الصحافة

"حزب" نواف سلام

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

وسط مناخ استقطابي محموم ومسموم، يدفع إليه "حزب الله" دفعًا عبر خطاب مفرط في التمذْهب السياسي الراديكالي، ومظلّل بحملات تحريض وتخوين توجّه ضد الدولة عمومًا، ورئيس الحكومة خصوصًا، طرح الكاتب والمؤرّخ حازم صاغية مبادرة غير تقليدية في الحياة السياسية اللبنانية، على الأقل في "جمهورية الطائف"، لمواجهة حملة التخوين "الدنيئة" التي يتعرّض لها الرئيس نواف سلام من قبل الآلة الإعلامية "الممانِعة"، بالشراكة مع جيوش "الحزب" الإلكترونية، وأفواج "الأهالي".

صاغ صاغية بيانًا يستنكر تلك الحملة، نشره على حساباته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتداعى إلى توقيعه مثقفون من مشارب فكرية متعددة، ممّن لديهم بصمة في عوالم الثقافة، ولم يُعرف عنهم مداهنة السلطة أو التطبيل لها سابقًا أو راهنًا، في محاولة لتصويب النقاش، وتطهير الحيّز العام من اتهامات التخوين التي تُغدق بلا تفكير أو حساب على الآخر، وتصادر رأيه وحقّه في الخروج من إسار القوالب الفكرية الجامدة.

تكمن أهمية هذه المبادرة في أنها نِتاج إرادة فردية واعية، وقرار عقلاني لما يقارب 700 مثقف، تداعوا إلى كسر العزلة التي يُراد إسباغها على الرئيس نواف سلام، وتحدّي الصور النمطية للتضامن مع الزعيم "المعصوم" أو الرئيس "المعبود"، ودعمه سواء كان "ظالمًا أم مظلومًا"، من خلال مزيج منظم يجمع بين جيوش إلكترونية تغرّد بناء على تعميم بسيط عبر مجموعات "واتساب"، وبين قاعدة حزبية مؤدلجة مستعدة للموت من أجله، يُضاف إليها أحيانًا فزاعات عشائرية، وغالبًا جمهور الطائفة أو المذهب وحماة العقيدة.

ولأن الثقافة لا ترتكز على الجمهرة، بل على نقد الأفكار، وتفكيك السرديات، فإن البيان يغدو بمثابة وثيقة تأسيسية لحزب نواف سلام، المعبر عن نخبة رصينة تحلّقت حول رئيس الحكومة، المنتمي في الأساس إلى هذه القماشة الرفيعة، لتشكيل حاضنة لنموذج رجل الدولة الجدّي الذي يقدّمه في الحكم، متخفّفًا من "هيلمان" السلطة و"صولجان" العرش، مفسحًا المجال أمام إعادة تجسيد روح الديمقراطية وقيم التنافسية والمعارضة السياسية للحكم ضمن الضوابط الدستورية والقانونية.

في كتاب "المثقف والسلطة"، يعرّف المفكر العربي الفلسطيني إدوارد سعيد المثقف بـ "الذي يملك ملكة المعارضة، وملكة رفض الركود". والحال أن "حزب" نواف سلام أو "حزب رجل الدولة" يجسّد هذا التعريف. إذ ينطلق من رفض الركود الذي فرضته الأيديولوجيا الحاكمة للحقبة السابقة بأخلاقياتها التخوينية وترهّلها الفكري، ويتبنّى محاولة إصلاح المناخ السياسي في مواجهة كل زعيم "استخفّ قومه فأطاعوه" على طريقة فرعون، وكل حزب يعتنق نهج غوبلز "كلما سمعت كلمة مثقف تحسّست مسدسي"، مع الحفاظ على هامش واسع لنقد قرارات واستراتيجيات الرئيس سلام، وكل أعضاء الحزب الحالي.

لطالما كانت العلاقة بين المثقف والسلطة جدلية وملتبسة، ولا سيما في دول المشرق، ودار بينهما صراع جرى توصيفه بـ "صراع السيف والقلم"، بعدما اتخذ المثقفون في الغالب موقفًا معارضًا لاستبداد أنظمة الحكم وتسلّطها، دفعوا ثمنه غاليًا، فتوزّعوا بين مضطهد ومعتقل ومنفيّ وشهيد، ما خلا فئة محدودة طوّعتها تلك الأنظمة ووظّفتها لأدلجة الجماهير.

إذّاك يشكّل توثّب المثقفين لدعم الرئيس نواف سلام ما يمكن اعتباره خرقًا تاريخيًا، يجعل "القلم" يعضد "سيف الدولة البيروتي" في صراعه مع أصحاب السلاح، وإصراره على تطبيق "اتفاق الطائف"، واسترداد قرار الدولة المخطوف من حزب يدّعي احتكاره العلاقة مع الله وتجسيده وحده لإرادته، بالشراكة مع طبقة من زعامات وأركان حرب وساسة ورجال أعمال.

يقول صاغية في البيان "ما يفعله سلام ليس أكثر من تطبيق لما ورد في البيان الوزاري، وفي خطاب القسم، ممّا توافق الفرقاء السياسيون جميعًا على تأييده". وهنا بيت القصيد. ذلك أن الحملة الشرسة التي تشنّ عليه سببها الأساسي أنه فضح نفاق "الحزب" ونكثه لعهوده. فهو ما وافق على البيان الوزاري لتنفيذه، بل لكسب مساحة من الزمن يستثمرها "الوليّ الفقيه" على طاولة المفاوضات مع أميركا لإطالة عمر مشروعه المترنّح، دون الاهتمام بالمخاطر التي تحيط بحاضنته الشعبية.

في لحظة شديدة الحساسية ومثقلة بصواعق التفجير، يرتصف المثقفون خلف الرئيس سلام، ما عدا مثقفي البراميل طبعًا، لدعمه في قلب المعادلة، والعودة إلى حدود الدولة الطبيعية جغرافيًا وسياسيًا والأهم فكريًا، وحماية الديمقراطية من التدمير، بموازاة رفع "مناعة اللبنانيين حيال الأكاذيب الرخيصة التي حكمتهم طويلًا"، وصون الديمقراطية ممّن لا يعترف بها أساسًا.

سامر زريق - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا