ما يشكّل نقطة ضعف في إدارة القطاع".
وعن المناطق التي لا تزال تحظى بإقبال نسبي، يلفت إلى أن بيروت تتصدّر المشهد نظرًا لكونها العاصمة، تليها المناطق الساحلية التي تتميّز بالحياة الليلية والمطاعم والمقاهي، ويشدّد على أن "الأمن والاستقرار يشكّلان التحدي الأكبر، وتداعيات الحرب تطول كل شرائح المجتمع".
ويختم الأشقر بنبرة تفاؤل، قائلًا: "من الآن وحتى نهاية آب، إذا استقرّ الوضع، يمكن أن تتحسّن الأرقام تدريجيًا، فلبنان، بطبيعته وجغرافيته، قادر على منافسة وجهات سياحية كاليونان وقبرص وتركيا، لا بل يتفوّق عليها في كثير من المناطق من حيث الجمال، نوعية الحياة، جودة الطعام، ودفء الضيافة".
ويوجّه رسالة إلى المغتربين قائلًا: "أهلًا وسهلًا بكم، لبنان بانتظاركم".
السيّاح الأجانب: غيّرنا الوجهة
ورغم كلّ ما يمرّ به لبنان، لا تزال صورته في أذهان كثير من السيّاح مرتبطة بالجمال، والضيافة، والذكريات التي لا تُنسى. كثيرون خططوا للعودة هذا الصيف، لكنّ التوترات الأمنية والسياسية بدّلت المعادلات، ودفعتهم لتغيير وجهاتهم.
يقول نيكولا، وهو سائح فرنسي زار بيروت في الـ 2017 :"لبنان بلد لا يُنسى، ما زلت أذكر تفاصيل الرحلة، الطبيعة الخلّابة، الطعام الشهي، ودفء الناس. كنت أنوي العودة هذا الصيف برفقة زوجتي، لكن مع تصاعد التوترات، قرّرنا التوجّه إلى قبرص، ويؤسفني اتخاذ هذا القرار".
آنا، سائحة ألمانية تعبّر عن حبّها للبنان، وشعبه الذي وصفته بالودود، كما أبدت إعجابها بالثقافة اللبنانية الغنية والمفعمة بالحياة، وتقول: "زرت بيروت في العام 2019، وكنت أخطط للعودة في آب المقبل، لكن الشقّ الأمني كان دائمًا على حساباتي كون المنطقة كلّها كانت متوترة، لذا اضطررت لتعديل وجهتي نحو جورجيا. قلبي مع أصدقائي في بيروت، وآمل أن أتمكّن من زيارتها قريبًا".
لكن خلف كلّ هذه المخاوف والأسئلة السياحية، تبرز معضلة أعمق: ماذا لو حصل الأسوأ؟ هل يحمي القانون اللبناني السائح في حال تعرّض لأي ضرر جسدي أو مادي نتيجة أحداث أمنية؟ هل من إطار قانوني واضح يضمن له التعويض، أو على الأقل يحدّد المسؤوليات؟
القانون لا يحمي المغفّلين... ولا السيّاح
رغم اعتبار السياحة أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، لا يزال لبنان يفتقر إلى تشريع سياحي عصري ومتكامل، يواكب المعايير الدولية المعتمدة لحماية السائح وضمان حقوقه. فالقوانين الناظمة للقطاع السياحي لا تزال مشتتة بين مواد متفرقة في قانون التجارة، والأنظمة العامة للضمان والرقابة، من دون وجود "قانون سياحي شامل" ينظم العلاقة بين السائح ومقدّم الخدمة، أو يحدّد بدقة واجبات الدولة وحقوق الزائر في حال وقوع أي طارئ، وفي حين تعتمد معظم الدول المنافسة للبنان قانونًا سياحيًا، يبقى السائح في لبنان عرضة للتقلبات الأمنية، ولسوء الإدارة، بل وأحيانًا للتجاوزات القانونية، من دون مرجعية قضائية متخصصة تنصفه.
وقد أُطلقت في السابق مبادرات لإعداد قانون سياحي حديث، أبرزها خلال ولاية وزير السياحة الأسبق فادي عبود، إلّا أنّ تلك المشاريع بقيت حبرًا على ورق، ولم تُقرّ في مجلس النواب، ما يترك لبنان حتى اليوم بلا حماية قانونية حقيقية لزائريه.
وهنا تبرز مقارنة واضحة مع الدول المنافسة مثل جورجيا، اليونان، قبرص، وتركيا، حيث تُعتبر التشريعات السياحية الصارمة وضمان سلامة الزائرين من الأولويات الوطنية، إذ توفر القوانين آليات واضحة لحماية حقوق السائحين، وتلزم مقدّمي الخدمات السياحية بتقديم معلومات شفافة، والحفاظ على معايير عالية من الأمن والسلامة. كما تقوم السلطات المختصة بالإشراف والمراقبة المستمرّة، ما يخلق بيئة سياحية مستقرة ومطمئنة رغم وقوع بعض الأزمات أو التوترات الإقليمية في محيطها.
هذا الفارق القانوني والأمني يجعل من الصعب على لبنان استعادة موقعه السياحي المرموق ما لم تُتّخذ خطوات فعلية لتعزيز الحماية الأمنية والقانونية للسائح، ولتوفير ضمانات واضحة ترفع من مستوى الثقة لدى الزوار والمستثمرين على حد سواء.
في ظلّ ما تقدّم، يبدو المشهد السياحي في لبنان محاطًا بمعادلة معقّدة: بلد يملك كلّ مقومات الجذب لكنه في المقابل يفتقد إلى الحدّ الأدنى من الاستقرار الأمني والضمان القانوني لحماية الزائر، وبينما تنجح دول الجوار في تثبيت موقعها كوجهات سياحية آمنة ومستقرة، حتى في ظلّ توترات إقليمية تحيط بها، يظلّ لبنان عالقًا في دوّامة الأزمات المتكرّرة، التي تُفقده ثقة السائح.
هنا يطرح السؤال الأبرز: هل يمكن الحديث عن استراتيجية سياحية وطنية من دون مظلّة أمنية وتشريعية تضمن للزائر حقّه؟ بين الحلم والواقع، تبقى الإجابات عن هذا الموضوع كغيره من المواضيع... رهن القرار السياسي.
سيدة نعمة
نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|