ورشة الخارجية للتحديث أم كرمى لعيون "ليبان بوست"؟
رجّت وزارة الخارجية وارتعد السماسرة فيها، وطالت الموجات الارتدادية الموظفين، عندما ظهر الوزير يوسف رجّي في فيديو يوبّخ ويتوعد الموظفين، عند توليه الوزارة.
ظن المواطن أن زمن السماسرة ولى إلى غير رجعة وأن الأمور في الوزارة ستسير كما يتمنون: إجراء معاملاتهم بتسهيل إداري بلا معوقات تدفعهم للجوء إلى السماسرة، أسوة بما هو حاصل في كل إدارات الدولة. ولكن، بذريعة تسهيل أمور المواطن، فتحت الخارجية أبوابها لخدمة "ليبان بوست" للراغبين في عدم الحضور شخصياً إلى الوزارة، على رغم علامات الاستفهام حول الشركة المتعهدة وحرمان الدولة من إيرادات بملايين الدولارات، كما جاء في تقرير ديوان المحاسبة حول ليبان بوست قبل نحو ثلاث سنوات.
لم يمض وقت قصير على فتح خدمة المصادقات في الخارجية مع ليبان بوست، حتى بدأت الوزارة ورشة صيانة لقسم المصادقات وأوقفت إجراءات المصادقة أمام المواطن، وحصرتها بشركة "ليبان بوست". ودعت المواطنين إلى الصبر والتوجه إلى ليبان بوست خلال فترة إجراء ورشة الصيانة. ورغم عدم تأمين بديل للمواطن في الوزارة، دامت ورشة الصيانة لنحو شهر، جرى خلالها تركيب مكيفات وورشة دهان وتركيب مكاتب. ولم يفتح المكتب أبوابه منذ نحو ثلاثة أشهر!
لكن خلال هذه الورشة في الوزارة تبين أن باب سمسرةٍ مقوننة فتح من جديد أمام المواطن، الذي عوضاً عن دفع "بقشيش" على باب الوزارة، بات يدفعها لشركة خاصة محظية، كما ستنبين لاحقاً.
التصريح عن الرسوم
البداية مع رسوم ليبان بوست الملتبسة. فشكاوى المواطنين من إغلاق الوزارة أبوابها أمامهم وتسليم أمرهم لليبان بوست كثيرة. سيدة حصلت على مصادقة اخراج قيد ووثيقة ولادة، فضلت عدم الكشف عن اسمها، أبرزت الفواتير، فتبين أنها دفعت مبلغ أربعة ملايين ومئة ألف ليرة رسوم المصادقة، من ضمنها أجر ليبان بوست وتكاليف المعالجة وضريبة القيمة المضافة، كما يظهر في الفاتورة الرسمية التي ترسل إلى "وزارة المال/ استيفاء ضرائب ورسوم". ويتبين أن الوزارة تصادق على النسختين العربية والمترجمة، بكلفة مليوني ليرة للمعاملة الواحدة، أي ارتفعت الرسوم من نحو دولار ونصف قبل الأزمة إلى 21 دولاراً اليوم. لكن ليبان بوست تمنح المواطن فاتورة ثانية تتضمن "أجر ليبان بوست بـ 540ألف ليرة، وخدمة التوصيل ورسائل نصية وضريبة على القيمة المضافة، بما مجموعه 700 ألف ليرة.
ويتبين من مراجعة الفواتير أن لبيان بوست تصرّح في الفاتورة الرسمية التي ترسل إلى وزارة المالية أنها تتلقى "أجر ليبان بوست" بقيمة 3603 ليرات وكلفة معالجة بقيمة 3603 ليرات أيضاً، وذلك وفق العقد الموقع مع الدولة. فيما يفترض أن تصرّح عن المبالغ التي تتلقاها من المواطن كلها في الفاتورة التي ترسل إلى المالية، منعاً للتهرب الضريبي. فتاريخ ليبان بوست مع الدولة حافل في إخفاء الإيرادات وفي حرمان الخزينة من ملايين الدولارات، كما جاء في تقرير ديوان المحاسبة الآنف الذكر. وكان أن أوصى "الديوان" بتلزيم البريد بدفتر شروط يراعي كل الملاحظات التي سجلها وشمول الإيرادات الخدمات البريدية وغير البريدية كافة ضمن حصة الدولة. لكن منذ العام 2023 (كان يفترض أن يجري التلزيم) ما زال يمدد للشركة عينها.
الوضع عينه تكرر مع مواطن أخر، أجرى معاملة مصادقة على إفادة علامات مدرسية. فقد ذهب إلى وزارة الخارجية حيث أُبلغ أن عليه التوجه إلى ليبان بوست. وحاول على مدى أسبوع تسليم المعاملة إلى ليبان بوست للمصادقة، لكن خط الانتظار كان أسوأ بكثير من الازدحام أمام مبنى الوزارة، كما يؤكد. وهذا ما دفعه إلى تأجيل تنفيذ المعاملة أكثر من مرة. ثم عاد وسلم أمره وانتظر لأكثر من ثلاث ساعات لتسليم المعاملة، ودفع 20دولاراً. ومرة جديدة تظهر الفواتير أن ليبان بوست تصرّح في الفاتورة التي ترسل إلى المالية عن بدل "أجر" بـ3603 ليرات، فيما في الفاتورة الثانية التي تعنون "مصادقة وترجمة" 700 ألف ليرة.
محاباة ليبان بوست
وزارة الخارجية غير مسؤولة عن المبالغ التي تحصلها شركة ليبان بوست من المواطن لقاء المصادقة، كما يؤكد المكتب الإعلامي في الوزارة. فهذه من مسؤولية الشركة التي وقعت عقود مع الدولة حول التسعيرة التي تتقاضاها. نحاول التواصل مع مدير الواردات في وزارة المالية لؤي الحاج شحادة، لمعرفة طبيعة العقد الموقع مع ليبان بوست، وإذا كان هناك من رقابة للدولة، لكن لا نلقى أي جواب.
وبمعزل عن قضية الرسوم وكيفية تسجيلها، التي يفترض أن تتحمل مسؤوليتها وزارة المالية، عدم تأمين وزارة الخارجية غرفة بديلة للمصادقات، وتأخير إعادة افتتاح الطابق الأرضي، يطرح علامات استفهام. إذ يتردد في أروقة الوزارة أن بعض المحيطين بالوزير يوسف رجي يقفون خلف الأمر كنوع من محاباة لشركة ليبان بوست بغية تكديس أرباح طائلة.
أرباح طائلة تكدّس يومياً
مصدر مطلع على ملف المصادقات أكد لـ"المدن" أن بريد المصادقات في الوزارة يتلقى يومياً ما بين 2000و2200 معاملة من ليبان بوست للمصادقة. أي، بحسبة بسيطة، تُراكم ليبان بوست أرباحاً يومية بأكثر من أربعين ألف دولار، جراء إقفال قسم المصادقات أمام المواطنين.
ويشرح المصدر أن قرار إقفال قسم المصادقات أمام المواطنين كان مستغرباً، وأن ذريعة الصيانة عذر أقبح من ذنب. فقد كان على الوزارة استخدام غرفة الطابق الأول حيث تجرى عمليات المصادقة حالياً، ومواصلة استقبال المواطنين، إلا إذا كان قسم المصادقة يعمل لـ"ليبان بوست" حصراً، كما يقول المصدر، ويضيف: إن تأخير افتتاح المكتب الذي خضع للصيانة يطرح علامات استفهام عدّة. والجواب هو في كمية الأرباح التي كدّستها ليبان بوست خلال ثلاثة أشهر: شهر منها لورشة الصيانة، ونحو شهرين من التأخير لإعادة افتتاح المكتب.
الوزارة توضح
مصادر وزارة الخارجية نفت لـ"المدن" وجود أي محاباة لشركة ليبان بوست من خلال تأخير إعادة فتح المكتب وأن كل ما يقال مجرد شائعات مغرضة. وأكدت أن القسم كان بحال يرث لها وشبه مهترئ، وأن "معاليه هو أول وزير يتنبه إلى هذه القضية وقد فتح ورشة صيانة، خصوصاً بعدما رأى زحمة المواطنين التي كانت تصل إلى خارج الوزارة.
ولفتت المصادر إلى أن مدة الأشغال وتركيب المستلزمات طالت نوعاً ما، لكن النتيجة ستكون جيدة للمواطن. فغير صحيح أن الأعمال انتهت، بل ما زال هناك برامج الكترونية يقوم فريق العمل بتحميلها على الكمبيوترات لتحسين عمل المصادقات وتغيير نوعيتها. وهي ستترافق مع تغيير آلية دخول المواطنين والانتظار. وشددت المصادر على أن القسم بات شبه جاهز لاستقبال المواطنين، الذين سيشعرون بالفارق بعد الافتتاح.
وليد حسين -المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|