القضاء أمام تحدٍ صعب: هل يُستدعى قاسم إلى التحقيق بعد تهديد السلم الأهلي؟
يواجه القضاء اللبناني اختبارًا صعبًا. ففيما تتصاعد التوترات الأمنية والسياسية، تُصوّب الأنظار إلى مصير الدعوى الجزائية المرفوعة ضد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم.
يُتهم قاسم بأن خطاباته تُهدّد السلم الأهلي في لبنان. لذلك، تَقدّم عددٍ من النواب والشخصيات السياسية بشكوىً ضده أمام النيابة العامة التمييزية، بناء على أن القضاء هو حامي الحريات والسلم الأهلي.
موقف سياسيّ
عمليًا، هي دعوى مختلفة عن الشكاوى الجزائية التي تُرفع عادةً أمام القضاء. ففي مضمونها، موقف سياسيّ واضح. ووفق ما صرّح النائب جورج عقيص بعد تقديم الدعوى، "كل خلاف سياسيّ إذا خرج عن القانون يجب أن يحكم فيه القضاء". وقُدمت هذه الشكوى بناء على أن كلام قاسم "تضمّن الكثير من التهديد بالحرب والفتنة والانقلاب على قرارات اتخذتها السلطة الدستورية..".
مفاد هذا الكلام، أن كرة الخلافات السياسية رُميت في ملعب القضاء. لذلك، تبرز تساؤلات أساسية حول مصير هذه الدعوى، وإن كان قاسم سيُطلب إلى التحقيق.
تُقارَب الدعوى المرفوعة ضدّ قاسم بميزانٍ يجمع السياسة بالقانون. لا تُقرأ القضيّة بوصفها إجراءً قضائيًّا صرفًا؛ بل اختبارًا لصلابة المؤسسات في لحظة اصطفافٍ سيّاسيّ حادة.
مساران لهذه القضية:
المسار الأوّل: أن يحفظ القضاء الدعوى ويعتبرها كأنّها لم تكن؛ أي رميها في الأدراج.
المسار الثّاني: أن يُحرّك القضاء الدعوى ويحوّلها إلى الضابطة العدلية. وتبدأ عملية البحث عن قاسم، لإبلاغه بموعد جلسةٍ للاستماع إليه. وهذا السيناريو مُستبعد إلى حدٍّ كبير.
بناءً على ذلك، يقف المدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجّار عند تقاطعٍ دقيق بين استقلاليّة المنصة القضائية وحساسيات الشارع: أي تباطؤٍ يُؤوَّل اصطفافًا، وأي تسريعٍ يُفسَّر استفزازًا.
قضائيًا، سُجلت هذه الدعوى في قلم النيابة العامة التمييزية، انطلاقًا من حق أي شخصٍ في تقديم أي شكوى قضائية. وحُوّلت إلى الحجار الذي يُفترض أن يطلع عليها بتمعنٍ تمهيدًا لاتخاذ قراره بها.
للشرح أكثر، من الوارد جدّاً أن يُقرّر الحجار حفظ الدعوى. أسباب كثيرة قد تدفعه إلى اختيار المسار الأول، خصوصًا أن تحريكها سيؤدي إلى استفزاز حزب الله وبيئته. وبالتالي، فإن حفظ هذه الشكوى يعني الحكم عليها بالموت، فتتحول تلقائيًا إلى دعوى غير موجودة.
أما إن قرر اختيار المسار الثاني، فإنه قد يحول الملف إلى الضابطة العدلية. فيستعين بقطعٍ أمنية من الضابطة العدلية التي قد تمتلك القدرة على الوصول إلى مكان إقامة قاسم. على سبيل المثال: شعبة المعلومات، مخابرات الجيش أو الأمن العام. وهذه الخطوة تعني أن القضاء اتخذ مسارًا جديًا في هذه الدعوى.
في المقابل، من الممكن أن يقرر الحجار تحويلها إلى المباحث الجنائية المركزية؛ القسم الموجود في قصر عدل بيروت الذي يعمل بإشارته، بهدف متابعتها بتروٍ وهدوء.
وهنا، يطلب الحجار من رئيس المباحث الجنائية المركزية، العميد نقولا سعد متابعة هذه الدعوى، فتكون مهمته معرفة مكان إقامة قاسم، ثمّ التوجه إليه. وهذا أمر صعبٌ للغاية إن لم يكن مستحيلًا؛ ذلك أنّ مسألة التبليغ ليست تفصيلًا تقنيًا. إذ ليس ممكنًا معرفة مكان إقامة قاسم أكان في لبنان أو خارجه خصوصًا في ظل هذه التطورات الأمنية والعسكرية. مع العلم أن هذا السيناريو قد يكون الأكثر ترجيحًا. وفي حال عدم العثور على قاسم، وهو أمر متوقع، يُبلّغ الحجار عبر سعد بتعذر التبليغ، فتقفل الدعوى.
وبهذه الخطوة، يتجنب الحجار استفزاز أي طرف سياسيّ. وعادةً ما يُحوّل إلى المباحث الجنائية المركزية الملفات التي يرغب بمتابعتها بتروٍ، وحلّها "على البارد". وبهذا التصرف القضية "تأخذ وقتها" على الطريقة اللّبنانيّة المألوفة. فـ"لا يموت الديب ولا يفنى الغنم".
امتحان قضائيّ
وهنا يجب القول إن مسألة الإبلاغ ليست تفصيلاً تقنيًّا؛ بل رسالةٌ تتعلّق بهيبة الدولة وبقدرتها على فرض مسار قانونيّ هادئ بعيدًا عن منابر الإعلام وإملاءات القوة. لذلك، تُطرح القضيّة بوصفها امتحانًا لبوصلة الدولة: فكيف تُصان هيبة القانون من دون تسييس القضاء، وتُدار توازنات الأمن من دون تعطيل العدالة؟
وانطلاقًا من حساسية هذه الدعوى، وإن كان مصيرها بات معروفًا، فإن وفدًا من حزب الله زار الحجار بعد تقديمها، بهدف معرفة مضمونها، والمسار الذي قد يسلكه القضاء اللبنانيّ.
لكنّ مصادر "المدن" أكدت أن الحجار لم يتخذ قراره بعد بما يتعلق بهذه الدعوى. انطلاقًا من أمرين: الحرص على عدم استفزاز أية جهة سياسية كانت، والقيام بعمله القضائي بما يُملي عليه ضميره.
فرح منصور - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|