عشيّة "اليوبيل الفضّي" لمصالحة الجبل... مبادرات ومشاريع "وقفيّة" درزية - مسيحية بمواجهة التحديّات
قبل نحو ربع قرن وفي مثل هذا اليوم بتاريخ 4 آب 2001 كانت منطقة الجبل ومعها لبنان تعيش انتصارين كبيرين، الأول عاجل مع طيّ صفحة الحرب وما رافقها من أحداث أليمة وسقوط ضحايا، والثاني مؤجّل مع وضع المدماك الأول للاستقلال الثاني وخروج الجيش السوري من لبنان.
فحضور رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون إلى دير القمر ومشاركته في عيد سيدة التلة شفيعة "الديريين" وقرى مجاورة عدة، وهي المرة الأولى التي يزور فيها منطقة الشوف منذ انتخابه بشكل علني أو رسمي، يجسّد إلى حد بعيد تلك الصورة الايجابية، التي طُبعت في وجدان ليس أهالي "عاصمة الأمراء" فحسب، وانما كل ابناء الجبل على مختلف شرائحهم ومكوّناتهم ومشاربهم الروحية الاسلامية والمسيحية.
قبل يوم واحد من التاريخ المذكور الذي ما زال محفورًا على لوحة صخرية معلّقة على أحد جدران صالون الاستقبال في كرسي مطرانية بيت الدين تخليدًا للذكرى، كان "الديرييون" وقتذاك عشية تلك الذكرى وبعد القداس الالهي برئاسة البطريرك الماروني الراحل الكاردينال نصر الله صفير يهتفون ضد العهد ورئيسه (الرئيس الأسبق إميل لحود) وتعرّض الكثير منهم الى الاعتقال، قلبت صورة الأمس على نحو مغاير تمامًا، مع الاستقبال المميّز والفرح للرئيس عون، الذي زار أوّلًا أنطش كنيسة سيدة التلة قبل مشاركته بالقداس الاحتفالي السنوي.
وقبل عام من "اليوبيل الفضّي" للذكرى ايضًا، ثبّتت مصالحة الجبل تمسكّها بمفاعيل طي تلك الصفحات الأليمة الموجعة، بعد المصافحة الشهيرة بين البطريرك الراحل صفير ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" السابق وليد جنبلاط في قصر المختارة، إيذانًا بفتح صفحة جديدة مشرقة من العلاقات المسيحية – الدرزية خصوصًا، والتي يفوق عمرها ألف عام، قال فيها المطران بولس مطر اثناء مشاركته في لقاء درزي – مسيحي في بلدة بزبدين (المتن الاعلى)، "صحيح خسرنا 30 عامًا من الافتراق بسبب الحروب، لكن يجب أن لا ننسى أن ثمة 970 سنة من علاقات الاخوّة بيننا".
ولأن الجبل الذي يقوم على أقانيم ثلاثة: الرحمة الاسلامية والمحبة المسيحية والاخوّة الدرزية والانسانية، ذكرها أخيرًا شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز سامي أبي المنى، في إطار حديثه أمام العشائر العربية التي زارته في شانيه على أهمية عيش المحبة والسلام ونبذ التفرقة والحروب والكراهية وبث الاحقاد، خاصة في منطقة الجبل، سعيًا من الجانبين لدرء الفتنة بين الطائفتين الدرزية والسنيّة، التي كادت أن تمتد من السويداء الى لبنان.
انتصرت مصالحة الجبل وهي تنتظر أشياء مهمة، من خلال السعي الحثيث من قبل مشيخة العقل والرهبانية المارونية ومطرانيات الجبل المارونية، لا سيما في القسم الجنوبي من جبل لبنان (اقضية الشوف وعاليه وبعبدا)، لاطلاق سلّة مشاريع استثمارية، تؤمن فرص عمل للشباب المسيحي – الدرزي، من خلال الاستفادة المشتركة من الاوقاف الدرزية والمارونية، ولتثبيت أبناء المنطقة في قراهم وبلداتهم، في مواجهة التحديات الجاثمة وخطر افراغ المنطقة من شبابها، بعد توجههم الى عالم الاغتراب، بحثًا عن لقمة العيش.
وفي هذا السياق كشفت مصادر متابعة لـ"نداء الوطن" في مشيخة العقل والجهات المسيحية المارونية المعنية، عن قرب الإعلان عن خطوات في هذا السياق، بعد جهود ومساعٍ بدأت منذ العام الماضي وستتوّج قريبًا بالاعلان عن مبادرات على هذا الصعيد. ولفتت المصادر المواكبة ان تلك الخطوات تهدف أوّلًا وأخيرًا إلى تثبيت أبناء الجبل في مناطقهم وأرضهم، والاستفادة من الاراضي والمساحات الوقفية، لبناء مشاريع تساعدهم على الصمود، ولا سيما بالنسبة إلى جيل الشباب الذي تفتقر اليه المنطقة، وقد اظهرت الأرقام في الاستحقاقات الاخيرة حجم الشباب الذي ترك بلده وتوّجه الى الخارج.
تحلّ ذكرى مصالحة الجبل هذا العام في توقيت مضطرب جدًّا، إثر الاحداث الدموية الأليمة التي حصلت في محافظة السويداء، وتداعيات مجازر الابادة وهول الفظاعات التي ارتكبت بحق الدروز، فيما وقوف الطوائف المسيحية ضد الأفعال المشينة والجرمية الى جانب إخوانهم الدروز، خفّف الكثير من وطأة الدماء التي سفكت والأحزان، وعززت العلاقات الإنسانية المسيحية – الدرزية، وضاعفت من جهة ثانية أهمية بث روح التسامح والمصالحة، استنادًا لتاريخ جبلَي لبنان والعرب من العام 1860 ولغاية اليوم ومرورا بجميع الحروب، التي أثبتت السنوات أنه لم ينتصر فيها، سوى أهل المصالحة وأبناء السلام وهو ما يجب أن ينسحب على مستقبل الأيام بين ابناء السويداء والعشائر العربية.
عامر زين الدين - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|