جنوب سوريا "كلمة السر" عشية لقاء الشيباني وديرمر في باكو غداً
لبنان بين فخّ الأبلسة وأمل الوحدة: لحظة للتأمل قبل السقوط
في مرحلة شديدة الخطورة والتعقيد تمر بها البلاد، لا يبدو أن الحديث عن المسؤولية المشتركة ترفاً سياسياً أو خطاباً عاطفياً، بل ضرورة وطنية لا مفر منها. لقد اعتاد اللبنانيون تحميل المسؤولية لطرف دون آخر، واختصار الأزمات في اسم أو جهة، لكن الحقيقة المرة أن الأزمة أعمق من أن تُحصر في فرد أو حزب أو طائفة. المسؤولية متشابكة، تبدأ من القضاء ولا تنتهي عند السياسيين، تشمل المرجعيات الدينية والمؤسسات الصحية والاجتماعية، وتطاول الجميع بلا استثناء.
الواقع أن ما يواجهه لبنان اليوم لا يُختصر بانهيار اقتصادي أو توتر سياسي، بل هو انكشاف خطير للقيم التي يفترض أن تكون عماد العقد الوطني. لقد تراجعت الثقة، لا فقط بالدولة ومؤسساتها، بل بالأخ والجار والآخر المختلف، إلى حد بات فيه كل اختلاف مدعاة للشك، وكل تنوع سبباً للتوجس. لكن في المقابل، هناك من لا يزال يرى في الحوار مساحة للبناء، لا للمواجهة، وفي التعدد غنى، لا تهديداً. هؤلاء يمثلون ما تبقى من نبض حي في هذا الوطن المنهك.
إن الحديث عن اي مكون ديني كفئة تعمل من أجل الغير لا ضد الغير، يحمل في طياته ما يتعدى مجرد توصيف طائفي. هو دعوة لفهم العمل الوطني بوصفه مسؤولية تتطلب تجاوز الحسابات الضيقة، وإعادة صياغة الهوية على أساس جامع لا مفرّق. لقد سئم اللبنانيون من تحويل الطوائف إلى خنادق، والمذاهب إلى جبهات قتال، فيما تبقى الغالبية الصامتة تبحث عن جرعة أمل، عن خطاب يعيد لها الثقة بأن هذا الوطن لا يزال قابلاً للحياة.
وفي زمن تتكاثر فيه مشاريع التخويف والتحريض، وتُستخدم فيه أدوات الفتنة كوسيلة لحشد الجمهور، يبرز مشهد مضاد يحمل دلالات عميقة: موقف مشترك صادر عن مرجعيتين دينيتين كبيرتين يحثّان على حماية المجتمع اللبناني من تداعيات الصراعات المحيطة(مفتي الجمهورية وشيخ العقل). إنها ليست مجرد خطوة رمزية، بل إشارة إلى أن التلاقي ممكن، وأن صوت العقل لا يزال حياً، حتى وإن غطّت عليه ضوضاء الانقسام.
أما المهمة الملقاة على عاتق الفاعلين الاجتماعيين، من رجال دين ومثقفين وناشطين، فهي أكثر من مجرد واجب معنوي. إنها معركة يومية ضد خطاب الكراهية والتجييش، في المقاهي والمدارس ودور العبادة ووسائل الإعلام. لأن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في الخارج الذي يتربص بلبنان، بل في الداخل الذي ينهار من فرط الأحقاد المتبادلة وسوء الظن المزمن.
لم يعد مقبولاً أن تستمر لعبة الشيطنة المتبادلة، ولا أن يُسمح باستدعاء الخارج لتصفية الحسابات الداخلية. لقد دفعت البلاد أثماناً باهظة كلما فُتح هذا الباب، وليس من شفاء ما لم يُغلق نهائياً. المطلوب اليوم أن يُستعاد منطق الشراكة الوطنية، لا على الورق بل في الوعي الجماعي، وأن يُفهم الاختلاف السياسي والديني والثقافي كحق مقدس لا كتهديد وجودي.
في هذا السياق، تبدو العودة إلى منطق "الاستقواء بالداخل" لا شعاراتيّة بل خلاصية. فالخارج لن يمنح لبنان سوى مزيد من الانقسام، فيما وحده الداخل القادر على الترميم الحقيقي. لكن الترميم يحتاج إلى شجاعة الاعتراف بالخطيئة: أننا، في لحظات كثيرة من تاريخنا الحديث، جعلنا من الآخر الداخلي عدواً، وتعامَلنا مع الأجنبي حليفاً، فخسرنا الاثنين.
اليوم، ليس أمامنا سوى استثمار ما تبقى من طاقات الخير والعقل والضمير، لدى الأفراد والجماعات، لبناء جدار صد في وجه الخراب. فلبنان لا يحتمل مزيداً من العبث، ولا مزيداً من الأبلسة. وحدها الوحدة، لا الوحدة الشكلية بل الفعلية القائمة على الاعتراف والتكافؤ، قادرة على حمل السفينة إلى برّ الأمان. والسفينة لا تزال في قلب العاصفة، تنتظر رُبّاناً من نوع آخر، يضع الوطن أولاً، لا المصالح، ويعرف أن الكرامة لا تُستجدى من الخارج بل تُبنى من الداخل.
داود رمال – اخبار اليوم
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|