توم برّاك يُحذّر... والسؤال: ماذا عن اليوم التالي؟
يبدو المشهد اللبناني ذاهباً نحو التصعيد المبني على تحذيرات المبعوث الأميركي توم برّاك الذي أنذر لبنان بضرورة سحب السلاح خلال مرحلة حدّدها بشهر آب. الثالثة ثابتة؛ هكذا عكست معظم الوسائل الإعلامية نتائج زيارة برّاك إلى لبنان، ولقاءاته المكوكية مع الرؤساء الثلاثة والأقطاب السياسيين في البلد.
توقفت المصادر المتابعة عند جلسة الساعة والنصف مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والتي أتت بعد يوم من لقاء برّاك برئيسي الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام. بعد التصريح المباشر بالشكل والمضمون من السراي الحكومي والذي وضع خلاله المبعوث الأميركي النقاط على الحروف بما لا يدع مجالاً للتأويل أو التحليل، عندما تحدث عن وضع حزب الله في خانة «المنظمات الارهابية» الخارجية. وهنا كان لهذا التوصيف دلالة ناقضت تصريحاته في الزيارة الثانية، بعدما قال إن الحزب جزء من التركيبة السياسية اللبنانية. ومن ثم كلامه عن عدم قدرة واشنطن على إلزام إسرائيل بأي شيء؛ ما فسرته المصادر المتابعة بإطلاق يدها في لبنان واستباحة كل ما يمكن أن تراه إدارة نتنياهو تهديداً لأمنها.
وأكثر من ذلك الإشارة الواضحة التي ربط بها برّاك موضوع سحب السلاح بالدولة، واعتباره شأناً داخلياً، في إيحاء مبطّن لدفع الجيش والمؤسسات الحكومية للتصدّي لهذا الملف الإشكالي المعقّد، بعيداً عن أي نتائج تطال السلم الأهلي، أو تأخذ بعين الاعتبار المخاطر الخارجية لا سيما القريبة من لبنان وشاهدها ما جرى في السويداء.
من هنا، أتت الزيارة الثالثة ثابتة في مقاربة الملفات المطروحة بالورقة الأميركية، في زيارة وصفها المتابعون بأنها: «تحمل طابع الإلحاح السياسي، وتعبّر عما يشبه السباق الأميركي مع الوقت لحسم ملف سلاح حزب الله»، تحت عنوان إعادة الاستقرار الإقليمي، وهو ما عبّر عنه الرجل صراحة بتصريحاته إلى الصحافيين، حين قال إنّ «لبنان يشكّل مدخلاً لهذه التجربة حسب وصفه، في ظل الأوضاع المتوترة في المنطقة».
بعيداً عن لغة الدبلوماسية الناعمة، حملت الزيارة في طياتها رسالة واضحة مفادها: «ان إدارة الرئيس «دونالد ترامب» تعتبر هذا الملف أولوية قصوى، وهو بمثابة مدخل إلزامي لأي عملية سياسية واقتصادية مقبلة في لبنان، لا سيما ما يتعلق بإعادة الإعمار والمساعدات الدولية للبنان»، وهو ما أكد صحة التسريبات التي تحدثت عن «إصرار أميركي على جدول زمني واضح لإنجاز عملية حصر السلاح بيد الدولة وأجهزتها الرسمية»، بعيدا عن أي وعود قد تبقى أسيرة المماطلة نتيجة الظروف، والتي رفضها «برّاك» خلال لقاءاته مع «عون وسلام». ورغم ما نتج من إيجابية لمّح إليها بعد اللقاء الخاص مع رئيس مجلس النواب «نبيه بري»، وطرح معادلة جديدة تقضي بوقف الاحتلال خروقاته واعتداءاته مدة خمسة عشر يوماً كفحص نوايا، إلّا أن شيئاً من ذلك لم يحصل، بدليل استمرار العدوان على لبنان واكتفاء المبعوث الأميركي بنقل هواجس لبنان إلى إدارته لتحلل الزيارة والنتائج وتصدر أوامرها تبعا لمقتضى ذلك.
الأوساط المتابعة كانت ربطت قراءتها للنتائج مسبقاً بالاستناد إلى خطاب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم قبل يومين من الزيارة، والتي أكد فيه أن الحزب ليس في وارد تقديم تنازلات مجانية، وهو قال صراحة «إنه لن يفرّط بقوته، ويرفض تسليم السلاح متمسّكا باتفاق وقف إطلاق النار قبل أي نقاش».
وإذا كان الحزب أراد من خلال هذا الكلام التذكير بثوابته، ورفضه التعاطي مع أي صيغة تعتبر سلاحه عقبة وجب تجاوزها في سياق الإعمار أو الاستحقاقات المقبلة، فإنه يفتح الباب أمام علامات استفهام وتساؤلات حول أهداف هذا الكلام، فما الذي يمكن أن تفضي إليه زيارة «برّاك «الثالثة، وكيف تُقرأ على المستوى السياسي والاستراتيجي. وهل يمكن أن تصل الأمور إلى حد الصدام الداخلي ربما قبل الخارجي، كما عبرت بعض الأوساط المتابعة؟
من هنا، يأتي إصرار توم برّاك على النفي المتكرر لوجود أي ضغوط أو تهديدات، مقابل نبرة توحي بأن الولايات المتحدة ماضية في طرحها، بغض النظر عن تجاوب الطرف الآخر. فحين سُئل عن الضمانات المطلوبة لإنجاز هذا الملف، أجاب بشكل صريح: «لسنا هنا لفرض أي أمر على أحد، ولا نستطيع أن نرغم إسرائيل على القيام بأي شيء». وتحمل هذه الإجابة في طيّاتها ما هو أبعد من الحياد، إذ تعبّر ضمنا عن غياب أي التزام أميركي تجاه مخاوف حزب الله من نزع السلاح في ظل الاعتداءات الإسرائيلية، سواء في لبنان أو في خارجه خصوصا سوريا، ليبقى العامل الإسرائيلي حاضرا بقوة في خلفية المشهد. «فالإدارة الأميركية» ورغم ادّعائها الحياد والوساطة، فإنها لا تخفي دعمها المطلق «لتل أبيب»، ولا تعطي انطباعا بأنها قادرة على كبح جماحها، لا في سوريا، ولا في الجنوب اللبناني، حيث يواصل الطيران الإسرائيلي انتهاكاته، ويلوح بخيارات عسكرية وصفها بالوقائية لحماية أمن سكان المستوطنات في الشمال الفلسطيني.
لذلك أتت الزيارة الثالثة، لتطرح مشكلة حقيقية أمام العرض الأميركي: «كيف يمكن لطرف لبناني، في ظلّ عدم وجود ضمانات حقيقية، أن يسير في عملية نزع السلاح بينما يواجه بعقيدة إسرائيلية تؤمن بالحسم والقوة، غير آبهة بأي قرار دولي أو تفاهمات غير مباشرة مع لبنان».
في المحصلة، يبدو أن مرحلة اليوم التالي، من الزيارة الأميركية المحملة بثقل الشروط والطلبات الملحّة على لبنان، لا تبشّر بالإيجابية إذا لم تذعن واشنطن للرؤية اللبنانية المطالبة بفسحة حوار داخلي، كمدخل لحلّ العديد من الملفات الساخنة، وعلى رأسها السلاح. ودون ذلك، سيمضي لبنان إلى أتون فوضى مركبة، متعددة الاتجاهات، من الجنوب حيث التهديد والعدوان الإسرائيلي المستمر، ومن الشمال والشرق، وما يرتبط بتداعيات المشهد السوري والتحشدات المسلحة المتربصة أصلاً بلبنان شرّاً ما قبل وبعد سقوط النظام.
وفاء بيضون - اللواء
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|