محليات

انقلاب إيراني – إسرائيلي على ورقة توماس باراك

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في الخامس والسابع من آب 2025، اتخذت الحكومة اللبنانية برئاسة العماد جوزاف عون والقاضي نواف سلام قرارين يمكن وصفهما بالتاريخيين: حصر امتلاك واستخدام السلاح بالدولة اللبنانية وقواتها الشرعية، وتكليف الجيش بوضع خطة عملية وجدول زمني لتسلم سلاح حزب الله قبل نهاية العام. هذه الخطوات لم تكن مجرد إعلان نوايا، بل تجسدت ميدانيًا، قبل ذلك، عبر بدء الجيش والأجهزة الأمنية باستلام قواعد وأنفاق عسكرية لفصائل فلسطينية مرتبطة بسوريا في الناعمة وقوسايا وراشيا، و ولاحقا بتسلّم أسلحة من المخيمات جنوبًا. كما جرى، بمساعدة قوات اليونيفيل، إخلاء نحو 90% من مواقع ومخازن حزب الله جنوب الليطاني.

هذه الإجراءات لم تخرج من فراغ، بل جاءت كترجمة رسمية لاتفاق وقف الأعمال العدائية الذي تم التوصل إليه عبر الرئيس نبيه بري بموافقة حزب الله ومصادقة حكومة نجيب ميقاتي، وبوساطة المبعوث الأميركي السابق هوكشتاين. 

 التطور الأهم تمثل في الانتقال من مجرد التهدئة إلى وضع إطار دبلوماسي أشمل عبر ورقة توماس باراك، المبعوث الأميركي الجديد للرئيس ترامب إلى لبنان وسوريا وتركيا.

مضمون ورقة باراك

تضمنت الورقة إحدى عشرة نقطة، نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت، تهدف إلى الانتقال من وقف إطلاق النار إلى تسوية دائمة بين لبنان وإسرائيل. أبرز محاورها:

التزام لبنان بالدستور واتفاق الطائف وقرارات مجلس الأمن، ولا سيما القرار 1701، بما يعيد السيادة الكاملة للدولة ويضع السلاح حصريًا تحت سلطتها.

وقف شامل لإطلاق النار برًا وبحرًا وجوًا، تمهيدًا لحل دائم.

تفكيك الميليشيات المسلحة وفي مقدمتها حزب الله، بدعم دولي للجيش وقوى الأمن.

انتشار الجيش في المناطق الحدودية بدعم دولي.

انسحاب إسرائيل من خمس نقاط استراتيجية محتلة بعد الحرب الأخيرة.

عودة السكان إلى قراهم الحدودية، وترسيم نهائي للحدود مع إسرائيل وسوريا.

دعم اقتصادي دولي واعادة الاعمار عبر قمة تشارك فيها الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر.

برنامج مساعدات عسكرية مباشرة للجيش لتطبيق الاتفاق وضمان الأمن.

وضعت الورقة إطارًا زمنيًا يبدأ بمرحلة تمهيدية مدتها 15 يومًا، تُصادق خلالها الحكومة اللبنانية على أهداف الوثيقة، بما فيها الالتزام بتفكيك حزب الله بحلول 31 كانون الأول 2025، مقابل حزمة من المساعدات المالية والاستثمارية.

الموقف الإيراني وحزب الله

كما كان متوقعًا، قوبلت هذه الطروحات برفض قاطع من حزب الله وإيران. فقد أعلن الشيخ نعيم قاسم امين عام حزب الله، أن الحزب لن يسلم سلاحه “ما دامت إسرائيل تمارس عدوانها”، واعتبر مطالبة الحكومة بمثابة “استسلام”. وأكد في خطابه في 15 آب 2025 أن أي محاولة لمواجهة الحزب “ستجلب الموت للبنان”. أما إيران، فجدّدت على لسان علي لاريجاني وعلي أكبر ولايتي أن سلاح حزب الله “خط أحمر”، وأن قرار نزع السلاح “محكوم بالفشل”، معتبرة المقاومة جزءًا بنيويًا من استراتيجيتها الإقليمية. هذه المواقف أثارت ردًا رسميًا لبنانيًا، إذ رفض الرئيس جوزيف عون التدخل الإيراني، مشددًا على أن العلاقة مع طهران يجب أن تقوم على السيادة والاحترام المتبادل.

الانقلاب الأميركي – الإسرائيلي

لم يكن موقف إيران والحزب مفاجئًا أو مستغربًا. غير أن الانقلاب الحقيقي على مسار باراك جاء من الضفة المقابلة. فمع أن المبعوث الأميركي رحّب بقرارات بيروت، واعتبرها مدخلاً لإجراءات إسرائيلية مقابلة، إلا أن حكومة نتنياهو بدعم من لوبياته في واشنطن عرقلت التنفيذ.

أولاً، رفضت إسرائيل الانسحاب من النقاط الخمس المتفق عليها، مكتفية بالحديث عن “خفض متدرج للوجود العسكري” في الجنوب، بينما توسعت لاحقًا في احتلال نقاط جديدة. ثانيًا، ووُجِه باراك داخل الولايات المتحدة باتهامات من دوائر مؤيدة لنتنياهو بأنه يتساهل مع حزب الله ويسعى إلى تسوية في سوريا تحفظ وحدة أراضيها بدل تقسيمها، وبأنه يعيق مشاريع تطبيع سريع مع إسرائيل.

إلى جانب ذلك، دخلت شخصيات أميركية – مثل مورغان أورتيغاس وجين شاهين وليندسي غراهام – على الخط. وطالبت هذه الأصوات بانتقال لبنان من الأقوال إلى الأفعال، وهدد غراهام صراحةً بـ”خطة ب” لنزع سلاح الحزب بالقوة إذا فشلت الجهود السلمية. كما جرى إدخال أفكار لم تكن واردة في ورقة باراك، مثل إقامة “منطقة اقتصادية خالية من السكان” جنوب لبنان، ما مثّل محاولة واضحة لتفخيخ المبادرة.

ما العمل؟

لقد أدّى هذا الانقلاب المزدوج – من إيران وحزب الله من جهة، ومن إسرائيل وحلفائها في واشنطن من جهة أخرى – إلى تفريغ ورقة باراك من مضمونها وإجهاض مسارها. لكن المسؤولية اللبنانية تبقى قائمة:

1. عدم التراجع عن قرار حصرية السلاح بيد الدولة، باعتباره حجر الزاوية لأي بناء وطني.

2. التمسك بانسحاب إسرائيل خلف الخط الأزرق كشرط متلازم مع نزع سلاح حزب الله.

عمليًا، يقتضي ذلك أن تبدأ خطة الجيش بالسيطرة على منطقة جنوب الليطاني وصولًا إلى الخط الأزرق، بالتنسيق مع اليونيفيل، تنفيذًا لقرار مجلس الأمن. بعد كل مرحلة، يقوم مجلس الدفاع الأعلى بتقييم النتائج قبل الانتقال إلى المرحلة التالية. إن هذا الربط بين الانسحاب الإسرائيلي وتنفيذ قرار حصرية السلاح قد يشكل الإطار الواقعي الوحيد القادر على لملمة الموقف السياسي اللبناني، وإعادة الاعتبار إلى معادلة سيادية صلبة: لا سلاح خارج الدولة، ولا احتلال فوق أرضها.

حارث سليمان - جنوبية

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا