المصارف اللبنانيّة في سوريا: هكذا ستحدّد خطواتها المقبلة
منذ يوم الثلاثاء الماضي، تم إلغاء جميع القيود المفروضة على نقل الأموال بين المحافظات السوريّة، بقرار رسمي من المصرف المركزي. وبهذا الشكل، حرّر المصرف الأفراد والشركات من موجبات الالتزام بحدٍّ أقصى للأموال التي يتم نقلها، أو الحصول على موافقة مسبقة لنقل هذه الأموال. وبطبيعة الحال، كان هذا الإجراء خطوة جديدة باتجاه تسهيل وتحرير المعاملات التجاريّة والمصرفيّة، وتنشيط حركة السيولة والتعاملات الماليّة داخليًا. أمّا على مستوى العلاقة مع الخارج، فسوريا تترقّب اليوم ثمار العودة إلى نظام سويفت العالمي، ورفع القيود الغربيّة التي جرى فرضها على مؤسّساتها الماليّة.
على مستوى القطاع المصرفي، ثمّة بيئة استثماريّة جذّابة في سوريا، بفعل محدوديّة عدد وحجم المصارف العاملة هناك، مقارنة بالآفاق التي تحملها المرحلة الجديدة. ورغم الاهتمام العربي والأجنبي بهذه الفرص، أكّد المصرف المركزي -في بيانه الثلاثاء الماضي- عدم منح أي ترخيص جديد لمصارف خاصّة حتّى اللحظة. وهذا ما يحصر القطاع السوري اليوم بـ 15 رخصة ممنوحة لمصارف تجاريّة تقليديّة، منها 9 مصارف خاصّة فقط. وبين هذه المصارف الخاصّة، خمسة مصارف تجاريّة تحمل مساهمات لبنانيّة وازنة، ما يجعلها مصارف شقيقة لكيانات مصرفيّة لبنانيّة، ولو جرى فصل الميزانيّات بين البلدين خشية العقوبات السابقة التي فُرضت على سوريا.
وهذه التطوّرات باتت تطرح مجددًا السؤال عن واقع الكيانات المصرفيّة التابعة لمصارف لبنانيّة في سوريا، وعن الفرص التي ستحملها المرحلة المقبلة.
واقع الميزانيّات الحالي
المصارف السوريّة الخمسة، التي تُعتبر مصارف تابعة أو شقيقة لمصارف لبنانيّة، هي بنك سوريا والمهجر، وبنك بيمو السعودي الفرنسي، وبنك الشرق، وبنك سوريا والخليج، وفرنسبنك سوريا. مع الإشارة إلى بنك بيبلوس وبنك عودة باعا الكيانات السوريّة التابعة لهما خلال السنوات الماضية، وإنّ قيل في بعض الأوساط إنّ جزءًا من المساهمين في المصرفين احتفظا بمساهمات في القطاع المصرفي السوري بشكلٍ غير مباشر أو مستتر.
في أي حال، تشير الأرقام إلى أنّ صافي أرباح الكيانات السوريّة الخمسة، الشقيقة لمصارف لبنانيّة، شهدت خلال العام الماضي انخفاضًا في صافي الربح المجمّع لها، ليصل إلى 465.81 مليار ليرة سورية (34.08 مليون دولار) خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، نزولًا من نحو 1,581.09 مليار ليرة سورية (141.17 مليون دولار) في الفترة نفسها من عام 2023. وبين المصارف الخمسة، سجّل بنك بيمو السعودي الفرنسي أعلى ربح (بمقدار 13.43 مليون دولار)، يليه بنك سورية والمهجر (6.74 مليون دولار)، ثم بنك سورية والخليج (6.48 مليون دولار)، وفرنسبنك سورية (4.07 مليون دولار)، وأخيرًا بنك الشرق (3.36 مليون دولار).
على مستوى الميزانيّة العامّة، ارتفع حجم موجودات الكيانات الخمسة بنسبة 23.8% بحلول نهاية شهر أيلول الماضي، ليصل إلى 16.3 مليار ليرة سورية (1.2 مليار دولار أميركي). وقد بلغت حصة بنك بيمو السعودي الفرنسي من إجمالي أصول المصارف الخمسة المذكورة 50.01%، في حين وصلت حصة بنك سورية والخليج إلى 16.39%، وحصة بنك سورية والمهجر إلى 16.08%، بينما بلغت حصة فرنسبنك سورية 10.44%، وحصة بنك الشرق 7.07%.
