عربي ودولي

أبرزها ملف "قسد".. حسابات شائكة في التعاون العسكري بين سوريا وتركيا

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يمثل الاجتماع المشترك، الذي عُقد أخيرا في أنقرة وضم وزيري الخارجية والدفاع في كل من سوريا وتركيا، وتلاه توقيع مذكرة تفاهم عسكرية، إحدى المحطات التي أعادت إلى الواجهة ملفات متشابكة، أبرزها مصير المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ودمشق، والرسائل الموجهة إلى إسرائيل. 

يثير هذا المسار تساؤلات حول ما إذا كان التعاطي مع هذه القضايا سيمهّد لترتيبات أوسع تتجاوز التنسيق المرحلي، أم سيبقى محصوراً في إطار الضرورات الميدانية والحسابات الإقليمية.

غموض وتأويلات
المذكرة التي وُقّعت في ختام اجتماع أنقرة حُددت كاتفاق للتعاون العسكري بين وزارتي الدفاع في البلدين، وتشمل تزويد الجيش السوري الجديد بأسلحة ومعدات، وتقديم دعم لوجستي، إلى جانب برامج تدريب واستشارات فنية. 

ورغم أن الإعلان عن المذكرة اقتصر على عناوين عامة تتعلق بالتسليح والدعم اللوجستي والتدريب، فإن توقيعها في هذا التوقيت أضاف طبقة جديدة من التعقيد إلى مشهد إقليمي متشابك.

المذكرة لا تنفصل عن شبكة أوسع من الملفات التي تراوح بين الأمن والسياسة، لكنها في الوقت ذاته تفتقر إلى تفاصيل عملية تتيح تقدير مدى قابليتها للتحول إلى خطوات ميدانية. 

هذا الغموض، المقصود أو المفروض، يجعلها مفتوحة على تفسيرات متباينة، من كونها أداة لتثبيت مسار سياسي قائم إلى كونها ورقة ضغط مرتبطة بحسابات إقليمية ودولية لا تزال قيد الاختبار.

مصادر دبلوماسية غربية تحدثت لـ "إرم نيوز" مؤكدة أنّ التقديرات التي تتداولها بعض الأوساط الإعلامية حول احتمال تحرك عسكري تركي بالتنسيق مع السلطة الانتقالية في مناطق شمال شرقي سوريا، لا تجد ما يدعمها على أرض الواقع.

وبحسب المصادر، فإنّ أي سيناريو لعمل عسكري، مهما كان محدود الحجم أو النطاق، لا يحظى بقبول إقليمي أو دولي؛ لما يحمله من مخاطر مباشرة على مسار الانتقال السياسي برمته، ولما قد يثيره من توتر مع القوى الفاعلة في الشأن السوري، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.

وتضيف المصادر أنّ قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تمتلك بنية عسكرية وتنظيمية متمرّسة، وأنّ أي محاولة لفتح جبهة معها ستؤدي إلى ردود فعل واسعة، ليس فقط من جانب واشنطن، بل أيضاً من قوى إقليمية ودولية ترى في الاستقرار النسبي في تلك المناطق شرطاً أساسياً لإنجاح أي تسوية سياسية. 

لذلك، تؤكد المصادر أنّ الحديث عن تحرك عسكري في الشمال الشرقي يبقى في خانة التكهنات السياسية، ولا ينسجم مع الواقع ولا مع حسابات المرحلة الحالية أو مصالح الأطراف الرئيسة المعنية بالملف السوري.

مقاربات تفاوضية
وفي سياق مواز أكدت المصادر أن ملف المفاوضات بين دمشق و"قسد" كان حاضراً على الطاولة بشكل مباشر، كجزء من مشهد أوسع يرتبط بترتيبات الشمال الشرقي ومسار الانتقال السياسي. 

ووفق المصادر، فإن الجانب التركي عبّر بوضوح عن رغبته في أن تشهد بنود اتفاق العاشر من مارس آذار تقدماً سريعاً، محذراً من أن استمرار التأجيل أو المراوحة في التنفيذ قد يفتح الباب أمام مزيد من التعقيدات الأمنية والسياسية على حدوده الجنوبية.

