تعديلات قانون "تبييض الأموال": القرض الحسن سيتأثّر
في زحمة الانشغال بمناقشة ملف حصريّة السلاح، غاب عن النقاش أمام الرأي العام مرسوم مشروع القانون الذي أقرّته الحكومة يوم الثلاثاء الماضي، المتعلّق بتعديل قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. ومن المعلوم أنّ إقرار هذه التعديلات، التي يفترض أن يناقشها ويصدّق عليها لاحقًا مجلس النوّاب، كان مطلوباً كإجراء تصحيحي، للتمكّن من إخراج لبنان من اللائحة الرماديّة لمجموعة العمل المالي.
وكما أظهر ملخّص الملف الذي ناقشه مجلس الوزراء، تم إقرار مرسوم مشروع القانون على أساس ملاحظات مصرف لبنان وهيئة التشريع والاستشارات وهيئة التحقيق الخاصّة، فضلاً عن بعض الآراء التقنيّة التي قدّمها جهاز الأمن العام وقوى الأمن الداخلي ووزارتي الداخليّة والاقتصاد والمديريّة العامّة للشؤون السياسيّة واللاجئين.
فماذا ستشمل التعديلات على قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب؟
صلاحيّات وزارة الداخليّة
تنص التعديلات على إعطاء وزارة الداخليّة والبلديّات صلاحيّة فرض العقوبات على الجمعيّات غير الهادفة للربح، التي تخالف الإجراءات التي تضعها الوزارة، للحماية من استغلال هذه الجمعيّات لغرض "تمويل الإرهاب". وهذه الصلاحيّة هي بالتحديد ما يمكن استعماله ضد جمعيّات حظر مصرف لبنان التعامل معها، بالاستناد إلى أحكام قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، مثل القرض الحسن وشركة تسهيلات وشركة يسر للتمويل والاستثمار.
مع الإشارة إلى أنّ المصرف المركزي لم يتمكّن من فرض أي عقوبات مباشرة على هذه الجمعيّات، باستثناء حظر التعامل معها، نظراً إلى خضوعها لصلاحيّات وزارة الداخليّة، لا إلى صلاحيّاته. ومع هذه التعديلات، سيكون بالإمكان -إذا وجد القرار السياسي- تغريم هذه الجمعيّات من قبل وزارة الداخليّة نفسها، بالاستناد إلى أحكام هذا القانون.
صلاحيّات السجل التجاري
ستوسّع التعديلات صلاحيّات السجل التجاري، للسماح له بملاحقة ومعاقبة الشركات التي ترتكب مخالفات مرتبطة بعمليّات تبييض الأموال، مثل: عدم تقديم المعلومات، أو إخفاء مستندات تُظهر صاحب الحق الاقتصادي من الشركة، أو عدم تحديث المعلومات ضمن المهل المحدّدة، أو تقديم معلومات غير صحيحة. وهذا ما سيشكّل مزيداً من الضغط على المساهمين في الشركات، الذين يجرون عقوداً غير مسجّلة في السجل التجاري، لنقل ملكيّة أسهم شركاتهم، وهو ما يُخفي هويّة المستفيدين الفعليين من هذه الشركات.
رقابة إضافيّة على الأوقاف
ستعطي التعديلات الجهات القيّمة على الأوقاف، كلٌ ضمن اختصاصه، صلاحيّات وضع الإجراءات اللازمة لمنع استغلالها في تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وهذا التعديل يُذكّر بالسجال الذي نشأ بعد الحرب الأخيرة، عند مطالبة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بأموال تمّت مصادرتها في مطار بيروت، بشبهة ارتباطها بتمويل حزب الله، فيما زعم المجلس أنّ هذه الأموال هي تبرّعات عائدة له. وهذا ما أثار أسئلة حول كيفيّة مراقبة أنشطة الأوقاف، والتحقّق من هويّة أصحاب الحق الاقتصادي بالأموال التي تديرها.
تجارة الأحجار الثمينة والعقارات
ستُخضع التعديلات بعض الأنشطة، مثل تجارة الذهب والحلي والأحجار الكريمة، ومهن الوساطة والتجارة العقاريّة، للتسجيل لدى وزارتيّ الاقتصاد والماليّة، لتتمكن الوزارتان من ممارسة الرقابة على هذه الأنشطة، وفرض العقوبات على التجّار والوسطاء المخالفين.
وتجدر الإشارة إلى أنّ جميع هذه المهن تُعتبر من الأنشطة ذات المخاطر العالية، لجهة احتمال انطوائها على عمليّات تبييض أو تهريب أموال، وخصوصًا تجارة الأحجار الكريمة عبر الحدود. وتُذكّر هذه التعديلات بشبكات تهريب الذهب التي تم الكشف عنها بعد الحرب الأخيرة، والتي كان يتم استعمالها لتهريب النقود من وإلى لبنان.
المحامون وكتّاب العدل
في ما يخص المحامين وكتّاب العدل، ستنص التعديلات على معالجات لمسألة "السرّ المهني"، كي لا تحول هذه المسألة دون قيام نقابة المحامين بعملها في مراقبة المخالفات. وسيتم إعطاء وزارة العدل ونقابة المحامين ونقابة المحاسبين صلاحيّات إضافيّة، لفرض عقوبات "متناسبة ورادعة" على كتّاب العدل والمحامين والمحاسبين المجازين، عند مخالفتهم الموجبات المطلوبة. ومن المعلوم أنّ هذه بنود ترتبط بإمكان استعمال أصحاب هذه المهن لخبراتهم ومهامهم، لمعاونة الشركات في أنشطة تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب.
توسيع نطاق العقوبات
ستوسّع التعديلات نطاق القانون، لتشمل الأشخاص المتورّطين في التواطؤ والتآمر وإبداء النصيحة، في أعمال تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. كما سيتم تشديد العقوبات، وصولًا إلى الأشغال الشاقّة المؤقّتة، بحق المتورّطين بهذه الجرائم. أمّا الجرائم التي تتأتى عنها أموال غير مشروعة، والتي يشملها القانون، فسيتم توسيع نطاقها أيضاً، لتشمل الإتجار بالسلع المسروقة أو الإتجار غير المشروع بالسلع أو إحداث جروح بدنيّة جسيمة.
وهكذا، ستنص المادّة الثالثة من القانون بعد التعديل على: معاقبة كل من "أقدم أو حاول الإقدام أو حرّض أو سهّل أو تدخل أو اشترك أو تواطئ أو تآمر أو أبدى المشورة" في سبيل ارتكاب جرم تبييض الأموال، بالأشغال المؤقتة من ثلاث إلى سبع سنوات، وبغرامة لا تزيد عن مثلي المبلغ موضوع عمليّة تبييض الأموال. أمّا إذا طالت هذه الارتكابات مسألة تمويل الإرهاب، فتتم معاقبة المرتكب وفقاً لنصوص قانون العقوبات.
علي نور الدين - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|