ماذا قصد برّاك بـ"الشيعة سيستفيدون من سحب السلاح"؟
خلافاً لما يُروَّج في بيروت، لم يكن هناك زيارة أو مشروع زيارة لتوماس برّاك إلى لبنان قبل 5 و7 آب المنصرمين. بعد صدور القرارين عن مجلس الوزراء في هذين التاريخين، جرى تحديد الزيارة. لماذا؟ ببساطة لأن واشنطن تريد ترسيخ القرارين، ولأنها أرادت القول إن ما بعد القرار ليس كما قبله.
بهذا المعنى، حملت الزيارة رسالة واضحة: الورقة الأميركية "نهائية"، ولا مجال للعودة إلى الوراء. وهذا قطع الطريق على "أفكار" تداولها حزب الله وشريكه حركة أمل، حول مدة إمكان إقناع رئيس الجمهورية جوزاف عون بتجميد تنفيذ القرارين لفترة معينة طالما لا قدرة على التراجع عنهما، وثمة عقابات كثيرة تقف أمام تطبيقهما.
في السياق نفسه، اعتُبر كلام رئيس الجمهورية عن "تلازم المسارات" – بمعنى أن قرار الحكومة اللبنانية لا يُعتبَر نافذاً إن لم يقترن بتنفيذ إسرائيلي مماثل – مجرّد كلام بلا مفاعيل سياسية، وهو ما ثبّته توم برّاك في زيارته الأخيرة.
في بيروت، حدّد برّاك أولويات واشنطن، التي بدورها عيّنت "شرطياً مشرفاً" على التنفيذ.
الأولويات تقوم على: الالتزام بالقرار كما أقرّ في مجلس الوزراء، البدء بتطبيقه عبر تقديم الجيش آلية تنفيذية واضحة، وفيما بعد الانطلاق بمفاوضات حول الانسحاب من المواقع المحتلة، إطلاق الأسرى، وترسيم الحدود.
من الواضح أن "الشرطي" ستكون مورغان أورتاغوس، المكلَّفة بدور جديد – قديم: التأسيس والإشراف على اللجان المعنية بالتفاوض (رغم أن الآلية لا تزال غامضة).
يضاف إلى ذلك "شق أممي" يرتبط ويتعلق بوظيفتها الحالية كعضو في بعثة أميركا لدى الأمم المتحدة، خصوصاً ما له علاقة بملف التجديد لـ"اليونيفيل". بموجب ذلك، سيتم تكليف مورغان أورتاغوس السهر على تطبيق النص الجديد الذي يربط بالتمديد ولاحقاً بدء انسحاب الجنود الأمميين تدريجياً من جنوب لبنان وي غضون 6 أشهر كما أقرّ وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، ومع تولي الجيش اللبناني ملء الفراغ. وفي هذا السياق، بدأ الجيش فعلياً دورات عسكرية مكثفة تستهدف تطويع نحو 5000 عنصر على مراحل، لينضموا إلى أكثر من 8000 جندي منتشرين حالياً جنوب الليطاني.
بالعودة إلى عنوان المقال، قال توماس برّاك في بيروت: "إن الشيعة سيستفيدون من سحب السلاح من حزب الله"، مضيفاً مغريات موجّهة إلى الشيعة عموماً.
في هذا الجانب، يتذاكى برّاك، موجهاً رسائل إلى "الانتلجنسيا" الشيعية التي تفكّر بمصير الطائفة ويحتلها هاجس المستقبل.
بعض هذه النخبة يرى أن مقايضة السلاح بمكتسبات داخل النظام السياسي – الحالي أو أي نظام لاحق – قد تكون مفيدة على المدى الطويل. هذه الفئة قرأت في كلام برّاك فتحاً لنافذة نقاش قد تتحوّل مع الوقت إلى باب. جزء آخر استند إلى إشارة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في خطبته الأخيرة حول الميثاق والسلاح الوارد في اتفاق الطائف وإعتبار ما جرى عبر القررين مساً بهما، بأن النقاش قد انطلق فعلاً.
في المقابل، فسر آخرون عبارات براك بمثابة "نصيحة" موجَّهة إلى النخب والعامة الشيعية. بحيث أن تسليم السلاح سيعود بفوائد ملموسة، مثل تدفّق الأموال لإعادة الإعمار، السماح بعودة السكان إلى القرى الأمامية، وقف الاغتيالات والاعتداءات –أي توفير الأمن-، وتأسيس بيئة أكثر استقراراً.
برّاك، الذكي في رمي المفردات وترك الأطراف تفسّر على هواها، والشهير بأنه يبطن ما لا يقصد حرفياً، أراد من عباراته جملة أمور وليس قضية واحدة. ولعله قصد من كلامه الغوص في الأفكار العميقة لا الاكتفاء بالقشور.
على أي حال، فالموضوع مرتبط مباشرة بالمشروع الأميركي – الإسرائيلي ساري المفعول والرامي ليس فقط إلى نزع سلاح حزب الله، بل تفكيك الحزب ومؤسساته، عبر ما يُسمّى مشروع "تحرير الشيعة من أيديولوجيا حزب الله"، وهي أفكار يرددها مفكرون إسرائيليون ويعتبرون أنه العلاج الأمثل لـ"ظاهرة الحزب". وهذا يأخذ أشكالاً متعددة: من نزع السلاح، إلى ضرب القدرات المالية، وصولاً إلى تقويض الخدمات التي تقدمها مؤسسات الحزب، كـ"مؤسسة الشهيد"، "القرض الحسن"، وغيرها.
الغاية، وفق هذا التصور، التأسيس –على ركام الطائفة- نواة شيعية بديلة، أكثر انسجاماً مع فكرة "إسرائيل" و"العيش بسلام بين جارين". وهنا تذكير بأن الأفكار الحديثة لدى واشنطن وتل أبيب تنطلقان من التعلم من تجربة 17 أيار 1983، حين سقط الاتفاق لبنانياً بثورة شعبية قادها من لم يكونوا ضلعاً في الإتفاق ولم يصغ معهم بل مع آخرين (المسيحيين) الذين لم يكونوا على تماس مباشر مع إسرائيل، مقارنة بالشيعة الجالسين على الحدود مباشرةً ولديهم دورة حياة فاعلة.
لذا، ما يقصده برّاك بـ"استفادة الشيعة" وعلى ما نفهمه، هو بالضبط تحويلهم إلى نسخة شبيهة بدروز جنوب سوريا. فئة تراها إسرائيل جاراً وتعقد معهم تسوية وتزعم حمايتهم، وتخلق لهم إطاراً مستقلاً عن دولتهم الأم وتدعم لهم ذلك.
قد يبدو الكلام صادماً، لكنه يعكس حقيقة ما تفكّر فيه واشنطن كاستخلاص للعِبر من تجربة 17 أيار 83. غير أن العقبة الأساس تبقى أن جزءاً كبيراً من شيعة لبنان، المتأثرين بالثقافة الكربلائية –وهم الأكثرية على أي حال-، لا يغريهم هذا النوع من "السلام" الغير ممكن، ولا يطمئنون للعيش بجوار إسرائيل على هذا الأساس. بل إن لا أحد يضمن، حتى لو ذهبت الدولة أو بعض قياداتها –أو قياداتهم- مستقبلاً نحو هذا النوع من التسويات، ألا يخرج من بينهم محمد سعد، أو محمد قانصو "ساجد الدوير"، أو سمير القنطار آخر وينهي المسألة.
عبدالله قمح -“ليبانون ديبايت”
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|