أزمة أدوية جديدة في لبنان… ووعود بحلها!
يواجه عدد كبير من اللبنانيين صعوبة في توفير أصناف مختلفة من الدواء، لا سيّما العلاجات الخاصة بالأدوية المزمنة والمستعصية، بسبب انقطاعها المستمر من الصيدليات. هذه المعاناة ليست جديدة في لبنان، إذ عاشها لبنانيون كثر خلال الأزمة النقدية التي عصفت بلبنان أواخر عام 2019، ولا تزال تبعات الأزمة مستمرة إلى اليوم.
الأزمة منذ شهور
تقول السيدة السبعينية دلال عواركة لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت رحلتي في البحث عن أدويتي، قبل أربعة أشهر، وكنت أظن أنها مرتبطة بصعوبة إيصال الأدوية إلى صيدليات المنطقة». إذ تسكن عواركة في كفرا (قضاء بنت جبيل) وهي من القرى التي تضررت بفعل الحرب الإسرائيلية على لبنان وعلى مقربة من الحدود مع فلسطين.
تضيف عواركة: «كنت أمام خيار من اثنين؛ شراء البديل أو اللجوء إلى السوق السوداء، وبالطبع اخترت الخيار الأول»، ولكن البديل «بدأ ينقطع من الصيدليات»، وفي هذا الوقت «طلبت من ابنتي أن ترسل إليّ الأدوية التي أحتاج إليها من ألمانيا» لكنّ تكلفتها مرتفعة في الخارج، حسبما تقول.
وتعاني عواركة من عدة أمراض مزمنة، كالسكري والضغط والغدة والقلب، وكانت قد لجأت إلى دواء بديل عن دوائها وهو أرخص بنحو 600 ألف ليرة (نحو 7 دولارات)، «رغم أنني لم أكن مقتنعة بتناوله في بداية الأمر، خوفاً من ألا يكون فعالاً».
ارتفاع الأسعار أيضاً
أصناف كثيرة يتحدث عن فقدانها اللبنانيون، أو البحث عنها فترة طويلة قبل العثور عليها، من ضمنها: أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية مثل الضغط والسكري والقلب والغدة والصرع وغيرها.
«لا تتوفر جميع الأدوية التي نحتاج إليها في الصيدليات»، تقول سمر أبو زيد، وهي ناشطة في مجال المساعدات الإنسانية (جنوب لبنان)، وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «وفي حال وُجدت فإن أسعارها مرتفعة جداً، نتيجة انقطاعها المتكرر واحتكارها من التجار».
وعن سبب هذا الانقطاع، تقول أبو زيد: «الحجة الجاهزة أنها غير متوفرة من دون أي تبريرات إضافية، وهو ما يزيد الخوف من فكرة لجوء التجار إلى تخزينها بهدف بيعها لاحقاً بأسعار مرتفعة، مستغلين حاجة المرضى، على غرار ما يحصل عند كل أزمة في لبنان».
مسألة أخرى تتحدث عنها أبو زيد، وهي اختلاف الأسعار الكبير بين صيدلية وأخرى، ففي جولة سريعة قامت بها على صيدليات في الجنوب، «وجدت فرقاً شاسعاً في الأسعار؛ فمثلاً دواء لعلاج السكري، يتراوح سعره في الصيدليات بين 3 ملايين و500 ألف ليرة (نحو 37 دولاراً) و5 ملايين ليرة (أكثر من 50 دولاراً) لكن حصلت عليه من أحد المستودعات بسعر 12 دولاراً فقط، وهو سعر التسليم للصيدليات»، وكذلك بالنسبة إلى دواء آخر مسكن للألم يتراوح سعره بين 3 و6 دولارات، مما يعني أن الأرباح مرتفعة جداً، وتسأل: «لماذا تغيب الرقابة ولجان التفتيش الصحية كأننا نعيش في مسلخ بشري؟».
من الجنوب إلى الشمال
لا تقتصر المشكلة على منطقة الجنوب، بل إنها تمتد لتشمل كل لبنان. تقول الصيدلانية صبا المصري: «بالفعل نمر بمرحلة نقص في الأدوية المتوفرة في السوق»، وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «وعندما تتوفر تكون كمياتها محدودة جداً، لتعود وتنقطع مجدداً ومرات كثيرة خلال فترة قصيرة».
وتعمل المصري في إحدى صيدليات المينا (شمال لبنان): «نحصل أحياناً على عبوات محدودة من بعض أصناف الدواء، لا تتعدى أصابع اليد الواحدة خلال شهر كامل، وهذا أمر مستغرب جداً، ولا يمكِّننا من تأمين حاجات المرضى من الدواء».
وتشمل أزمة الدواء تلك المستوردة والمصنعة محلياً على حد سواء. تقول المصري: «يُفترض أن تكون الشركات اللبنانية على دراية ومعرفة مسبقة بحاجة السوق، وتعمل وفقها للحؤول دون انقطاع الأصناف المصنعة محلياً، لكننا نفاجأ بأنها تنقطع أيضاً ولا يتمّ تسليمها لنا».
وتتابع: «وصلت الأمور إلى حد النقص في أحد أصناف حليب الأطفال»، أما الأسباب «فهي غير معروفة»، فعندما يسأل الصيادلةُ الموزعين، لا يجدون أيّ إجابة مفيدة، وفق ما أخبر عدد منهم «الشرق الأوسط».
فوضى السوق
تتحدث المصري عن مسألة أخرى لاحظتها خلال الفترة الماضية: «ضمن نطاق المينا، حيث قد يتوفر الدواء في إحدى الصيدليات وينقطع في الصيدلية المجاورة لها، بسبب الكميات المحدودة التي تصل إلى كل منطقة».
وما يزيد الأمر سوءاً التهافت الذي يحصل على شراء الدواء خشية انقطاعه مجدداً، إذ يلجأ المرضى للبحث عن عبوات الأدوية وتخزينها لفترة أشهر، خوفاً من انقطاعها ولعدم رغبة غالبيتهم بتناول أدوية بديلة.
في المراكز الصحية أيضاً
وفي البقاع أيضاً، يعيش الناس الأزمة نفسها. يقول مدير مركز ابن الرازي للرعاية الصحية الأولية في بعلبك، المهندس علي اللويس، إنهم «يعانون منذ أشهر سابقة، من صعوبة تأمين بعض الأدوية التي يحتاج إليها المرضى، كباراً وصغاراً».
ويضيف اللويس لـ«الشرق الأوسط»: «لمسنا هذا الأمر وبشدة، لدينا نقص في بعض أصناف الدواء والمكملات الغذائية التي لا يمكن لبعض الناس التوقف عنها، ولا يملكون خيار الحصول عليها من أماكن أخرى، كون المركز يقدمها بشكل شبه مجاني. لا سيّما بعد الحرب، إذ توقف بعض المراكز الصحية عن تأمين الدواء مجاناً».
الأزمة إلى الحل
ويقر نقيب الصيادلة في لبنان جو سلوم، بأن أزمة الدواء ليست مستجدة، مبشراً بأنها «إلى انحسار رغم انقطاع بعض الأصناف».
ويضيف: «يتمّ التنسيق راهناً والعمل مع المستوردين ووزارة الصحة لوضع آلية للحؤول دون انقطاع الدواء، وتوافره في السوق المحلية مع الحفاظ على نوعية وجودة الدواء».
ويخشى سلوم من أن تكون الضجة المثارة راهناً مفتعلة وتهدف إلى إعادة السير على بعض الأدوية متدنية الجودة لسد العجز في الميزان الدوائي ولتأمين حاجة السوق، لا سيما بعد أن تمكن المعنيون من ضبطها خلال الفترة الأخيرة بفعل ضبط الحدود.
كانت وزارة الصحة قد أعلنت في بيان أنها «تتابع بيانات الاستيراد والمخزون المتوفر في السوق»، كما تتواصل مع نقابتي الصيادلة والمستوردين؛ «للتأكد من حقيقة حصول نقص في عدد من أدوية الأمراض المزمنة من السوق بهدف الإسراع في تأمين النواقص»، لكن لا يزال المرضى يعانون من عدم توفرها بالكمية اللازمة في الأسواق.
حنان حمدان - الشرق الاوسط
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|