اللبنانيون والمونديال... برازيلي أو ألماني "حتى العضم" ومواكب سيّارة تتجاهل سعر البنزين!
برازيلي أو ألماني؟ سؤال لا يدلّ على جنسية الشخص خلال مباريات كأس العالم في لبنان، إنّما على الانتماء الرياضي والفريق الذي يشجّعه كل لبناني. تشجيع يتحوّل إلى هوية وانتماء، مع حملات "تزريك" واستعراض البطولات التاريخية لكل فريق والسخرية من خسارة الفريق الآخر.
واللبناني، كما جرت العادة، "بكل عرس إلو قرص". ففيما أصبح سعر صفيحة البنزين حوالي 800 ألف ليرة، لا يوفّر المشجّعون أي احتفال بالمواكب السيارة الشهيرة في لبنان لكل المناسبات، فيتحوّل الاحتفال بفوز أي منتخب من المنتخبات اللامعة، إلى مهرجان شعبي بمسيرات سيّارة وعلى الدراجات النارية، مصحوبة بإطلاق الزمامير والتهييص والأعلام، وأحياناً، دق الطبول، على غرار ما حدث في طرابلس بعد تعادل #ألمانيا وإسبانيا، وفي شوارع بيروت بعد فوز البرازيل على صربيا.
"أنا برازيلي وأمّي تناديني بالمجنون"، يقول سامر، أحد المشجّعين المخلصين للبرازيل. ويروي أنّه يحب كرة القدم منذ صغره، و"منذ نشأتي عشت كأس العالم عام 2002 عندما ربحت البرازيل على ألمانيا 2-0، وكان والدي يشجّع البرازيل. كبرت وكبر معي عشق البرازيل لكنّني لا أعرف لماذا". يحفظ مواقيت جميع المباريات و"مهما كان وقتها متأخراً انتظرها لأشاهدها". ويخبر سامر أنّ في كأس العالم عام 2018، "خرجت من المباراة بعد الهدف الثاني للبرازيل (حينها خسرت 7-1 أمام ألمانيا) وأحسست أنّ البرازيل ستخسر ولم أرغب في استكمال المباراة، والتزمت منزلي لمدة يومين وحزنت جداً ولم أكلّم أحداً ولم أجب على المكالمات الهاتفية، وحتى الآن لا أستطيع مشاهدة هذه المباراة". وسامر لا يشاهد أي مباراة مع أشخاص غير مشجعين للبرازيل، "لا أتحمل ذلك بتاتاً"، ويشارك طبعاً في المسيرات السيارة بعد كل فوز للبرازيل.
وسيم هاشم، أحد المسؤولين في "نادي مشجعي البرازيل في لبنان"، يورد لـ"النهار" أنّ المباراة الأولى للبرازيل في كأس العالم 2022، والتي نظّم مشاهدتها النادي في أحد الأماكن العامة، فاقت بكثير عدد المشجعين المتفَّق عليه، إذ وصل إلى أكثر من 800 شخص ما بين عائلات وشبّان افترشوا الأرض لعدم توفر كراسٍ وطاولات. ونظراً للأوضاع الراهنة، كان النادي يفضّل إبقاء المسيرات السيارة إلى المباريات النهائية، لكن المشجّعين لم يتحمّلوا الانتظار رغم ارتفاع أسعار البنزين، وخرجت حينها المسيرات السيارة بشكل تلقائي بعد المباراة وتوزّعت ما بين شوارع الحمرا والروشة والضاحية الجنوبية ووسط البلد.
أمّا في المقلب الآخر، فـ"أنا ألماني شرس"، يؤكّد نبيل، مشجِّع ألماني. لا يقبل الشاب أي مقاربة سلبية حول المنتخب الألماني، ويستند دائماً إلى فخر الصناعة الألمانية، لا سيما السيارات منها، لتأكيد قوة الفريق. وخلال كأس العالم، يملأ نبيل نوافذ سيارته بالأعلام الألمانية ويضع إشارات المنتخب على مكتبه في المؤسسة التي يعمل فيها. وبرأيه، "البرازيل ربحت بالصدفة 5 مرات، وقوة المنتخب الألماني لا تقلّ أبداً عن المنتخب البرازيلي، فالألمان في المرتبة الثانية من حيث عدد فوزهم بكأس العالم بعد البرازيل". ويذكر نبيل أنّ والديه كانا يعيشان في ألمانيا ويشجعان المنتخب الألماني، وأنّه نشأ في هذا المحيط واكتسب هذا الانتماء منه.
وبالتأكيد فإن التركيز على مشجعي البرازيل وألمانيا ليس سوى مثال مكثف على الظاهرة، ولا ينتقص من أعداد وعصبية مشجعي الأرجنتين وفرنسا وإسبانيا والسعودية والمغرب وغيرها...
من أين يأتي الانتماء الرياضي؟ ولماذا هذا التعصّب؟
مشجّعون كثر يشجّعون فرقاً من دون معرفة السبب وراء هذا التشجيع القوي وحبّهم لها. من أين يأتي هذا الانتماء وكيف يشخّص علم النفس هذه الظاهرة؟
اختصاصية علم النفس العيادي، ماري شاهين، وفي حديثها لـ"النهار"، تشرح أنّه "يتم التسويق والترويج للرياضة عالمياً من خلال كل لاعب من المنتخبات وللنجاح المبهر الذي يحققونه بسبب الرياضة، وإظهاره على أنّه تجسيد لحلم المشجعين والأشخاص العاديين". وعادة، فئة الشباب هي التي تتحمّس بشدة، وبالنسبة إلى الشاب مثلاً، يصبح الفريق الذي يشجّعه مثالاً له ومجتمعه وعائلته الصغيرة، حيث يشعر في داخله بالانتماء.
من هنا يبدأ الحماس، حماس يجعل المشجِّع يشعر وكأنّه هو اللاعب على أرض الملعب وهو الذي يحرز الأهداف، ونتحدّث هنا عن تماهٍ تام مع اللاعبين البارزين بحيث يرى المشجع نفسه في هذا اللاعب.
وتلفت شاهين إلى نقطة هامة جداً، إذ "دائماً في الملاعب يكون سلوك الناس هو سلوك جماعة وليس أفراداً، وينجرّ الشخص إلى هذه السلوكيات مهما كانت خاطئة"، وهنا يقع خطر الشغب، وتغيب الضوابط الشخصية، فالعواطف الحماسية في هذه الأثناء تزيد من الانفعالات.
كذلك، فإن اختيار فريقٍ دون آخر لتشجيعه، يتأثّر كثيراً بتشجيع الأهل لهذا الفريق، وفق شاهين، إذ ينشأ الولد على ما يسمع من أهله، ويبني انتماءه الرياضي على اسم لاعب لامع، ويصبح تشجيع هذا الفريق من أجل هذا اللاعب. وهنا نتحدّث عن "لا وعي جماعي يجرّ الشخص ويجعله غير مدرك لماذا يشجّع فعلاً أو يحب هذا الفريق، لكن يجسّد هذا اللاعب أشياء جميلة جداً في لاوعي هذا الشخص".
تتفاوت عوامل الولاء لفريق دون غيره، وتتحكم بها أبعاد جغرافية وثقافية واجتماعية وغيرها. الأكيد أن المونديال متنفس لطاقات حماسية لدى لبنانيين باحثين عن وقت مستقطع من الأزمات.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|