مفاجأة.. شقيق أصالة نصري يعلن ترشحه لرئاسة سوريا وهذه أولى قراراته (صورة)
في لبنان... المخدرات بَدَل الدواء في علاج مرضى الأعصاب
جاء في الراي الكويتية: كانت «العصفورية» التي غنّتْ لها الراحلة صباح عصفورية الحب والمرح والضحك. ما يعيشه اللبنانيون اليوم، هو العصفورية بالمعنى المَرَضي للكلمة.
فالعصفورية مستقاة شعبياً من مصحّ نفسي، كان معروفاً بلبنان في زمن مضى. أما اليوم فبات أبناء «بلاد الأرز» فريسةَ الأمراض الجسدية والنفسية في وقتٍ تطلق دول العالم المتحضّر حملاتِ توعيةٍ من أجل الصحة النفسية.
في لبنان الذي رَفَعَ قبل أعوام شعارَ تَحَوُّله «مستشفى الشرق» وعرف نهضة استشفائية على كل المستويات، تَعَزَّزَ وضع المصحات المتخصصة، إذ تأسست أجنحةٌ في مستشفيات خاصة تهتمّ بالصحة النفسية للمرضى وكانت تطلق حملات توعية عدة قبل أن تنهار المستشفيات مع الليرة.
كما برزت مؤسسات اجتماعية تُعنى بشؤون مدمني المخدرات ومعالجتهم وتأمين سبل رعايتهم عبر برامج متخصصة لإخراجهم من دوامة المخدرات.
لكن الأعوامَ الثلاثةَ الأخيرة قلبتْ القطاعَ الصحي رأساً على عقب. ففي وقتٍ كانت دولٌ أوروبية وعربية تعلن عن حملاتِ توعيةٍ تَزامُناً مع انتشارِ وباء «كورونا» لتأمين سلامة المحتجزين قسراً في منازلهم ومعالجة آثار العزلة التي يمرّون بها، كان اللبنانيون يعيشون مآسي مزدوجة: انهيار أوضاعهم المالية والنفسية، وانهيار القطاع الاستشفائي وتحوُّل ما تبقى منه الى الدولار، وانقطاع الأدوية الأساسية لا سيما أدوية الأعصاب التي صارت متداوَلة بكثافة.
وما بدأ يظهر في شكل أكثر حدة تزامناً مع انتشار حالات الانتحار في شكل تَصاعدي منذ مدة نتيجة عوامل الضغط الاجتماعي والمالي والنفسي، هو انتشار المخدرات في شكل علني وبأضعاف ما كان عليه الأمر قبل أعوام قليلة، لا سيما مادة الحشيشة اللبنانية، والحبوب المخدّرة على أنواعها، وهنا تبدأ المشكلات بالتداخل.
ليس جميع المرضى النفسيين يحتاجون الى دخول مستشفيات متخصصة. لكن هناك حالات تتطلب معالجة متخصصة في المستشفى وتحت إشراف طبي متخصص.
والمعضلة الحالية بعد انهيار قطاع الاستشفاء أن هناك عائلات لم تعد قادرة على تأمين علاج مرضاها في المستشفى بعدما صارت تكلفته مرتفعة جداً وبالدولار.
ففي حين كانت تكلفة علاج أي مريض تبدأ بثلاثة ملايين ليرة وكانت توازي حينها ألفيْ دولار، صارت توازي ما بين 90 و150 مليون ليرة. ولا تزال إحدى العائلات تنتظر تأمين المبلغ من أجل علاج أحد مرضاها في مستشفى متخصص. علماً أن هذا العلاج يتمّ في صورةٍ دورية وليس مجرّد عملية جراحية، ما يعني أن المريض يحتاج إلى دخول المستشفى في صورة دائمة.
ولا يوجد حالياً أمام العائلة سوى تأمين أدوية بديلة عن العلاج الطبي السريري، وتكلفة هذه الأدوية أصبحت مرتفعة الثمن لأن العبوةَ الواحدة يتجاوز سعرها 200 دولار، كما أن الأدوية لم تعد متوافرةً في لبنان لحالات خاصة، بل صارت تُطلب من تركيا أو مصر.
المشكلةُ الثانيةُ هي أن مستشفياتٍ أغلقتْ أجنحةَ الطب والعلاج النفسي فيها بسبب الضائقة الاقتصادية، ما رَفَعَ الضغطَ على المستشفيات التي لا تزال قادرةً على تأمين حاجة المرضى فصارتْ أمام حالات طلب متزايدة، الأمر الذي يدفعها كذلك إلى رفع مبالغ العلاجات خصوصاً أن شركات التأمين لا تغطي تكلفة مثل هذه العلاجات، وأن أجهزة ومؤسسات رسمية ضامنة لم تعد قادرة على تأمين ما تطلبه المستشفيات لجهة رفْع تعرفة أطباء متخصّصين في هذا المجال.
