الحوار مع حزب الله: ما هو لبنانه؟
استكمالاً لفكرة الحوار مع حزب الله وضرورته، لا بد من تسجيل المزيد من الملاحظات، ولا سيما تلك المرتبطة بسلوك الحزب ومواقفه، التي من خلالها يتمكن من البقاء في خانة شن الهجوم على خصومه ومشروعهم السياسي والاقتصادي والمالي. علماً أنه قبل انخراط الحزب المباشر في اليوميات السياسية اللبنانية، وبفعل توازنات إقليمية ودولية انعكست على الساحة اللبنانية، عاش اللبنانيون عصراً ذهبياً في حقبة التسعينيات. وهذا بغض النظر عن كل السجالات حول رفض النموذج الاقتصادي، لأن المشكلة بالأساس سياسية وكل الهجمات التي شنّت على النموذج الاقتصادي جاءت من منطلق سياسي.
أما بعد دخول الحزب إلى اليوميات السياسية، مع حليفه التيار الوطني الحرّ، وبعد تكريس منطق الغلبة بالنسبة إليهما في تسوية العام 2016، تدهورت الأوضاع المالية والاقتصادية في لبنان. وهذا مسار بدأ في تراجع النمو الاقتصادي منذ الانقلاب على حكومة سعد الحريري ومعادلة "سين- سين" في العام 2011.
الوجه الآخر
فكرة الحوار مع حزب الله لا يمكنها أن تكون قائمة على اعتراض مسبق، بالنظر إلى أن الحوار معه لا ينفع. فحتى لو لم يؤد هذا الحوار إلى أي نتيجة، إلا أن من شأنه أن يسحب من الحزب أوراقاً عديدة، يستخدمها سياسياً وإعلامياً. وبالتالي، لا بد من النظر إلى هذه الفكرة وفق المنظور الآخر له، أو بناء على الوجه الآخر الذي يمكن أن تكرسه، وأولها ابتعاد الحزب عن التصرف كمرجعية للجميع وعليهم أن يأتوا إليه للتحاور. فمشكلة هؤلاء الأفرقاء أنهم يقومون بذلك نظراً لتشتتهم.
في المقابل، فإن حزب الله مطالب أيضاً بسلوك نهج التوافق والتحاور الذي يدعو إليه، وبالتالي لا بد له من الاتجاه إلى الأفرقاء المختلف معهم، وطرح مبادرته وفتح أبواب الحوار أيضاً، لا سيما أن مسؤولي الحزب يؤكدون سعيهم إلى إيجاد حلول داخلية بدلاً من انتظار الحلول الخارجية. وهو ما يفترض به أن يكون الدليل الأبرز على جدية السعي من قبله نحو التوافق الداخلي.
الورقة الكويتية
يمكن لمن يذهب إلى محاورة حزب الله أن يرتكز على نص الورقة الكويتية كمنطلق لهذا الحوار، لا سيما أنها تشمل كل النقاط العالقة في المجالات السياسية، العسكرية والاقتصادية والمالية والدستورية وعلاقات لبنان العربية والدولية. انطلاقاً من التمسك بمبدأ أن المدى الحيوي للبنان هو الدول العربية والخليجية خصوصاً. وبالتالي، من يذهب للتحاور يمكنه امتلاك هذه الورقة للتفاوض حولها وتقديم عرض لها، وما يمكن أن ينتج عن تطبيقها. وبعد عرضها لا بد من توجيه السؤال إلى الحزب بشكل مباشر، حول رؤيته إلى حلّ الأزمة اللبنانية وتقديم الطرح الذي يقتنع به. ما يعني رمي كرة التصور للبنان لديه بدلاً من أن يكونوا هم في حالة بحث دائم عن ما يقولونه وما يطرحونه. ولا بد لهذا النقاش أن يتجاوز مسألة المقاومة، بمعنى البحث في الصيغة الاقتصادية والمالية والتعاطي مع صندوق النقد الدولي وغيرها.
ولا بد من التركيز على الفكرة العملية حول رؤية الحزب، كي لا ينتقل النقاش إلى الجدل حول ماهية الورقة التي قدّمها خصومه ويبدأ بتجويفها، كما حصل بالضبط مع المبادرة الفرنسية التي تم تقديمها للحزب، وبعدها جُوفت سواء من خلال الاعتراض على 10 بالمئة منها في اجتماع قصر الصنوبر، الذي عقده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع رؤساء الكتل النيابية.
ماذا يريد؟
يجب وضع الحزب أمام التفكير جدياً في تقديم رؤيته ووجهة نظره العملية للواقع في لبنان. خصوصاً أنه الطرف الأقوى حالياً ويحتفي بمعادلات أرساها. وبالتالي، هو مطالب بتقديم تنازلات للمحافظة على وحدة البلاد ووحدة نسيجه وتحسين علاقاته، القادرة على إعادة استنهاض اقتصاده. ومن الملفات التي يفترض بطرحها على أي طاولة للحوار، هي تطبيق اتفاق الطائف، وما لم يطبق منه، الخطة المالية والاقتصادية للنهوض، كيفية الحفاظ على وحدة البلاد ووحدة الموقف، بالإضافة إلى ملف الاستراتيجية الدفاعية.
حزب الله اليوم مطالب بتقديم رؤيته للبنان، وهو ما يفترض بخصومه الذهاب لسؤاله عنه. فإما أن يكون لديه نموذجاً قابلاً للنقاش وقد يقنعهم به، وإما بعدها بإمكانهم القول إن ثمة خلافاً جذرياً. أو أنه في حال لم يكن هناك أي مشروع واضح، فبإمكانهم عرض ما جرى وإبراز الدليل بأن الحزب لا يمتلك هذا المشروع، وبالتالي ستكون البلاد أمام خيارين: إما بروز مقومات لاستمرار الحوار حول كيفية العمل بشكل جذري ومتكامل، مروراً بتسوية سياسية شاملة، وإما استمرار واقع الاستنزاف القائم بانتظار الحلول الخارجية، التي ستعيد إحياء منطق التسويات المرحلية، طالما أن لا قدرة ولا جهوزية لفرض وقائع جديدة في بنية النظام وتركيبته.
منير الربيع - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|