السعوديّة تُبادر لترسيم وضبط الحدود بين لبنان وسوريا... ماذا عن التمويل؟
وُعد لبنان بمبادرة دولية- عربية تقودها السعودية، كشف عنها رئيس الجمهورية جوزاف عون الخميس الفائت، في كلمته التي ألقاها بمناسبة عيد الجيش في وزارة الدفاع في اليرزة. فقد قال عون: "تلقينا مبادرة مشكورة من الإخوة السعوديين للمساعدة على تسريع الترتيبات الضرورية لاستقرار الحدود بين لبنان وسوريا"، مشدّداً على حرص بلاده على بناء علاقة ممتازة مع الجارة سوريا لمصلحة كلا البلدين. وتبرز هذه المبادرة كإحدى أبرز الخطوات المهمّة التي يحتاجها لبنان والمنطقة حالياً، لاستعادة الإستقرار، وبدء عملية النهوض الإقتصادي فيها. وتأتي مبادرة الوساطة نتيجة الجهود التي قام بها الرئيس عون، على ما تلفت مصادر سياسية مطلعة، خلال زياراته الخارجية.
فقد سبق وأن زار رئيس الجمهورية السعودية (في 3 آذار الفائت) والتقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، طالباً منه مساعدة لبنان لتأمين الحدود، وتمت الموافقة على قيادة السعودية لهذه المسألة. وقد بدأت هذه الوعود تُترجم اليوم بالمبادرة التي كشف عنها عون أخيراً، لا سيما بعد تأكيده على حصرية السلاح بيد الدولة. كما شكّلت زيارته إلى القاهرة (في 5 آذار الماضي) حيث التقى الرئيس السوري أحمد الشرع، على هامش القمة العربية بشأن غزّة، مدماكاً أساسياً للإتفاق على مسألة ترسيم الحدود، لا سيما بعد أن شدّد الرئيسان على "ضرورة" ضبط الحدود بين البلدين.
وإذ يتطلّع عون إلى ترسيم الحدود البريّة مع سوريا بدءاً من الشمال- الشرقي إلى دير العشائر، وصولاً إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا جنوباً، الأمر الذي يُناسب السعودية كونه يحدّ من تهريب الكابتاغون والمخدرات التي تعبر من سوريا إلى لبنان، ومن ثمّ اليها، عن طريق المعابر غير الشرعية التي تفتقر إلى المراقبة الأمنية اللازمة، فقامت بطرح مبادرة في هذا السياق تقوم على بنود عديدة، يرتكز عليها الإتفاق الأمني الذي وُقّع برعاية سعودية، أبرزها:
1- "إرساء مبدأ ضرورة ترسيم الحدود رسمياً: فقد جرى التأكيد على الأهمية الاستراتيجية لـ "تحديد الحدود البريّة بين لبنان وسوريا"، فهناك نحو 375 كلم من الحدود غير مرسّمة بشكل نهائي ورسمي بين البلدين، إلى جانب وجود خمسة معابر بينهما موزّعة على طول الحدود، وهي: المصنع، الدبوسية، جوسية، تلكلخ، العريضة. فضلاً عن وجود معابر غير شرعية تبلغ نحو 144 معبراً. الأمر الذي أدّى إلى تحويل الحدود بين البلدين إلى ممرّ للمهرّبين والخارجين عن القانون. علماً بأنّ هناك 74 نقطة حدودية للجيش اللبناني على الحدود بين الأراضي المتداخلة بين لبنان وسوريا، لكنها غير كافية لضبط كامل الحدود.
2- تشكيل لجان قانونية وتقنية متخصّصة: تمّ الاتفاق على تشكيل لجان قانونية وتقنية مشتركة بين البلدين، تتناول قضايا مثل التراث الجغرافي والقانوني، الخرائط الحدودية، الإتفاق على إطار تعاون مؤسساتي يُعزّز التفاهم والتطبيق الفعلي للموقف الحدودي المتفق عليه، والذي يصبّ في مصلحة البلدين.
3- تفعيل آليات تنسيق فورية أمنية وعسكرية بين الجانبين: تعمل على التهديدات الأمنية والعسكرية التي قد تنشأ على الحدود، وتشمل: تبادل المعلومات، خطط العمل المشتركة، وربما إنشاء خط اتصال مباشر بين القيادات العسكرية إذا تطلّب الأمر ذلك.
4- متابعة سعودية بمؤتمرات لاحقة: ويتطلّب هذا الأمر عقد اجتماعات متابعة في السعودية قد يكون حان موعدها الآن، من دون تحديده بشكل نهائي بعد، وذلك لمراجعة التقدم ومتابعة تنفيذ بنود الاتفاق.
5- إغلاق وتفتيش المعابر غير الشرعية: على أن يجري هذا الأمر من ضمن خطوات عملية، تلي إغلاق طرق التهريب غير النظامية، التي بدأت السلطات في البلدين بالقيام به على طول الحدود، وبدء حملات تفتيش مشتركة للقضاء على النفوذ غير الرسمي، لا سيما المتعلق بأنشطة تهريب الأسلحة والمخدرات مثل حبوب الكابتاغون.
