جهود رئاسية لإزالة التحفظات بشأن جلسة الثلاثاء و"الثنائي"غير متحمس
الاصلاحات لا تغري واشنطن… نزع السلاح أولاً!
فيما تجهد الحكومة اللبنانية في تقديم أوراق اعتماد إصلاحية إلى المجتمع الدولي، يتضح أكثر فأكثر أن تلك الخطوات، مهما بلغت رمزيتها أو عمقها، لا تُقنع واشنطن بجدوى دعم لبنان أو الانخراط الجدي في إنقاذه. فالادارة الأميركية، بحسب ما تؤكده المواقف والتسريبات، لا ترى في مكافحة الفساد أو مساءلة الوزراء السابقين أو حتى التعيينات القضائية مدخلاً للحل، بل تعتبر أن المدخل الاجباري لأي تسوية يبدأ وينتهي بحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية.
من ملاحقة وزراء سابقين كأمين سلام وجورج بوشيكيان، إلى تشكيل لجنة تحقيق في ملف الاتصالات، وصولاً إلى تحريك ملفات الفساد المالي والاداري، تحاول بيروت إيصال رسالة إيجابية الى العواصم الغربية. لكن الرد الأميركي جاء حاسماً: لا تفاوض حقيقياً ما لم يبدأ لبنان بخطوة تنفيذية على طريق نزع سلاح “حزب الله”.
مصادر قريبة من “حزب الله” أكدت لموقع “لبنان الكبير” أن واشنطن وإسرائيل تتعاملان مع لبنان من موقع القوي ضد الضعيف، وتحاولان فرض الاملاءات عليه، فعلى الرغم من الطلبات القاسية تجاوب لبنان، وجلّ ما طلبه هو إلزام إسرائيل ببنود الاتفاق، إلا أنه قوبل برفض متشدد. وهذا ما يكرّس منطق الهيمنة، ويطرح تساؤلات أمام المنادين بالسيادة: كيف يمكن قبول هذا الشكل من التدخل الخارجي؟
المبادرة التي نقلها رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الموفد الأميركي توماس باراك كانت تستند إلى منطق “الخطوة مقابل الخطوة”: انسحاب تدريجي إسرائيلي من الأراضي اللبنانية ووقف الخروق الجوية والبرية، في مقابل انخراط “حزب الله” في جلسة حكومية تقر إطلاق خطة وطنية لحصرية السلاح. لكن الرد الأميركي، وإن لم يكن مكتوباً، أتى واضحاً من خلال أجواء اللقاءات وتغريدات باراك: لا مساومة.
ونقلت مصادر حكومية أن باراك كان واضحاً بالقول إن واشنطن لا تفرض على تل أبيب، ولا تُملي على أحد، بل تطرح رؤيتها وتنتظر قبولها، و”إذا لم يعجبكم الأمر، لا تنتظروا شيئاً من الولايات المتحدة”.
الرفض الأميركي لا يزال يضغط على صنّاع القرار اللبنانيين، لا سيما أن “حزب الله” يرفض حتى اللحظة أي خطوة قبل التزام إسرائيل الكامل ببنود وقف إطلاق النار الموقع في تشرين الثاني الماضي. ويتمسك الحزب بسلسلة شروط تبدأ بوقف الخروق، ولا تنتهي بمطلب إقرار استراتيجية دفاعية وإعادة إعمار الجنوب.
مصادر مطلعة على جو الرئاسات الثلاث تؤكد استمرار الاتصالات بينها من جهة، وبين الدولة اللبنانية وواشنطن من جهة أخرى، لكنها تعترف بأن التعثر السياسي واضح، وأن الأميركيين “غير مستعدين لتقديم أي حوافز ما لم يبدأ لبنان بخطوات عملية”. وعلى الرغم من الأجواء الرمادية، لا تزال هناك محاولات لتدوير الزوايا وابتكار تسوية تحفظ ماء وجه الجميع.
في هذا الوقت، تكشف إسرائيل عن استراتيجيتها العسكرية لما بعد وقف إطلاق النار، والتي وصفتها بـ”الهجومية الوقائية”. بيانات القيادة الشمالية للجيش الاسرائيلي تشير إلى أن ثلث “إنجازات الحرب” ضد “حزب الله” تحققت بعد التهدئة، بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة.
وبحسب الجيش الاسرائيلي فقد استهدف 597 هدفاً منذ الهدنة، بينها 233 عملية اغتيال، واستهداف مباشر لمستودعات أسلحة ومنصات إطلاق صواريخ، بالاضافة إلى ثلاث هجمات في الضاحية الجنوبية. وتدّعي تل أبيب أنها أحبطت عمليات إعادة انتشار، ودمرت البنية التحتية لقوة “الرضوان”، وقتلت أكثر من أربعة آلاف مقاتل من الحزب، بينما أصيب تسعة آلاف آخرون.
كما تشير البيانات إلى أن “حزب الله” فقد معظم قدراته الصاروخية القصيرة، وتراجعت قوته النارية اليومية من 1500 صاروخ إلى بضع عشرات. وجرى تدمير 70% من منصات الإطلاق القريبة من الحدود، ما أدى إلى تحييد خطر مباشر كان يتهدد العمق الاسرائيلي، بحسب الرواية الاسرائيلية.
في المقابل، تواصل إسرائيل مراقبة الحدود، وتعلن نيتها “منع الحزب من رفع رأسه”، فيما اعتبر قائد المنطقة الشمالية أوري غوردين أن “الخوف من التصرف سابقاً كان خطأ فادحاً، واليوم يجب أن تتغير المعادلة”.
غوردين شدد على أن الوضع الأمني على الحدود الشمالية “لم يكن بهذا الاستقرار منذ عقود”، لكنه عاد ليؤكد أن “المشكلة لا تُحلّ أمنياً فقط، بل تتطلب من الدولة اللبنانية أن تقوم بدورها وتسحب السلاح من حزب الله، لأنه يلحق الأذى الأكبر بلبنان”.
وبهذا المعنى، يتضح أن الاصلاحات، مهما عظمت، لا تغري واشنطن. المطلوب أميركياً بات واضحاً: نزع سلاح الحزب أولاً، وما عداه تفاصيل لا تغيّر في المعادلة شيئاً. فالأزمة لم تعد مالية فقط، بل باتت في جوهرها سياسية – سيادية، والصدام المؤجل قد لا يبقى كذلك طويلاً إن بقيت بيروت خارج جدول أولويات الحل.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|