أما محفظة القروض الصافية المجمعة لهذه الكيانات الخمسة، فقد ارتفعت بنسبة 52.71% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، لتصل إلى 1,987.93 مليار ليرة سورية (نحو 145.44 مليون دولار)، فيما ارتفعت ودائع العملاء المجمعة لديها بنسبة 22.71% لتبلغ 9,479.64 مليار ليرة سورية (أي قرابة 693.56 مليون دولار).
في النتيجة، بلغت القيمة الإجماليّة لحقوق المالكين في هذه المصارف الخمسة 320.33 مليون دولار، بحلول شهر أيلول الماضي، ما شكّل زيادة نسبتها 20.2% مقارنة ببداية العام 2024.
خيارات المصارف اللبنانيّة
تدرك المصارف اللبنانيّة أنّ ثمة عوامل تفضيليّة ستمتلكها، مقارنةً بأي منافسة أجنبيّة أخرى، في حال قرّرت التوسّع في السوق السورية. وهذه العوامل لا تقتصر على امتلاكها فروعًا ورخصًا ورساميل قائمة أساسًا في السوق السورية، بل تشمل كذلك امتلاكها رأسمال بشري سوري ولبناني كفوء ومدرّب وخبير بتفاصيل السوق السوريّة، فضلًا عن امتلاك المصارف اللبنانيّة علاقات قديمة مع التجّار والأوساط الاستثماريّة في سوريا. وقرب المسافة الجغرافيّة بين البلدين، فضلًا عن تقارب اللهجات والثقافات، يسهّل انتقال الخبرات اللبنانيّة للعمل (أو التدريب) في السوق السوريّة، كما جرى في مراحل سابقة في فترة توسّع المصارف اللبنانيّة في سوريا.
غير أنّ مصادر مصرفيّة لبنانيّة تؤكّد أنّ خياراتها في سوريا ما زالت محكومة بعدد من العوامل والمتغيّرات التي ستحدّد قراراتها المستقبليّة، ومنها:
1- استقرار النموذج الاستثماري الذي ستعتمده السلطات الجديدة في سوريا، وخصوصًا لجهة إمكان إدخال تعديلات جديدة على الإطار القانوني المعتمد لتنظيم القطاع. مع الإشارة إلى أنّ هذه التعديلات ستؤثّر حكمًا على مستلزمات الرساميل وشروط الملاءة والسيولة والأحكام التي تنظّم استخدام التراخيص الممنوحة.
2- استكمال ربط القطاع المالي السوري بالنظام المالي العالمي، وبشكلٍ أكثر استقرارًا، وهذا ما يفترض أن يتكامل بمتابعة انفتاح الدول الغربيّة على النظام الجديد في دمشق. مع الإشارة إلى أنّ هذا العامل يرتبط حكمًا بإمكان عودة العلاقات المباشرة بين المصارف اللبنانيّة والسوريّة، بما يشمل عمليّات فتح الاعتمادات والتسهيلات أو حتّى ربط الميزانيّات كما كان الحال سابقًا.
3- المقاربة التي ستعتمدها السلطات السوريّة الجديدة بالنسبة للعلاقة مع القطاع الخاص في القطاع المصرفي، وتحديدًا لجهة إمكان إعطاء امتيازات معيّنة لمصارف جديدة وافدة على حساب المصارف القائمة أساسًا.
4- سرعة الشروع بعمليّة تنظيف الميزانيّات في لبنان، في ضوء قانون الانتظام المالي المُزمع إقراره خلال الأشهر المقبلة. إذ أنّ هذا الإجراء ضروري لاستعادة الثقة بالمصارف اللبنانيّة، ولتمكين هذه المصارف من استخدام رساميل إضافيّة في التوسّع داخل سوريا. ولكن في جميع الحالات، تشير المصادر إلى أنّ الميزانيّات في لبنان ما زالت مفصولة، في حقوقها والتزاماتها، عن الكيانات التابعة في سوريّة، وهو ما يحيّد الأزمة اللبنانيّة عن نشاط هذه الكيانات في سوريا.
بناءً على هذه المتغيّرات الأربعة، ستحدّد المصارف اللبنانيّة قراراتها المستقبليّة بالنسبة إلى السوق السورية، مع الأخذ في الاعتبار أنّها ما زالت تتعاطى مع هذه السوق كمجال استثماري بالغ الأهميّة، ما يفرض إبقاء العين على الفرص المتاحة هناك. وفي الوقت نفسه، من المؤكد أنّ العلاقات السياسيّة بين البلدين ستُحدد، إلى قدرٍ كبير، حجم الفرص التي ستُتاح للبنانيين في مختلف القطاعات في سوريا، وخصوصًا حين يتعلق الأمر بقطاع يرتبط بشروط ورخص تحكم عمل المؤسّسات، كما في حالة القطاع المصرفي.
علي نور الدين - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|