الصحافة

النظام الإيراني يتعثر فهل يتهاوى؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

دول النظام الإيراني عادة تغلّف حروبها الكولونيالية بوعود إلهية مزعومة تحث شعوبها على التطوع في جحافلها للوصول إلى جنتها المفترضة لقاء تقديمات مالية سخية لورثة من يقضي وهو ينفّذ ما أمره به مرشده.

عصب نجاح هذا المسار هو التمكًن المالي، لذلك تعتمد إيران ونظامها على ثلاث رذائل تربطها ببعضها علاقة جدلية تأثرية تأثيرية فإذا وجدت إحداها وجدت بقية المنظومة.

الرذائل الثلاث التي تؤمّن الإقتدار المالي هي المخدرات والفساد والإرهاب، وهي التي تعتمدها أذرع إيران في مستعمراتها ما يحشد لها جيش مستفيدين من الثروة التي تؤمن للمرشد ومعاونيه إستمرار الوجود على طريق تحقيق الأمبراطورية المأمولة.

بعد إنتصارها على نظام الشاه محمد رضا بهلوي في 11 شباط العام 1979 بدأ نظام الخميني بالإعداد لتوسّعه في الشرق الأوسط وفي العام 1984 بدأت تتردد معلومات عن تطويع مراهقين واستخدامهم لتطهير حقول الألغام العراقية وكانوا مزودين “بمفاتيح الجنة” معلقة في رقابهم.

كنت مراسلاً حربياً لوكالة “أسوشيتد برس” في العراق في ذلك الوقت عندما عرض علينا إعلام القوات المسلحة مجموعة من “المراهقين الإيرانيين الأسرى” بألبسة عسكرية ممزقة وتتدلى من رقابهم مفاتيح بلاستيكية عُرّفت بمفاتيح الجنة.

لم أستطع الحوار معهم لجهلي بلغتهم وجهلهم بالعربية والإنكليزية، لكن تعلّمت من زميل عراقي كردي يجيد الفارسية كيف أسأل بلغتهم “شو إسمك” إلى أن كنت أغطي معركة هور الحويزة مع اللواء الركن هشام صباح الفخري وخرج من بين القصب والمياه الضحلة طفلٌ بدا أنّ عمره لا يتجاوز 13 عاماً، تمسّك بساقي ولم ينطق بكلمة.

“إسمك جيه” إي ما اسمك بالفارسية وفق الجملة التي تعلمتها وتلفظ “تشيه” وتكتب الجيم بثلاث نقاط تحتها.

كررت السؤال عدة مرات، داعبت شعره وأخيراً نظر إلي وقال “مِهسِن”.

لمست المفتاح المتدلي من رقبته فتبين لي من وزنه الخفيف أنه بلاستيكي.

دونت اسم مهسن على دفتر ملاحظاتي ثم وصل عنصر من الهلال الأحمر وأخذ مهسن بروية وتكلم معه بلغته.

ضميت اسم مِهسِن في رسالتي الإخبارية إلى قسم التحرير في نيويورك، فسألني محرر الأخبار الدولية: “ما أهمية اسم الجندي الطفل طالما لم نستصرحه؟”

قلت لزميلي في نيويورك إنّ ورود الإسم في خبر وكالة دولية هو الضمانة بأنّ الجيش العراقي لن يسيء معاملته لأنّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر ستسأل عنه.

فأبقى على الإسم في نص الخبر الذي أرسلته عبر هاتف اللواء الركن هشام صباح الفخري الذي فاجأني بأن صرخ بي “لا تبول بالمي، بول على الجاف.”

كنت أحاول أن أقضي حاجتي ولم ألاحظ كابلات الكهرباء الغليظة التي مدت إلى مياه الهور فقتلت كل ما كان موجوداً حتى الذباب والبرغش والسمك، وحتما الإيرانيين الذين كانوا قد توغلوا إلى الجزء العراقي من الهور الحدودي.

وبعد الإعدام الكهربائي صبت صهاريج ضخمة مزيجاً من الديزل والكاز والشحم في مياه الهور، وألقت قذيفة فوسفورية أشعلت ما كان قد تبقى حياً، إذا كان قد تبقى أي كائن حياً.

ويقال إنّ إيران فقدت 40 ألف قتيل في معركة الأهوار التي استمرت قرابة الشهرين.

بعد قرابة الستة أشهر تلقيت اتصالاً من الأستاذ حسن طوالبة مدير الإعلام الخارجي العراقي يبلغني بالتوجه إلى معسكر للأسرى الإيرانيين لتغطية حدث.

وصلت إلى معسكر الأسرى في منطقة أبو غريب، ورأيت موفد اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتفقد مجموعة أسرى أطفال إيرانيين يتلقون درساً في اللغتين العربية والإنكليزية ويكررون وراء مدرسهم الذي لا يرتدي زياً عسكرياً ثلاث مفردات: “دار-خانة-هاوس” التي هي الترجمة الفارسية والإنكليزية لمفردة بيت.

بعدما انتهى الدرس وسمح للتلامذة بالخروج إلى الملعب ركض نحوي مِهسِن وسألني بالإنكليزية “Name”.

ذكرت له اسمي وداعبت شعره الذي بان لونه الأشقر وفهمت الهدف من التغطية: العراق أراد مبادلة الجنود الأطفال بجنود عراقيين جرحى أسرتهم إيران .

ممثل الصليب الأحمر حاول إقناع المسؤول العراقي بإبقائهم إلى ما بعد الحرب، أقله للحفاظ على حياتهم لأنهم إذا أعيدوا إلى إيران فسيرسلون إلى ميدان القتال مجدداً وقد يقتلون.

لم أعرف كيف انتهى الموضوع، لكنني قرأت تقريراً للجنة الدولية للصليب الأحمر يقول إنّ إيران تستخدم الجنود الأطفال للتصدي لتظاهرات ضد النظام في الداخل.

وبقيت إيران تستفيد من عائدات الأذيات الثلاث سواء عبر عائدات تهريب المخدرات، أو تجنيد الفاسدين أو ممارسة الإغتيالات بأهداف إرهابية حتى سقوط تحالفها مع نظام الأسد البائد في سوريا إضافة إلى تعرض جميع الدول التي تتعامل معها لعقوبات أميركية ما قضى على ما لا يقل عن 80 بالمئة من مداخيل أذرعها من الممنوعات، ولا سيما ما يعرف بـ “جمعية مؤسسة القرض الحسن” المتهمة أميركياً وعربياً وحتماً إسرائيلياً أيضا بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

وفي تطور لافت أصدر المصرف المركزي في وقت سابق من هذا الأسبوع قراراً يحظر التعامل مع جمعية القرض الحسن والصرافين غير الشرعيين ما قضى على نسبة هائلة من مداخيل حزب إيران في لبنان.

في هذا الصدد  ذكرت منصة “جنوبية” المتخصصة في متابعة الشأن الشيعي أنه في تطور لافت يُعدّ الأول من نوعه منذ تأسيسه “أبلغ حزب الله عائلات مقاتليه الذين قُتلوا في معاركه المتعددة منذ الثمانينات، عن قرار رسمي يقضي بإلغاء الدعم المالي المخصص لتعليم أبنائهم الجامعي.

وأضافت أنّ “هذا القرار، الذي اتخذته مؤسسة (الشهيد) التابعة للحزب والمسؤولة عن رعاية تلك العائلات، يشير إلى أزمة مالية خانقة يمر بها الحزب دفعت به إلى اتخاذ تدابير تقشفية غير مسبوقة.”

التقشف الذي شمل الجامعات والمدارس والمؤسسات الصحية امتد إلى القطاع العسكري للحزب وشمل نقل العناصر إلى مواقع قريبة من ضيعهم لتوفير بدلات الإيجار وكلفة الإنتقال.

في ظل هذا التراجع في التقديمات المالية، هل سيتمكن الحزب من الإحتفاظ بولاء جمهورة الممتعض الذي كان قد عوّده على عطاءات سخية جعلته مميزاً بين أترابه؟

فمن سيصمد ومن سيتهاوى؟؟

محمد سلام - ”هنا لبنان”

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا