لبنان: تلازم الليل والجريمة وهراء الوزير
طارق اسماعيل - كاتب لبناني
"درج"
تكاثر القتلة، كما ضحاياهم، ليس بالضرورة وليد العوز كما يُشاع، إنه غالباً سياق جرمي يستفيد من تلاشي الأمن إلى حدوده الدنيا، فيما المغدورون يدينون بموتهم لآفتين متلازمتين. النزعة الجرمية عند القاتل، وكذبة الأمن الممسوك التي تحاول السلطة أن تستجدي من خلالها هيبتها المفقودة.
يتأهب اللبنانيون لمغادرة ليلهم. هذا غالباً ما سيفضي إليه تمدد جرائم القتل التي لن يكون قتل ابن بلدة القصيبة الجنوبية علي خضر مهدي آخر فظائعها.
والمغدور هو ضحية مسار لامس اللبنانيون راهناً معايشة طقوسه الدموية بوتيرة متصاعدة، وبالتوازي مع سقوطهم القسري في الأزمة الاجتماعية الحادة التي طوقت حياتهم.
لكن تكاثر القتلة، كما ضحاياهم، ليس بالضرورة وليد العوز كما يُشاع، إنه غالباً سياق جرمي يستفيد من تلاشي الأمن إلى حدوده الدنيا، فيما المغدورون يدينون بموتهم لآفتين متلازمتين. النزعة الجرمية عند القاتل، وكذبة الأمن الممسوك التي تحاول السلطة أن تستجدي من خلالها هيبتها المفقودة.
من نافل القول مثلاً، ان اللبناني الساذج هو من يركن إلى ما يسقط من أفواه قادة الأجهزة الأمنية عن أمن ممسوك. أو أن يتلمسه من برامج “التوك شو”، عبر إطلالات وزير الداخلية بسام المولوي المتواترة، وقد صار الأخير ضيفها الدائم.
ومع وزير الداخلية تحديداً، تتكثف سذاجة اللبنانيين الذين يحيلون أمنهم على تماسك يقترفه وزير هو أكثر العارفين بحال الأمن ورجاله، وله في حالات الموت الطوعي لهؤلاء، أو في فرارهم، أو في بحثهم عن موارد الكسب خارج مهنتهم، ما يهمش واقعاً زائفاً يخدع به مواطنيه. والسذاجة تتحول إلى خلل عقلي حين لا يرصد المرء أن حديث الرجل عن الأمن هو فرضية تأتي غالباً هامشية في سياق ما يُراد من استضافة غايتها الأساسية هي الاستثمار في السياسة. وهل من سذاجة أكثر من عدم الاكتراث إلى كم المخزون السياسي الذي يهرقه وزير الداخلية راهناً، وبمفعول رجعي، ضد العهد الآفل.
لن يبقى “عز الليل” للسهر على ما غنت فيروز. فالتلازم بين الليل والجريمة أسس على الأرجح إلى جزع لن يبدده هراء وزير أو مدير عام جهاز أمني. وعلى اللبنانيين أن يباشروا ليلاً نوعاً من العزل القسري في منازلهم على وقع مسلسل الجرائم المتنقلة والمتصاعدة، وبافتراض واقعي أن مصيرهم المنتظر هو القتل.
لكن القتل الراهن، وما سبقه، وما سيليه، سيبقى قتلاً عادياً طالما أن مسؤولية ردعه ملقاة على سلطة تملك من أسباب الهشاشة والوقاحة، ما يكفي اللبنانيين لإدمان نائبتين اثنتين، العوز والقتل. وأغلب الظن أن من تغلبه إنسانيته على اجتناب الأولى بالثانية، قد يجد نفسه ضحية الأخيرة وقد تفشت ظاهرتها.
نحن والحال أمام سلطة ومجرم وضحية، والربط بين مكونات الحدث ليس عبثاً. هناك مجرم يستثمر في وهن السلطة، وضحية هي نتاج لذلك الوهن. لكن الربط على رجاحته، يفضي غالباً إلى فكرة تكتسب قابليتها من حيثيات الجريمة. نحن أمام قاتلين وضحية، حيث وهن أداة العقاب، إن لم نقل تلاشيها، هي بالضرورة المعبر إلى استسهال الجريمة. وفي لبنان، على ما يعرف القاتل، والضحية، والسلطة نفسها، أن ليس من وهن أكثر مما يعتري هذه الأخيرة وقد صنعته بيديها.
مُتَّحِداً مع خضر مهدي في أسباب القتل، وفي تماس زمني، قُتل كريم طه. الشاب اللبناني قُتل في بيروت وهو عائد سيراً، بعد مشاهدته إحدى مباريات كأس العالم لكرة القدم المقامة في دولة قطر. لكن قتل طه وسياقه أفضى إلى تكثيف المقاربة الدائمة بين المواطن والسلطة. فلحظة قتل المغدور هي غالباً اللحظة ذاتها التي كان فيها جبران باسيل يشاهد المباراة نفسها من الملعب، ومن منصة النخبة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|