التحوّل الأخطر في خطاب حزب الله!
لم يَعُد خطاب «حزب الله» في الأسابيع الأخيرة شبيهاً بما اعتاده اللبنانيّون على مدى سنوات. الانتقال من لغة التهدئة والتمويه السياسي إلى خطاب صريح يقوم على التعبئة والتحشيد، شكّل منعطفاً بالغ الدلالة في المشهد اللبناني والإقليمي. هذا التحوّل، الذي تزامن مع قرارالحكومة بتنفيذ حصرية السلاح بيَد الدولة، يفتح الباب أمام أسئلة عميقة حول خلفياته الاستراتيجية واحتمالاته المستقبلية.
منذ بداية الصيف، بدت خطابات الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم متخمة بمفردات «الجهوزية»، «المعركة المقبلة» و»الردّ الحتمي»، على حساب لغة الحوار والمواءمة التي اعتاد الأمين العام السابق للحزب السيد حسن نصرالله اعتمادها.
هذه النبرة الجديدة لم تأتِ من فراغ؛ فهي انعكاس مباشر لقراءة الحزب لمسار الأحداث من غزة إلى جنوب لبنان، ومن الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية المفتوحة إلى تصاعد الضغوط الأميركية ـ الأوروبية في شأن حصرية السلاح في الداخل اللبناني.
في السياق الإقليمي، رسائل الحزب باتت جزءاً من معركة النفوذ الأوسع بين واشنطن وطهران. العملية العسكرية الإسرائيلية ضدّ إيران، وما رافقها من استهداف بنى تحتية نووية وصاروخية، أعادا رسم خطوط المواجهة. وجد «حزب الله»، في اعتباره الذراع الأكثر التصاقاً بالملف الإيراني، نفسه أمام اختبار استراتيجي يفرض خطاباً أكثر وضوحاً، وأقرب إلى العسكرة العلنية.
العوامل المحركة
ثلاثة دوافع أساسية تُفسّر هذا التحوّل:
إقليمياً: الإنخراط في حرب الظل بين إسرائيل وإيران بلغ مستوى غير مسبوق، مع تنامي خسائر الحزب في المواجهه مع إسرائيل.
داخلياً: الإنهيار الإقتصادي وتفاقم النقمة الشعبية يضغطان على الحزب لتظهير أوراق القوة كوسيلة ردع داخلية وخارجية في آنٍ.
سياسياً: الضغوط الدولية والعربية لنزع سلاح الحزب ومفاوضات مجلس الأمن حول تمديد مهمّة «اليونيفيل»، دفعت الحزب إلى التشدّد في خطابه لإيصال رسالة مزدوجة: رفض المسّ بموازين القوى الراهنة، واستعداد للذهاب بعيداً إذا فُرضت وقائع جديدة.
التوقيت ورسائله
اختيار هذا التوقيت للتصعيد الخطابي ليس اعتباطياً. فالتقاطعات الميدانية في غزة، الضغوط الأميركية على الحكومة اللبنانية لنزع السلاح، والتحرّكات الأوروبية في مجلس الأمن، كلّها جعلت من اللحظة الراهنة مساحة مثالية للحزب لإطلاق «جرس إنذار» إقليمي.
الرسالة موجّهة إلى حلفائه قبل خصومه: الاستعداد لمواجهة طويلة ومفتوحة، وإلى الداخل اللبناني: الحزب ما زال ممسكاً بزمام القوة، على رغم ممّا مُنيَ به من خسائر هائلة على كل المستويات القيادية والعسكرية والتنظيمية والمالية والميدانية.
التداعيات المحتملة
تبقى الإنعكاسات المباشرة لهذا التحوّل التي قد تتجلّى في ثلاثة مستويات:
ـ سياسياً: زيادة الاستقطاب الداخلي وتعطيل أي محاولة لتسوية داخلية متوازنة.
ـ أمنياً: ارتفاع احتمالات انزلاق الجنوب إلى جولات عسكرية متقطعة أو حرب شاملة.
ـ اجتماعياً: تعميق الانقسام الشعبي. إذ يرى بعض اللبنانيِّين في خطاب الحزب حماية وردعاً، فيما يراه آخرون استدعاءً للفوضى.
في الخلاصة، يمكن القول، إنّ خطاب التعبئة الحالي هو مؤشر إلى إعادة تموضع استراتيجي أكثر منه إعلان حرب وشيكة. لكنّه في الوقت عينه يرفع منسوب المخاطر. ويتمثل السيناريو الأقرب في استمرار التصعيد الخطابي مقروناً برسائل ميدانية محسوبة، في انتظار اتضاح اتجاهات النزاع الإقليمي. غير أنّ احتمال الانفجار يبقى قائماً، إذا ما تلاقت شرارة ميدانية في الجنوب مع حسابات إيرانية ـ إسرائيلية غير مضبوطة.
بكلمة، لبنان يقف اليوم أمام منعطف حرج: خطاب «حزب الله» لم يَعُد مجرّد خطاب، بل تحوّل بوصلة إنذار مبكر، بأنّ المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من الاختبار الدموي لمعادلات القوة.
مرلين وهبة - الجمهورية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|