المجتمع

"فَالَّذِي جَمَعَهُ ٱلله، لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ" (متّى ١٩: ٦)

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

 

 

ما أكثر ما نرى، ويا للأسف، زيجاتٍ تبدأ بفرحٍ كبير، ووعودٍ براقة، وصلواتٍ حارّة، لتنتهي في أروقة المحاكم، ممهورةً بطلب الطلاق. مشهدٌ يوجع القلب، ويطرح السؤال المُرّ: كيف تحوّل "الاثنان في جسدٍ واحد" إلى غرباء، بل أعداء أحيانًا؟
الطلاق لا يحدث في لحظة. هو ثمرة تراكمات، وإهمال، وصمتٍ قاتل، وسوء فهمٍ ما عاد يُرمَّم. وفي الغالب، يمكن تفاديه لو كان في القلب بقايا خشوعٍ أمام عظمة هذا السرّ الإلهي، ولو بقي للزوجين استعداد للتواضع، وللاعتراف، وللرجوع إلى من جمعهما أولًا: الله.

في سرّ الزواج الأرثوذكسي، لا يقول الكاهن: "أكلّل عبدالله ... على أمة الله، بل "يُكلّل"، وهذا للتأكيد على أن الله هو الفاعل وهو متممّ السر.  فالإكليل لا يتمّ بقرارٍ شخصيّ فحسب، بل هو نعمة، ومسؤولية، ودخول في سرّ الحبّ الإلهي الذي لا يفشل. أكرّر وأشدّد: الله هو متممّ السر. ولهذا نطلب: "أيّها الربّ إلهنا بالمجد والكرامة كلّلهما". هكذا نصلي. المجد والكرامة ليسا من هذا الدهر، بل هما في التضحية، في الغفران، في حمل الصليب الواحد معًا.

الزواج المسيحي ليس عقدًا بين اثنين.  هو عهدٌ أمام الله ومعه. هو شركةٌ "ثالوثيّة": الزوج، الزوجة، والمسيح في الوسط. هذا ما نعلنه صراحة في قول الرب: "فالذي جمعه الله لا يفرّقه إنسان". فهل يحقّ للإنسان أن يفسخ ما قدّسه الله؟ وهل يُفكّ سرّ بالأنانية أو الجهل أو الكبرياء؟

نعم، إنّ الحبّ هو أساس كل زواج، ولكن الحبّ وحده لا يكفي ما لم يُدعّم بالثقة، والصبر، والصدق، وبالاستعداد المستمرّ للنمو معًا. فالحياة الزوجية ليست نزهة، بل هي جهاد مشترك، و"صعودٌ إلى أورشليم"، أي إلى الصليب والقيامة. كم من زيجاتٍ تهشّمت لأن الحوار انقطع، لأن المسامحة جفّت، لأن أحد الطرفين أو كليهما نسي أن الآخر هو "هبة" من الله وليس"مشروعًا" للتملّك أو السيطرة!
المؤلم أكثر، أن أولاد الطلاق لا يخرجون سالمين. فالبيت الذي ينهار يصير ترابًا في قلوب الصغار. "أمّا أنا وبيتي فنعبد الربّ" (يشوع ٢٤: ١٥)، لا تبقى شعارًا، إنما تُصبح أمنية صعبة المنال حين يفقد البيت اتّزانه الروحي.
فلننتبه، لأن العدوّ الحقيقي للزواج ليس شريك الحياة، بل من "يجول كأسدٍ زائر يلتمس من يبتلعه" (١بطرس ٥: ٨). إبليس يكره العائلة، لأنها صورة عن الثالوث، وعن الكنيسة. هو يدخل حين تغيب الصلاة، حين يُهمل الإنجيل، حين يتوقف القلب عن طلب الله. وما أسرع ما ينمو الخراب حين يُغلق الباب بوجه النعمة!

قال القدّيس يوحنّا الذهبي الفم: "الزواج هو منبع السعادة لمن يحيا حياةً مسيحية، ومنبع شقاء لمن يسيء استعماله."
وهذه الحقيقة لا تتبدّل. الخيانة، الإهمال، الكذب، العنف، الاستهزاء، الانغلاق، البخل، التعنيف، كلّها تشقّ جسد "الواحد" وتفتّته. والأسوأ حين تُشرّع الأنانية باسم الحرية، واللامبالاة باسم "الخصوصية".

في خدمة الإكليل، تضع الكنيسة على رأسي العروسين إكليلين. ليسا رمزًا للرومانسية. هما إكليلا الشهادة. الزواج شهادة؛ هو استشهاد بالمعنى الروحي: موتٌ عن الذات من أجل الآخر. بهذا المعنى، فقط، تصير الحياة الزوجية مقدّسة، مباركة، دائمة.

أيها الأحبّة،
ليس الزواج في المسيح حالة اجتماعيّة، لا. هو دعوة روحيّة، طريق خلاص، باب إلى الملكوت. فلنعد إلى الصلاة، إلى شركة الإفخارستيّا، إلى الإنجيل في قلب البيت. ولنُجاهد لنبقى أمناء لهذا السرّ الذي لا يُفهم إلا بالمحبّة التي "تحتمل كلّ شيء، وتصدّق كلّ شيء، وترجو كلّ شيء، وتصبر على كلّ شيء" (١كورنثوس ١٣: ٧).
عندها فقط، يبقى الإكليل إكليلاً، ولا يُنتزع. ويبقى الجسد واحدًا، ولا يُقسم. ويبقى ما جمعه الله، لا يقدر إنسانٌ أن يُفرّقه.

الأب الياس كرم

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا