محليات

مجلس الوزراء للبنانيين: "إنسوا كهربا الدولة"

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تتصرف الحكومة كمن يقول للناس، صراحةً أو مواربة: "لا كهرباء بعد اليوم". فبلد يعيش منذ سنوات على أوكسجين الاشتراكات، وتؤمّن له الدولة ساعاتٍ معدودة من التغذية،(3 ساعات في الامس وربما أقل غدًا)، يُفاجَأ بقرار "تأديبي" يضيّق الخناق على المصدر الوحيد الذي أبقاه خارج العتمة الشاملة. ليست المشكلة في المبدأ؛ المبدأ سليم. المشكلة في التوقيت والجدّية والأدوات: كيف لحكومة عاجزة عن تشغيل الشبكة العامة أن تُطلق حملة ضبط كبرى بلا بدائل، وتطالب بامتثال شامل خلال 45 يومًا، ثم تلوّح بالمصادرة والإحالة إلى القضاء؟ الرسالة المضمَرة بسيطة: إن تعثّرتم، فالعتمة جماعية.


على الورق تبدو الخطة أنيقة: التزام بتسعيرة وزارة الطاقة، عدّادات إلكترونية، فلاتر مطابقة، وتصاريح بيئية. لكن في الميدان هي قائمة أمنيات لا أكثر. من يراقب؟ أين جهاز التفتيش الذي يملك أدوات قياس وصلاحية الإقفال الفوري؟ أين الآلية التلقائية التي تجعل اليوم 46 سقوطًا للغطاء لا يوم مساومات جديدة؟ ولنكن واقعيين: منظومة المولّدات ليست دكانًا على ناصية شارع. إنّها اقتصاد ظلّ كامل بنى نفسه لملء فراغ الدولة، ونسج على أطرافه طبقات مصالح: مزوّدو فيول، شبكات تحصيل، عقود صيانة، وغطاء محلي متنوّع. قرار من هذا النوع، بلا بدائل كهربائية وبلا ذراع تنفيذية، يدفع الفاعلين الأقوى، أي أصحاب المولدات، إلى ردّ فعلٍ مضاد: تقنينٌ تعسفي، وقف اشتراكاتٍ، أو ابتكار رسومٍ موازية مثل "بدل اشتراك جديد"، و "صيانة إلزامية" تُفرغ التسعيرة الرسمية من معناها. عندها تتحوّل "حماية المستهلك" إلى شعار، و"الابتزاز" إلى واقع.. لا بل سنذهب أكثر، ونسأل: هل استطاع أي جهاز أمني أن يوقف سطوة أصحاب المولدات في بعض المناطق، خلال الازمة، حيث فرضوا ساعات تغذية على ذوقهم؟" ونتوسّع بسؤالنا أكثر:" هل سيتمكنون اليوم أيضا من إجبارهم على تزويد المواطنين بالكهرباء في اليوم الـ46 إذا قرروا التمرد على قرار الدولة؟!"
أخطر ما في المشهد أنّ الحكومة "تؤدلج" ملفًا تقنيًا. تُلقي على المواطن خطاب السيادة والتنظيم، وتنسى أنّ التيار لا يُدار بالخطب. من دون غرفة عمليات موحّدة، ومنظومة فحصٍ مختبرية مستقلة، وخريطة تفتيش يومية تُنشر مؤشّراتها علنًا، سنعود إلى المربّع القديم لا محالة: حملات موسمية، صور محاضر ضبط، ثم "تسوية" صامتة. هكذا يُستبدَل الفلتان بفلتانٍ آخر، وتبقى المدينة رهينة مزاج الميدان.

هناك أيضًا البعد البيئي الذي يُستَخدم اليوم كزينة بلاغية. الفلاتر والضجيج والانبعاثات ليست ملفًا "توعويًا"؛ هي صحةٌ عامة تقاس بجسيمات دقيقة وحدود ضوضاء. أي خطة لا تُرفَق بجدول قياسات منشور، وبزيارات مراقبة معلَنة النتائج، ستبقى تصحيحًا لفظيًا لا أكثر. فالمعادلة واضحة اليوم: قرار بلا تيار = ضغط بلا بديل. وبهذه الصيغة، يلوح خطر "انقلاب" أصحاب المولدات. فإن كانت الحكومة جادّة، فلتبدأ من بديهيات الدولة، وأهمّها رفع التغذية العامة ولو بهامش متواضع ومتواصل قبل رفع العصا، واجعلوا "اليوم +1" بعد انتهاء المهلة يوم تطبيقٍ تلقائي لا يوم مؤتمرات صحافية.

نعم، القرار في جوهره مطلوب: تسعيرة موحّدة، عدّادات إلكترونية، فلاتر مطابقة، وشروط بيئية وقانونية.. كلها خطوات تُعيد بعض العقل إلى سوق فوضوي. لكن القرارات الصائبة تموت بسوء التنفيذ. فمن أراد أن يكسر سطوة المولّدات، فليُشغّل أولًا نور الدولة كي لا تبقى الخطة حبرًا يلمع في بيان ويختفي في أول زقاق.
 
المصدر: خاص "لبنان 24"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا