بعد الاجتماع الثلاثي.. عمّان تراهن على الحل السياسي في سوريا
تشهد الأزمة السورية مراحل جديدة من التحرك الدبلوماسي على أكثر من محور، مع انعقاد اجتماع ثلاثي في العاصمة الأردنية عمّان بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، والمبعوث الأميركي إلى سوريا توم باراك، بحضور ودعم العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، بهدف تعزيز وقف إطلاق النار في محافظة السويداء والسعي نحو حل سياسي شامل للأزمة السورية التي طالتها تعقيدات داخلية وإقليمية.
بالتزامن، شهدت العاصمة دمشق استئناف المفاوضات بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية الكردية، وسط توتر أمني متصاعد في مناطق متفرقة، وهو ما يعكس المشهد السوري المركب بين مسارات الحوار والتصعيد.
أعلنت وزارة الخارجية السورية في بيان رسمي أن اجتماع وزير الخارجية السوري الشيباني والمبعوث الأميركي توم باراك في عمان تركز على بحث سبل تعزيز التعاون والتنسيق بين الأطراف الثلاثة، بهدف خدمة استقرار سوريا، وحماية سيادتها وأمنها الإقليمي.
الاتفاق الأبرز كان تشكيل مجموعة عمل مشتركة سورية-أردنية-أميركية لدعم جهود الحكومة السورية في تعزيز وقف إطلاق النار في محافظة السويداء والعمل على إيجاد حل شامل للأزمة في سوريا.
أكد المبعوث الأميركي توم باراك خلال اللقاء أن سوريا ملتزمة بعملية سياسية موحدة تحترم وتحمي جميع مكونات الشعب السوري، مشددا على أن العدالة ومحاسبة مرتكبي الفظائع عنصران أساسيان لتحقيق سلام دائم في البلاد.
وأوضح أن دمشق تعهدت باستخدام كافة الموارد لمحاسبة المسؤولين عن الفظائع في السويداء، وضمان عدم إفلات أي طرف من العقاب، مع تعاون كامل مع الأمم المتحدة للتحقيق في الجرائم، لا سيما العنف الذي شهدته مستشفى السويداء الوطني.
في لقاءين منفصلين مع وزير الخارجية السوري والمبعوث الأميركي، أعرب العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عن استعداد المملكة لتقديم الخبرات في مختلف المجالات لدعم تطوير عمل المؤسسات السورية وتعزيز الكفاءات فيها، مع تأكيد ضرورة تكثيف التعاون في مكافحة الإرهاب ومنع تهريب الأسلحة والمخدرات، في موقف يعكس اهتمام الأردن بدور فاعل في استقرار جارتها.
الوساطة الأميركية لإقامة ممر إنساني بين إسرائيل والسويداء
وكشفت تقارير إعلامية نقلا عن مصادر أميركية وإسرائيلية أن إدارة الرئيس ترامب تسعى للوساطة بين إسرائيل وسوريا لفتح ممر إنساني يصل بين إسرائيل ومدينة السويداء جنوب سوريا، لتسهيل إيصال المساعدات للمجتمع الدرزي هناك. ومن المتوقع أن يجتمع المبعوث الأميركي في باريس مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي ووزير الخارجية السوري لبحث هذا الملف.
تطورات الملف الكردي: استئناف المفاوضات وسط توتر أمني
عقد ممثلون عن الإدارة الذاتية الكردية والحكومة السورية لقاء في دمشق مساء الإثنين بطلب من الحكومة السورية، بحضور مسؤولة بارزة من الإدارة الذاتية إلهام أحمد ووزير الخارجية السوري السعد الشيباني. تركزت المباحثات على إيجاد صيغة ملائمة للامركزية دون تحديد جدول زمني للتنفيذ، في إطار التزام الطرفين باستمرار العملية التفاوضية عبر لجان سورية مشتركة تحت إشراف دولي، مع اتفاق واضح على رفض الخيار العسكري.
الاشتباكات الأمنية في حلب: التناقض بين السياسة والميدان
في سياق متزامن، شهدت منطقة تل ماعز الشرقية في حلب اشتباكات أمنية بين قوات الجيش السوري ومجموعتين تابعتين لقوات سوريا الديمقراطية حاولتا التسلل إلى مواقع الجيش، مما أسفر عن مقتل جندي سوري وإحباط العملية. وأكد بيان وزارة الدفاع أن وحدات الجيش ردت ضمن قواعد الاشتباك وأجبرت القوات على الانسحاب.
يرى محلل الشؤون السورية في سكاي نيوز عربية علي جمالو، في مقابلة مع برنامج "التاسعة" على قناة سكاي نيوز عربية، أن اجتماع عمان يشكل محاولة لوضع آلية اتصال عميقة تشمل أطرافًا متعددة يمكن أن تساهم في تفكيك الأزمة السورية، خاصة مع التطور الجديد الذي مثله موافقة السلطات السورية على إشراك الأمم المتحدة في التحقيقات الخاصة بجرائم السويداء، وهو ما يفتح المجال لتحقيق عدالة شفافة.
التحديات المحلية: تحفّظ شخصيات السويداء وضغوط إقليمية
وأوضح جمالو أن الجانب الأردني حاول في الأيام الأخيرة الاتصال بشخصيات محلية في السويداء لكنهم أبدوا تحفظا أو رفضا، مشيرا إلى أن هذا لا يلغي وجود نية جدية في الإدارة السورية لتفكيك الأزمة التي أصبحت معقدة للغاية بعد سنوات من النزاع الدموي. كما حذر من تأثير ضغوط إقليمية قد تعرقل مساعي السلام، ونبّه إلى أن الحكومة السورية ملتزمة بمحاكمة مرتكبي الانتهاكات بغض النظر عن انتمائهم.
أكد البيان الصادر عقب اجتماع عمان على وحدة الأراضي السورية، وأن السويداء بكل مكوناتها هي جزء أصيل من الجمهورية العربية السورية، مما ينفي أي تصور يحاول الترويج لخيارات انفصالية أو لتغيير في وحدانية التراب السوري.
ملف العلاقة مع إسرائيل: ممر إنساني يحتاج بيئة سياسية مستقرة
ولفت جمالو إلى جهود أميركية لتسهيل فتح ممر إنساني بين إسرائيل والسويداء، لكنه أكد أن نجاح مثل هذه المبادرات مرتبط ببيئة سياسية مستقرة وقادرة على ضمان استدامة السلام.
يتميز المشهد السوري بتشابك كبير في الملفات الأمنية والسياسية، فبينما تتواصل المفاوضات بين دمشق والإدارة الذاتية الكردية، يرافقها تصعيد أمني متكرر، خاصة في شمال البلاد. أشار جمالو إلى أن الاتفاقات الأولية حول إدماج مؤسسات الإدارة الذاتية ضمن الدولة السورية اصطدمت بعقبات عدة، خصوصًا بعد بعض التحركات السياسية في الحسكة ومحاولات دمج مكونات أخرى كالدرزية والعلوية، وهو ما قوبل بتحفظ من الحكومة السورية.
في هذا السياق، أوقفت دمشق مشاركتها في بعض الاجتماعات الدولية، مثل اجتماع باريس، احتجاجًا على التطورات الأخيرة، لكنها عادت للتحرك لاحقًا في مسار التفاوض، مع زيارة إلهام أحمد إلى دمشق، في محاولة لتفكيك التصعيد.
يبرز اجتماع عمان كخطوة دبلوماسية مهمة تجسد محاولة جدية لخلق إطار تعاون بين دمشق وواشنطن وعمان، يدعم وقف إطلاق النار ويسعى لتهيئة الأجواء السياسية نحو حل شامل للأزمة السورية. ورغم التحديات المعقدة، يبقى الرهان على الالتزام الحقيقي بالمسار السياسي وبناء الثقة، مع تعزيز دور الأمم المتحدة في ضمان العدالة والمصالحة الوطنية.
تظل خطوات عمان فرصة للحوار لا لحل نهائي، وتحتاج إلى مراقبة دقيقة ومتابعة مستمرة، لكي تتحول المبادرات إلى واقع ملموس يعيد لسوريا أمنها واستقرارها.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|