المشكلة الثالثة هي أنه بسبب تدهور الحياة المالية والاقتصادية لغالبية اللبنانيين، يلجأ الكثير منهم إلى تناول المهدئات. وتبدأ القصة عادةً بزيارة أطباء اختصاصيين وأحياناً غير اختصاصيين، الذين يعطون وصفة طبية بأدوية مهدئة وهي نوعان: علاجٌ طويل الأمد، وعلاج مهدئ وسريع الفعالية لحالاتٍ عصبية متفاقمة أو للنوم أو لتهدئة حالات هيجان شديدة لدى بعض المرضى.
ومنذ سنوات والدراسات المتخصصة تتحدث عن ارتفاع حالات الطلب (وأحياناً العشوائي) على هذه الأدوية، وصار اللبنانيون يتحدّثون عنها بكل سهولة ويحصلون عليها أيضاً من دون وصفة طبية.
لكن قبل انهيار الوضع الاقتصادي عمدت وزارة الصحة ونقابة الأطباء والصيادلة الى حصر بيع الأدوية المهدئة بوصفات طبية وتسجيل أسماء المرضى ومراقبة عدد عبوات الأدوية المباعة.
إلا أنه مع انتشار الفوضى بات كل شيء متاحاً، وصار تناول أدوية المهدئات شائعاً، ويتمّ تأمينها بشتى الطرق في لبنان عبر صيادلة يتحايلون على القانون وتجار يحصلون عليه من الخارج. علماً ان سعر العبوة ايضاً ارتفع بسبب ارتفاع سعر الدولار.
المشكلة الرابعة أن انهيار سوق الأدوية لا سيما المهدئات وغلاء ثمنها، دفع بعض المرضى الى التحوّل نحو شراء المخدرات الأرخص ثمناً في لبنان، والتي لا تحتاج الى زيارة طبيبٍ صارت تعرفته بالدولار الأميركي ولا إلى جلساتِ علاج نفسي بفاتورة غالية.
وهنا تبدأ رحلة عذاب أخرى وأكثر حدة، لأنها تصبح عبارة عن دوامة جهنمية يعاني منها المريض وعائلته على السواء.
ومن الواضح ارتفاع عدد شبكات ترويج المخدرات في لبنان، والتقارير الأمنية دليل على ذلك. وبما أن هناك أنواعاً من المخدرات تبدأ بالأقل ثمناً إلى الأغلى والأرفع «جودة»، فإن الطلب عليها لا سيما الحبوب المصنَّعة محلياً أو الحشيشة صار مرتفعاً أيضاً، خصوصاً أن الحصول عليها بات أسهل من الحصول على علبة مهدئ عبر الصيدلية.
ومع بدء الادمان على نوع جديد من المخدرات، تبدأ رحلة معاناة عائلات تجد نفسها فجأة أمام حالة مستعصية لمعالجة مرضاها من الإدمان.
وفي لبنان توجد جمعيات فاعلة للعلاج من الإدمان ومرافقة المريض في رحلة استشفائه، لكن العلاج مكلف.
وهذه الجمعيات التي تقدّم علاجات مجانية تحتاج الى تمويل ومساعدات، وهي تقدّم أفضل رعاية ممكنة وتحاول البقاء على قيد الحياة وسط التعثر المالي وانهيار التقديمات الاجتماعية والمالية.
علماً أن أيّ علاج خاص من الإدمان على المخدرات في مستشفيات متخصّصة تصل تكلفته إلى 4 آلاف دولار شهرياً، والعلاج الطبي يحتاج إلى شهرين فيما العلاج والمرافقة الاجتماعية تحتاج إلى نحو سنة لمراقبة المريض وتأمين خروجه من حال الإدمان.
ومَن لا يقدر على تأمين هذا المبلغ يقف عاجزاً أمام تحوُّل أفراد من عائلته نحو الخيارات السيئة ووقوعهم ضحية الأخطاء الطبية واستسهال تعميم ثقافة أدوية المهدئات، رغم كل التبريرات بسوء الأوضاع الاقتصادية والمالية.
بين العلاج النفسي وتأمين الأدوية وحالات الانتحار والإدمان على المخدرات... هي دوامة لبنانية بامتياز في زمن الانهيار المالي والاجتماعي والعائلات التي تختنق تحت وطأة العيش في ظل المرض والفقر وفقدان أدنى مقومات الحياة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|