عودة: ننجو من الغرق إذا سَـلَّـمْـنا أمْـرَنا لدولتنا
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة قداس الاحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.
وبعد الانجيل المقدس، ألقى عودة عظة قال فيها: "في المَـقْـطَعِ الإِنْجِيـلِيِّ الَّذي سَمِعْــناهُ الـيَـوْم، نَـقِـفُ أَمامَ مَـشْهَـدٍ عَـجِـيـبٍ تَـظْـهَـرُ فيهِ قُـوَّةُ المَسيحِ الإِلَهِـيَّةُ، كَما نَـنْظُـرُ عُـمْـقَ خِـبْـرَةِ الإِيمانِ، حَيْثُ يُمْـتَحَنُ قَـلْبُ الإِنْسانِ أَمامَ العاصِفَةِ، ويُـكْـشَفُ لَهُ وَجْهُ المُخَـلِّصِ في لَحْـظَـةِ الخَـوْفِ والإضْطِراب".
أضاف: "وُضِعَ التَّلاميذُ أَمامَ الطَّاعَةِ عِـنْدَما ألْـزَمَهُـم الرَّبُّ «أَنْ يَـدْخُـلُوا السَّفِـينَةَ وَيَسْـبِـقُـوهُ إِلَى العَــبْـرِ». هُوَ يَعْــرِفُ كُـلَّ شَيْءٍ ويَعْـلَمُ أَنَّ العاصِفَةَ آتِـيَةٌ، لَكِـنَّهُ أَمَـرَهُـمْ أَنْ يَـرْكَـبُوا السَّفِـينَةَ، لأَنَّ في العاصِفَةِ دَرْبًا إلى المَعْـرِفَةِ، وفي المَخاطِـرِ الَّتي تَـبْـدُو كَأَنَّها نِهايَةٌ تُعْـلَـنُ بِدايَةٌ جَدِيدَةٌ. تَـرَكَهُـمْ المَسيحُ وصَعِـدَ وَحْدَهُ إلى الجَـبَـلِ لِـيُـصَلّي، في حِـوارٍ خَـفِـيٍّ مَعَ الآب. الصُّورَةُ هُـنا مَلِـيـئَةٌ بِالدَّلالات: فَكَما أَنَّ الـتَّـلامِيذَ في السَّفِـينَةِ وَسَطَ البَحْرِ، والمَـوْجَ يَعْـصِفُ بِهِـم، والمَسيحَ يَـبْـدُو غائِبًا عَـنْهُـم، كَذَلِكَ تَـكُونُ خِـبْـرَةُ الكَنِيسَةِ أَحْيانًا، وحَياةُ كُـلِّ نَـفْسٍ مُؤْمِنَةٍ. نُصارِعُ في بَحْـرِ الحَياةِ ظانِّـينَ أَنَّ الرَّبَّ بَعـيدٌ، لَكِـنَّهُ في الحَقـيقَـةِ على الجَـبَـلِ يُصَلّي ويَـنْظُــرُ إِلَـيْـنا وعَـيْـنُهُ لا تَغـيبُ عَــنَّا. يَقـولُ القِـدِّيسُ يُوحَنَّا الذَّهَـبِيُّ الفَم: «إِنَّهُ يُصَلِّي مِنْ أَجْـلِـنا لَيْسَ لأَنَّهُ يَحْـتاجُ إلى الصَّلاةِ بَلْ لِـيُعَــلِّـمَـنا أَنْ نَـلْجَأَ إِلى اللهِ في الصَّلاةِ عِـنْـدَما نُجَـرَّبُ".
وتابع: "كانَ الـتَّلاميذُ مُعَــذَّبـيـنَ في الـبَحْـرِ وكانَتِ الرِّيحُ مُضَادَّةً. إنَّـها صُورَةٌ الكَـنِـيسَةِ في العـالَمِ، تَعْـبُـرُ بَحْـرَ الـزَّمَنِ، وتُـواجِهُ رِياحَ الإضْطِهاداتِ وأمـواجَ الشُّـكوكِ وغُـمُـوضَ المَصِير. المَسِيحُ لا يَـتْـرُكُها وَحْـدَها، بَلْ يَأتِـيها ماشِـيًا على المِياهِ في الهَـجْعَـةِ الـرَّابِعَـةِ، أَيْ في ساعَـةٍ مُـتَـأَخِّـرَةٍ مِنَ الـلَّـيْـلِ. تَـأَخُّـرُ الـرَّبِّ لا يَعْـنِي غِـيابَهُ، لأَنَّهُ يَعْـرِفُ الوَقْـتَ الأَنْـسَـبَ لِخَلاصِنا. قَـد نَـظُـنُّ أحْـيـانـاً أَنَّ الـرَّبَّ يُـبْـطِئُ في الـقُـدُومِ، لَكِنَّ القِـدِّيسَ إيريناوس يَـقـول: «اللهُ لا يَـتَـأَخَّـرُ، بَلْ يُهَـيِّـئُ الإِنْسانَ لِـيَـسْـتَـقْـبِـلَ نِعْـمَـتَهُ في الـوَقْـتِ المُـناسِب». المُهِمّ أنْ نَـثِـقَ بِالرَبِّ يسوع الذي قالَ لِـتَلاميذِهِ «ثِـقـوا، أنا هُـوَ، لا تخافوا».
دُهِـشَ الـتَّلاميذُ لِـرُؤْيَـتِهِـم يَسوعَ ماشِيًا عَـلى المِـياه، ووَقَـفـوا أَمامَ إِعْـلانِ سُـلْـطـانِـهِ الإِلَهِـيّ. الـبَحْـرُ في الـفِـكْـرِ العِــبْـرِيِّ رَمْـزٌ لِـلـفَـوْضَى والـشَّـرِّ والـقِـوَى الغامِـضَةِ المُعـادِيَـةِ لِلإِنْسان، والمَسِيحُ يَـمْـشِي عَـلَـيْـهِ كَما يَـسِيـرُ الإِنْسانُ على الأَرْض، مُعْــلِـنًـا أَنَّهُ رَبُّ الخَـلِـيقَـةِ، والسَّـيِّـدُ على جَـميعِ القِـوَى، حتّى غَـيْـرِ المَـنْـظُـورَة، وهُـوَ يَسودُ على كُـلِّ ما يُخـيـفُ الإِنسان، كما يَـقُـولُ القِـدِّيسُ كِيرلُّسُ الإِسْكَـنْـدَرِيُّ: «هُـوَ يَـمْـشِي على الـبَحْـرِ لأَنَّهُ خَـلَـقَـهُ، ولأَنَّ ما يُخِيـفُـنا هُـوَ تَحْـتَ سُـلْـطـانِ مَحَـبَّـتِـهِ».
خافَ التَّلاميذُ وظَـنُّوهُ خَيالًا. حينَ نَجْهَـلُ رَبَّـنا، ويَـتَـكَـلَّـمُ مَعَـنا في العـاصِفَـةِ، نَحْسَـبُ صَوْتَـهُ غَــرِيبًا، ونَـظُـنُّ حُـضُورَهُ وَهْـمًا. لا يَعْــرِفُ الإِنْسانُ المَسِيحَ حَـقًّـا إِلَّا إِذا عَــبَـرَ الـظُّــلْـمَـةَ وَاخْـتَـبَـرَ الخَـوْفَ وصَـرَخَ مِنَ الأَعْـماق. بُطْـرُسُ المَعْــرُوفُ بِانْـدِفاعِـهِ قالَ لِـلرَبّ: «إنْ كُـنْـتَ هُـوَ فَـمُـرْني أنْ آتي إليكَ على المِـياه». إِنَّهُ طَــلَـبُ إِيمانٍ وشَجاعَـةٍ، لـكِـنَّهُ أَيْضًا طَـلَـبٌ فِـيهِ شَيْءٌ مِنَ الـتَّـحَـدِّي. لَمْ يُـوَبِّـخْهُ الـرَّبُّ بَلْ دَعـاهُ لِـيَأتي، فَـدَخَلَ بُطْـرُسُ في اخْـتِـبارٍ فَـرِيد. مَـشى عـلى الماءِ ما دامَ نَظَـرُهُ مُـوَجَّهًا إلى المَسيحِ، لَكِـنَّهُ حِينَ الْـتَـفَـتَ إلى الرِّيحِ خافَ وبَدَأَ يَغْـرَق. نَحْنُ أَيْضًا، إِذا ثَـبَّـتْـنا أَعْــيُـنَـنا عَـلى الـرَّبِّ نَسِيرُ فَـوْقَ المَصاعِـب، وعِـندما نَـنْظُـرُ إلى الأَخْطارِ ونَـنْسَى حُضُورَهُ نَغْـرَقُ في الهَـمِّ واليَأْس. صَرْخَةُ بُطْـرُسَ: «يَا رَبُّ، نَجِّـنِي» هِيَ صَلاةٌ قَـصِيرَةٌ مِنَ الأَعْـماقِ، إِذْ أَيْـقَـنَ أَلَّا خَلاصَ لَهُ إِلَّا بِالـرَّبِّ. حالًا، مَـدَّ الـرَّبُّ يَـدَهُ وأَمْسَكَ بِهِ ووَبَّخَهُ بِلُطْـفٍ. لَمْ يُـدِنْ ضُعْــفَـهُ، بَلْ ذَكَّـرَهُ بِأَنَّ الشَّكَّ لا يَـنْـفَـعُ، وأَنَّ الإِيمانَ وَحْـدَهُ يُشـدِّدُ الإِنْسانَ في وَجْهِ العاصِفَة. وما إِنْ صَعِـدا إلى السَّفـيـنَةِ حتى سَكَـنَـتِ الـرِّيحُ لأنَّ الطَّـبـيعَـةَ تَهْـدَأُ في حُـضُورِ الرَّبِّ والعاصِفَةَ تُطِـيعُـهُ. السَّفـيـنَةُ هُـنا رَمْـزٌ لِـلكَـنيسَةِ الَّتي ما دامَتْ مُـمْـتَـلِـئَةً بِحُضورِ الـرَّبِّ لا تَـقْـوَى عَـلَـيْها الرِّياحُ مَهْـما اشْتَـدَّت.
لَمَّا رَأَى التَّلامِيذُ ذَلِـكَ سَجَـدُوا مُـعْــتَـرِفـيـنَ بِأُلوهَـةِ المَسيح. لَمْ يَكُـنْ ذَلِكَ تَعْـبـيـرًا عَـنِ الإِعْـجابِ، بَلْ كانَ إِعْلانَ إِيمانٍ حَـقِـيقِيّ. مَعْـرِفَةُ المَسيحِ لا تَأْتي مِنَ الكَلامِ، بَلْ مِنْ عُـبُورِ المِحَـنِ واخْـتِـبارِ الخَلاص. يَقولُ القِـدِّيسُ غريغوريوس النِّيصَصِيُّ: «لا يُعْـرَفُ اللهُ بِالكَلامِ، بَلْ بِالسُّلوكِ في الطَّـرِيقِ الَّذي يَـقُـودُ إلى الـنُّـورِ عَـبْـرَ ظُـلْـمَـةِ الـتَّجْرِبَة".
وختم عودة: "يُلَخِّـصُ إِنْجيلُ اليَوم خِـبْـرَةَ الحَياةِ المَسِيحِيَّةِ بِكامِلِها، حَيثْ طاعَةُ الكَـلِـمَةِ، والدُّخولُ إلى سَفـيـنَةِ الإِيمانِ، ومُواجَهَةُ العَـواصِفِ، وطَـلَـبُ الحُضُورِ الإِلَهِيِّ، والغَـرَقُ حينَ يَـتَـشَـتَّـتُ نَـظَــرُنا، ثُمَّ الـنَّجاةُ حينَ نَصْرُخُ مِنْ أَعْـماقِـنا، وُصولًا إلى ثَباتِ السَّفـيـنَةِ حينَ يَـدْخُـلُها الرَّبّ. لِـذا، دَعْـوَتُـنا الـيَـوْمَ أَنْ يَـرَى كُـلٌّ مِـنَّـا في نَـفْـسِهِ بُطْـرُسَ، وأَلَّا نَخْجَلَ مِنْ ضُعْــفِـنا، بَلْ أَنْ نَصْرُخَ: «يا رَبُّ، نَجِّـنا». دَعْـوَتُـنا أَنْ نَـثِـقَ بِأَنَّ المَسِيحَ لا يَـتْـرُكُـنا وَحْـدَنا في البَحْرِ، بَلْ يَأْتِي إِلَـيْـنا حَـتَّى وَلَوْ حَسِبْـناهُ مُـتَـأَخِّـرًا، وَلَوْ لَمْ نَعْـرِفْ صَوْتَهُ وظَـنَـنَّاهُ خَيالًا. إِنَّهُ يَـأْتِي ماشِـيًا فَوْقَ مِـياهِ مَصائِـبِـنا، مادًّا يَـدَهُ، فَـيَـدْخُـلُ سَـفِـيـنَـتَـنا ويُسَكِّـنُ الرِّيحَ ويَـمْـنَحُـنا السَّلامَ. هذا يَـنْـطَـبِـقُ على حَـياتِـنا في وَطَـنِـنا. نُـشَـتِّـتْ أذْهـانَـنـا بِـأُمـورٍ تُـغْـرِقُــنـا فـي أمـواجِ الـضَـيـاعِ، تَـسْـلَـمُ سَـفـيـنَـةُ فَمَهْـما اشْـتَـدَّتِ الصِعابُ وكَـثُـرَتْ العَـراقـيلُ، إنْ آمَـنّـا أنَّ هـذا الـبَـلَـدَ بَـلَـدُنـا وأطَـعْــنـا دُسْـتـورَهُ، وطَـبَّـقْـنـا قَـوانـيـنَـهُ، وَوَضَعْــنـا ثِـقَـتَـنـا في دولَـتِـنـا وسَـلَّـمْـناها أمْـرَنا، وَطَـلَـبْـنـا مِـنْـها الإمـساكَ بـالـوَضْـعِ بِـمَـسـؤولِـيَّـةٍ وحَـزْمٍ، ولَـمْ وَطَـنِـنـا ونَـنْـجـو جَـميعُـنـا مِـنَ الـغَــرَقِ. ألا ألْـهَـمَ الربُّ الإلَـهُ حُـكـامَ هذا الـبَـلَـدِ وشَـعْـبَـهُ لِـيَـضَعـوا ثِـقَـتَـهُم بِـهِ ويَـعْـمَـلوا بِـهَـدْيِ كَلمته فبخلصون آمين".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|