وتضيف أن أنقرة دفعت باتجاه أن تتحرك دمشق بشكل أكثر فاعلية للضغط على "قسد" لتسريع ما تم التفاهم عليه، خاصة في ما يتعلق بالترتيبات الأمنية والإدارية التي يفترض أن تدمج القوى المحلية ضمن هيكلية الدولة. 

في المقابل، أشارت المصادر إلى أن "قسد" لا تزال تتعامل مع الاتفاق بحذر، متمسكة بآليات تنفيذ تضمن عدم فقدانها السيطرة الكاملة على مناطقها أو تحولها إلى طرف ضعيف داخل المنظومة الأمنية الجديدة.

هذه المقاربة تجعل وتيرة التنفيذ مرتبطة بحسابات دقيقة تتعلق بالتوازنات الداخلية والإقليمية، أكثر من ارتباطها بجداول زمنية تفرضها أي من العواصم المعنية.

عنصر حاسم
ويمثل الملف الكردي إحدى أكثر القضايا حساسية في المشهد السوري؛ لما يشكله من عنصر حاسم في أي ترتيبات سياسية أو أمنية مقبلة، وفق حديث الباحث السياسي بسام النجار لـ"إرم نيوز".

وذكر النجار أن "أنقرة، التي تضع قسد في صدارة مصادر القلق على حدودها، تدرك أن التعامل مع هذا الملف لم يعد ممكناً عبر المقاربات العسكرية وحدها. وفي المقابل، تتعامل دمشق الانتقالية مع وجود الإدارة الذاتية بوصفه معطى لا يمكن تجاوزه، لكنه يتطلب مقاربة تفاوضية تتيح إعادة دمج المناطق الواقعة خارج سيطرتها ضمن إطار وطني أوسع".

واعتبر النجار أن مستقبل ملف مفاوضات "قسد" مع دمشق سيظل مرهوناً بقدرة الأطراف على إيجاد صيغة توازن بين متطلبات الأمن التركي وضرورات الحفاظ على استقرار مناطق الإدارة الذاتية. فالتحدي لا يقتصر على صياغة تفاهمات سياسية، بل يمتد إلى بناء آليات ميدانية تمنع الانزلاق نحو التصعيد، وتضمن في الوقت ذاته بقاء قنوات الاتصال مفتوحة بين جميع الأطراف. 

وأشار إلى أنه مع تعدد الفاعلين الإقليميين والدوليين المؤثرين في الشمال الشرقي، تصبح أي خطوة غير محسوبة قادرة على قلب المعادلات، ما يجعل من إدارة الملف الكردي عملية دقيقة تتطلب توافقاً أوسع من مجرد تفاهم ثنائي بين دمشق وأنقرة.

الملف الإسرائيلي
إلى جانب الملفات المرتبطة بالشمال الشرقي، احتل الموقف من التحركات الإسرائيلية في الجنوب السوري مساحة واضحة في محادثات أنقرة، بوصفه عنصراً مؤثراً في أي ترتيبات أمنية أو سياسية مقبلة. 

استقرار الجبهة الجنوبية، وفق ما تؤكده مصادر دبلوماسية لـ"إرم نيوز"، يُنظر إليه كشرط أساسي لنجاح مسار الانتقال السياسي وتثبيت أي تفاهمات ميدانية بين الطرفين. ومن هذا المنطلق، جرى تناول الملف الإسرائيلي ليس كقضية منفصلة، بل كجزء من معادلة أوسع لضبط التوازنات الإقليمية المحيطة بسوريا.

وتشير المصادر إلى أن الرسائل التي حملتها تصريحات الطرفين بشأن إسرائيل كانت محاولة مدروسة لوضع حدود سياسية لما يمكن أن يُقبل من تحركات في الجنوب السوري. دمشق سعت من خلالها إلى إظهار قدرتها على تحريك قنوات إقليمية متعددة، فيما أرادت أنقرة الإشارة إلى حضورها كفاعل مؤثر في معادلات الأمن الإقليمي. 

هذه الرسائل، وفق المصادر، لا تعني الانتقال إلى تنسيق ميداني مباشر، لكنها تحمل إيحاءً بأن أي تصعيد إسرائيلي واسع النطاق قد يُواجَه بمواقف سياسية منسقة، أو بتنسيق غير معلن في المستويات الاستخباراتية والدبلوماسية، بهدف الحفاظ على استقرار المسار السياسي ومنع أي خلط للأوراق في هذه المرحلة.

وبهذا المعنى، تبدو الرسائل الموجهة إلى إسرائيل جزءاً من شبكة أوسع من الإشارات السياسية التي سعت محادثات أنقرة إلى إرسالها، سواء إلى الأطراف الإقليمية أو الدولية. 

المحادثات لم تنحصر في الملفات الثنائية أو قضايا الشمال الشرقي، بل حاولت رسم صورة عن قدرة الطرفين على تبادل الأدوار في ملفات تتجاوز نطاق العلاقة المباشرة بينهما. 

وهذا الاستخدام المتوازي للأوراق السياسية يعكس إدراكاً متبادلاً أن أي مسار للتقارب لن يكتمل دون إدماج عناصر الردع الإقليمي في معادلة التوازنات الجديدة، حتى وإن ظل ذلك محصوراً في إطار سياسي ودبلوماسي لا يتجاوز حدود ضبط الإيقاع الميداني.

معادلة الجنوب
وبحسب حديث الكاتب والمحلل السياسي، مهند الحاج لـ"إرم نيوز" فإن إدراج ملف الجنوب السوري ضمن محادثات أنقرة يعكس إدراكاً متزايداً لدى الطرفين بأن استقرار هذه الجبهة شرط لا يقل أهمية عن أي تفاهمات في الشمال الشرقي.

وأوضح أن المعادلة الأمنية في الجنوب ترتبط مباشرة بحسابات إقليمية ودولية، وفي مقدمتها موقف إسرائيل؛ ما يجعلها ورقة تأثير متبادلة يمكن أن تُستخدم لتعزيز الموقف التفاوضي في ملفات أخرى.

ويضيف الحاج أن الرسائل التي خرجت من أنقرة في هذا الصدد تحمل بعدين أساسيين؛ الأول توجيه إشارة ردع سياسية إلى إسرائيل من خلال إظهار تقارب في الموقف إزاء أي تصعيد واسع النطاق، والثاني توظيف هذا الموقف في تعزيز صورة الطرفين كفاعلين قادرين على التأثير في بيئة الأمن الإقليمي، حتى وإن ظل ذلك في إطار غير معلن. 

ويؤكد أن هذه المقاربة تمنح الطرفين هامش مناورة إضافياً مع القوى الدولية، دون الحاجة إلى خوض تصعيد دبلوماسي وإعلامي مفتوح قد يضر بمسار الانتقال السياسي أو يعيد خلط الأوراق على الساحة السورية، وفق تعبيره.

ويشير المحلل السياسي إلى أن أي قراءة واقعية للوضع في الجنوب السوري تكشف أن التحركات الإسرائيلية هناك ليست معزولة عن التوازنات الإقليمية الأوسع.

إسرائيل، برأيه، تدير نشاطها العسكري والاستخباراتي في الجنوب وفق إيقاع محسوب يراعي ردود الفعل الدولية، لكنها في الوقت نفسه تحاول استغلال أي فراغ أو انشغال سوري–إقليمي لتحقيق أهداف تكتيكية، مثل إضعاف بنى عسكرية مرتبطة بدمشق أو تعطيل قنوات إمداد لحلفائها. 

ويرى أن إدراج هذا الملف في محادثات أنقرة يعكس محاولة لوضع سقف سياسي لتلك التحركات، بحيث يُرسل للطرف الإسرائيلي إشعارا بأن الاستمرار في التصعيد قد يدفع دمشق وأنقرة، رغم خلافاتهما، إلى تعزيز مستوى التنسيق في هذه الساحة الحساسة، ولو بقي ذلك ضمن الإطار السياسي أو الاستخباراتي المحدود.
 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا