مورغان أورتاغوس… مالئة الدنيا وشاغلة الناس

لم يكن ظهور السيدة مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الرئاسي الخاص للسلام في الشرق الأوسط، في أحد صالونات تصفيف الشعر في بيروت، مجرّد تفصيل اجتماعي عابر.

فلو كان الأمر يقتصر على العناية بمظهرها، لكانت ببساطة استدعت المصفّف إلى مكان إقامتها أو لجأت إلى أسلوب أكثر خصوصية.

لكنّ اختيارها النزول إلى وسط بيروت، والجلوس علنًا في صالون لتصفيف الشعر (Hair Salon)، ثم التجوّل بين محلات ومطاعم الوسط التجاري وتناول العشاء في احدها بدعوة من النائب راجي السعد وبحضور عدد مختار من النواب والشخصيات السياسية، لم يكن تصرفًا عاديًا، بل كان خطوة محمّلة بالدلالات والرسائل.

لقد التقط الدكتور فارس سعيد هذه الدلالة بذكاء، وبمفهومها السياسي، ووصف الحدث بغير العادي، وهو توصيف في مكانه تمامًا.

وهذا ما دفعني للتوقف عند الموضوع وقرأته وتحليله من الجانب السياسي البحت.

أورتاغوس أرادت أن تقول بوضوح إنّ بيروت ما زالت مدينة نابضة بالحياة، متألقة بجمال شعبها وذوقه، وغنية بمبدعيها في كل المجالات من مصمّمي الأزياء، ومصفّفي الشعر، إلى الأطباء، والمهندسين، ورجال القانون والفكر والفن.

لقد جاءت هذه الحركة الرمزية لتُظهر وجهًا آخر للعاصمة وجهًا حضاريًا راقيًا يتخطى العناوين السوداوية التي تحاصر لبنان.

غير أنّ الرسالة الأعمق تكمن في بعدها الأمني والسياسي. فالظهور العلني لأورتاغوس في قلب بيروت يعني أنّ واشنطن أرادت إيصال إشارة مزدوجة...

١. أنّ العاصمة اللبنانية ما زالت آمنة وقادرة على استقبال شخصيات دولية بارزة.

٢. أنّ الولايات المتحدة حاضرة بقوة في الساحة اللبنانية، ليس فقط عبر البيانات الدبلوماسية، بل أيضًا من خلال التواصل المباشر والعلني مع الناس.

قد تبدو "التسريحة" في ظاهرها شأنًا شخصيًا، لكن جوهرها يعكس أنّ البلد يمرّ بأزمات خانقة، لكنه لم يفقد قدرته على جذب الاهتمام الدولي، ولا يزال يحتفظ بعناصر إرادة الحياة والانفتاح. وإنّ بيروت ما زالت في صلب المعادلة، واميركا تريدها كذلك.

من هنا، يمكن القول إنّ أورتاغوس اختارت أن توجه رسالة من نوع آخر... رسالة ثقة بالحياة وبالناس، وبقدرة لبنان على النهوض من كبوته.

وللقول أيضًا ان بيروت ليست مدينة ميّتة، ولبنان لم يُترك لمصيره، بل ما زال على خريطة الاهتمام العالمي.

الأهم أنّ هذه الرسالة لم تمرّ مرور الكرام، بل التقطها اللبنانيون، ولا سيما أولئك الذين يطمحون لرؤية وطنهم بصورة مختلفة وطن نابض بالأمل، وقادر على تحدي الموت بالحياة.

دافيد عيسى – سياسي لبناني