6- تمويل بنود الإتفاق من الجهات العربية والدولية: تشمل هذه المبادرة المساعدات العسكرية للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية ، من أجل تعزيز دورها وتمكينها للقيام بالمهام الموكلة اليها. وكان الرئيس عون قد دعا في هذا الإطار في كلمته الأخيرة، إلى دعم دولي مباشر بقيمة مليار دولار سنويّاً لمدة عشر سنوات، لتعزيز قدرات الجيش والقوى الأمنية، مطالباً القوى السياسية بحصر السلاح بيد الدولة.
وتسعى السعودية من خلال المبادرة التي عرضتها على الرئيس عون إلى تحقيق أهداف عديدة، على ما أكّدت المصادر السياسية منها:
1- تعزيز سيادة لبنان على حدوده، وتمكين الدولة من استعادة السيطرة الأمنية والعسكرية على طول حدودها، لا سيما على المعابر غير الشرعية، من دون الحاجة إلى مؤازرة من أي جهة غير رسمية.
2- تقليص التهريب بأنواعه، سواء الأسلحة أو المخدرات أو البشر، الذي كان يتمّ عبر طرق غير رسمية تُستخدم من قبل بعض العشائر أو التنظيمات عبر الحدود.
3- المساهمة في إعادة لبنان إلى "الحضن العربي"، عبر استعادة الثقة مع دول الخليج، وحل المشكلات الحدوديّة التي أثّرت على علاقاته العربية، بسبب تدهور الوضع الأمني والطاقة الناجمة من النفوذ الإيراني.
وتتوقّع المصادر أن تلقى المبادرة السعودية صدى إيجابياً من الداخل اللبناني، على أمل عقد اجتماعات أخرى بين الجانبين اللبناني والسوري في جدّة أو الرياض، لبدء تنفيذ بنود المبادرة. على أنّ الحضور السعودي المكثف في هذه العملية، يُمكّن من كسر الجمود السياسي بين لبنان وسوريا، وتوسيع المساحة الديبلوماسية للبنان داخل المحيط العربي بعد سنوات من الانقطاع. وتشير المصادر إلى أنّ هذه الخطوة لا تسعى فقط إلى تأمين الحدود، بل إلى إعادة ترميم الدور العربي للبنان، وتقليص تأثير القوى غير الرسمية، في مسار يستطيع أن يربط الأمن بالسيادة والتنمية والتعاون الديبلوماسي. وتذكّر المصادر السياسية بأنّه سبق وأن اجتمع وزيرا الدفاع اللبناني ميشال منسى، والسوري مرهف أبو قصرة، منذ أشهر برعاية مباشرة من قبل نظيرهما السعودي الأمير خالد بن سلمان في جدّة. وانتهى اللقاء بتوقيع اتفاق أمني نصّ على الشروع في ترسيم الحدود المشتركة، وتشكيل لجان متخصصة لمعالجة الملفات العالقة بين البلدين. كما شدّد نص الاتفاق حينها على أنّ السعودية ستواصل دعمها الكامل لأي خطوات تحفظ أمن واستقرار لبنان وسوريا. واتفق الجانبان ايضا على عقد اجتماعات متابعة في السعودية لتقييم التنفيذ ومراجعة التقدًّم المحرز. وحان الوقت الآن لمتابعة هذه الأمور، في ظلّ المبادرة السعودية التي تتوافق مع ما جرى الإتفاق عليه.
علماّ بأنّ لبنان طرح في المذكرة التي قُدّمت إلى الولايات المتحدة الأميركية قضية ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، ومكافحة التهريب والمخدرات وحلّ مشكلة النازحين السوريين. وجاء هذا الطرح ضمن بنود مسودة الردود على ورقة المبعوث الأميركي توم بارّاك.
وتفتح المبادرة السعودية اليوم، وفق المصادر، الباب أمام توسيع دائرة المباحثات بين الجانبين اللبناني والسوري، التي لا يظهر أنّه يُمكن أن تحصل اليوم من دون مبادرة أو وساطة سعودية. وأشارت المصادر إلى أنّ الرعاية السعودية لمسألة ضبط الحدود ليست خطوة عابرة، بل هي مسار متكامل يشمل آلية دولية تضمّ فرنسا والولايات المتحدة والأمم المتحدة، ويهدف إلى تثبيت الحدود مع سورية وضبط التحديات الأمنية.
وتجد المصادر بأنّ المشاركة الدولية فيها، من شأنها توفير مظلّة أوسع تمنع انهيار التفاهمات حول مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا. وكان رئيس الحكومة نوّاف سلام قد ناقش خلال زيارته إلى العاصمة السورية دمشق في 14 نيسان المنصرم، مسألة ترسيم الحدود بين البلدين، وفقا للمبادرة السعودية. ومن جهتها، سلّمت فرنسا في وقت سابق، وزارة الخارجية اللبنانية نسخاً من وثائق وخرائط تاريخية من الأرشيف الفرنسي الخاص بالحدود اللبنانية- السورية، في خطوة قد تساعد على ترسيم الحدود البرية بين البلدين. وجاء ذلك بناء على طلب لبنان والوعد الذي قطعه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لنظيره عون، خلال زيارته إلى باريس في 28 آذار الماضي.
علماً بأنّ تزويد لبنان بهذه الوثائق والخرائط، إلى جانب تلك التي يملكها، يساعده في عملية ترسيم حدوده البرية مع سوريا. واتفق الرئيسان حينها على ضرورة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، وعلى وجود تعاون قائم بين الجانبين حول هذا الملف، وأن هناك عملاً على مستوى الأمم المتحدة لترسيم الحدود بين البلدين.
دوللي بشعلاني -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|