بالفيديو : أهالي السويداء يتظاهرون تحت عنوان " حق تقرير المصير"
مختبرات منزلية تخلط النيكوتين بالرصاص والزبائن قاصرون
ليلًا، بينما تغلق محالّ التبغ التقليدية أبوابها على ضجيج العجز عن دفع فواتير الاستيراد، تمتدّ على أرصفة ضيّقة في عدد من المناطق، بسـطات صغيرة مضاءة بمصابيح LED زرقاء باهتة. يتدافع مراهقون وشبّان في العشرينيات لملء خزّانات السجائر الإلكترونية بقوارير بلاستيكية بلا ملصق. لا تاريخ إنتاج، لا نسبة نيكوتين، لا تحذير صحي. السعر خمسة دولارات فقط لزجاجة بحجم 30 ملِّمترا، أي ثلث ثمن المنتج الأصلي المستورَد. يضع صاحب البسطة قفازات رخيصة، يفتح غطاء الفيب (Vape)، ويصبّ خليطًا برائحة موزٍ حلوٍ صناعيٍّ تنبعث منه بطريقة لاذعة. يسأله فتى في السادسة عشرة: "فيك تزيد النيكوتين؟"يضيف البائع قطرتين من قارورة بنية كُتب عليها بالإنكليزية “Nic Base 99%” بخط باهت، ثم يعيد الإحكام، ويبتسم: "صار أقوى من الأصلي، جرب واسأل".
منذ أن شدّد مصرف لبنان القيود على الاعتمادات، ارتفع ثمن سوائل الفيب المستورَدة إلى ما يناهز 15 دولارًا لزجاجة الـ 30 مل. وقد منع قرارٌ سابق إدخال نكهات معيّنة تحتوي نسبًا مرتفعة من النيكوتين. في الفراغ الرقابي الذي تلا القرار، ظهرت ورشٌ منزليّة في الضواحي تخلط بروبيلين غليكول (PG) وغليسيرين نباتي (VG) منخفضَي الجودة، مع منكهات طعام رخيصة ونيكوتين صناعي مستورد عبر طرود بريدية. بعدها، تنتقل العبوات جُملةً إلى موزّعين على تطبيق "تيليغرام" وإنستغرام، وصولًا إلى بسطات الأحياء، ثم إلى أفواه المراهقين.
لا تملك وزارة الصحة جهازًا لمعايرة السوائل، ولا تُصنّفها رسميًّا كمستحضر تبغٍ أو دواء، فيما تكتفي الجمارك بفحص ظاهر العبوّة. النتيجة: اقتصاد ظلّ يوفّر رزقًا سريعًا لعشرات الشبّان العاطلين عن العمل، ويوفّر "نشوة دخان حلو" رخيصة لرفاقهم… لكنه يزرع في صدورهم مركّبات لا أحد يعرف تفصيل تركيبتها.
في قسم الطوارئ في أحد المستشفيات، يصف الدكتور س.و. مشهدًا يتكرر منذ بدايات الصيف: "يدخل شاب في السابعة عشرة مصابًا بضيق تنفّس حاد وسعال مع بلغم داكن. الأشعّة تُظهر التهاباً كيميائياً في القصبات. حين نسأل عن نوع السائل الذي استخدمه، يخرج زجاجة بلا اسم". أظهرت تحاليل مبدئية أجرتها جهات خاصة لعينة من هذه السوائل وجود نسب من المعادن الثقيلة (رصاص، كروم) تتجاوز الإرشادات الأوروبية بخمسة أضعاف، إضافة إلى مواد زيتية لا يُفترض استنشاقها، بل ابتلاعها طعامًا بكميات ضئيلة. بعيداً من المختبر، كانت قد بدأت مدارس بحملات تفتيش على حقائب الطلاب بعد زيادة حالات الدوار والسعال داخل الصفوف. "الفيب أسهل من السيجارة… لا رائحة احتراق، ولا أثر على الأصابع"، تقول مديرة إحدى المدارس لـ"لبنان24"، "لكن العارض الصحي يظهر في نهاية الدوام: دوار واحمرار عينين وسعال جاف لا ينتهي".
حسب مصدر أمني أوضح أن العملية تتم عبر قارورات PG/VG صينية بملصق مزيّف لعلامة أوروبية، منكهات غذائية مُركَّزة تُستخدم عادةً في صناعة الآيس كريم، وقُفازات مطبخ رخيصة. يحرّك “المُركِّب" مع السوائل في حوضٍ بلاستيكي، تُضاف المنكهات عبر "سيرنجة" طبية صغيرة، ثم يحفظها في عبوات 30 مل مطليّة بلون أسود غير شفاف، ومن بعدها تُوزَّع. وكل حلقة من السلسلة لا تعرف سوى الوسيط التالي.
ما يعشقه مستخدمو هذه الانواع هو الطعم القريب للطعم الأصلي، لكن بمواصفات صحية قاتلة.. إنّه مزيجٌ من الضغط الاقتصادي وحاجة نفسية لتنفيس التوتر، في ظل بيئة اجتماعية تستسهل التبغ وتفتقر إلى رقابة الصحة العامة. وهذا ما دفع بالبعض إلى المُطالبة بإخضاع هذه المنتجات لملصق مكوّناتٍ إلزامي وترخيص استيراد ومختبر رقابي. غير أنّ كل الحلول تبقى مقطوعة النفس إذا لم تُعالج جذور المشكلة: انهيار القدرة الشرائية وموت الثقة بالمنتج الرسمي. إلى أن تُرمَّم هذه الثقة، سيظل شابٌ على رصيفٍ جانبي يناول زجاجة بلاستيكية إلى آخر، ويقبض خمس "أوراق خضراء"، فيما ينطلق بخارٌ حلوٌ محمّلٌ بمعادن ثقيلة نحو رئتَين لا تعرفان أن الحريق المقبل بلا لهب… لكنه يحرق أطول.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|