تساؤلات ومخاطر برسم الرئيس نبيه بري
أيام قليلة تفصلنا عن جلسة الحكومة المخصصة لمناقشة وإقرار خطة الجيش لتطبيق حصرية السلاح بيد الدولة حتى نهاية العام الجاري. لم يسبق لأية حكومة في لبنان أن وضُعت أمام استحقاق مماثل وربما اختبار مماثل يتكامل فيه النجاح بين عوامل خارجية ـــــــ تترتب على عدم احترامها تداعيات لا يمكن لأي فريق سياسي محلي أو إقليمي إدّعاء القدرة على مواجهة نتائجها ـــــــــ وعوامل داخلية لا تقل تداعيات المغامرة بعدم احترامها عن تهديد مستقبل لبنان كوطن وكمتّحد سياسي.
لا شك أن المسار السياسي الجديد وغير المسبوق الذي يندفع لبنان بإجماع مواطنيه للإقدام عليه يستنفر موروثاً سياسياً راكمته طموحات وصراعات دولية وإقليمية لعقود خلت. تضاف التجربة الجديدة إلى سابقات اعتقدت خلالها طوائف ومذاهب أخرى،كلٌّ بدوره، إنها شريكة في صناعة السياسات الدولية وليست أحد بيادقها، وتوهمت القدرة على بناء كيانات قابلة للحياة على قياسها. تأتي التجربة اللبنانية في سياقٍ سيؤدي حكماً الى الخروج نحو فضاء جديد، لكن أثمان التحوّل المنشود تبقى رهن صدقية الإرادة اللبنانية في الذهاب نحو حداثة سياسية حقيقة وليست شكلية لحماية الموروث القديم وإعادة تشكيله.
لقد خاطب الرئيس بري - في كلمته بمناسبة تغييب الإمام موسى الصدر في الأول من أمس - الحكومة من موقعه الطائفي وكرئيس لحركة سياسية، وليس كرئيس للسلطة التشريعية التي يمنحها الدستور صلاحيات المراقبة والمحاسبة وحجب الثقة بأكثريات موصوفة. إن إتهام أطراف «بالتنمر السياسي والشتم والتحقير والرهان على نتائج العدوان الإسرائيلي ...لانقلاب المعادلات وإعادة ضخ الحياة في مشاريع قديمة جديدة» هو استنساخ لمفردات وتعبيرات استخدمتها الطوائف المتنازعة خلال الحرب اللبنانية قبل أن تسقطها وثيقة الوفاق الوطني التي تمّ التوصل إليها في الطائف وأضحت دستور البلاد.
وفي محاولة لم تنجح لإعادة الأمور إلى نصاب الدستور بل كرّست الإنقلاب عليه، أكد الرئيس بري «أننا منفتحون لمناقشة مصير هذا السلاح .......، في إطار حوار هادئ توافقي تحت سقف الدستور وخطاب القسم والبيان الوزاري والقوانين والمواثيق الدولية، بما يفضي إلى صياغة استراتيجية للأمن الوطني تحمي لبنان....». فمن يناقش من، ومن هي الجهة التي تكلم بري بإسمها وهل هي جهة نديّة للحكومة؟
ما قاله الرئيس بري لم يخرج عن سياقات القلق من التخلي عن الموروث الطائفي المؤسّس لدور المكوّن الشيعي الممثل بحركة أمل وحزب الله في السلطة. وبهذا فهو يشبه إلى حد بعيد وربما لا يختلف مطلقاً عن أية تعبيرات عفوية قد يستخدمها أي مواطن شيعي لبناني جرى إخضاعه لشتى أنواع الترهيب التي اصطلح على تسميّتها بالأسباب الوجودية، لا سيما بعد ما إنتهت إليه حرب الإسناد وبعد سقوط النظام في سوريا. يدرك بري بأنه ليس بين اللبنانيين من يريد تصفية حسابات سياسية أو إستثمار نتائج الحرب على غرار ما فعل حزب الله في الداخل وما فعلت إيران في الإقليم بعد الإنسحاب الإسرائيلي في العام 2000 وبعد حرب تموز / آب 2006. ويدرك بري كذلك أنّ النقاش على استراتيجية الأمن الوطني لا يتم تحت وطأة السلاح إنما بعد استلام السلاح، وأنّ الحوارات السابقة حين كان يتعذر تطبيق الدستور لم تفضِ إلا إلى التمسك بالسلاح وأنّ التعنت في عدم تسليم السلاح لن يؤدي إلى إنسحاب إسرائيل من النقاط المحتلة.
ما يمكن استخلاصه من ثغرات فيما أدلى به بري أن وزراء أمل وحزب الله سيشاركون في الجلسة الحكومية وفي الموافقة على خطة الجيش دون الجدول الزمني في محاولة لإبعاد الجيش عن الخلاف السياسي وحصره بين الثنائي والحكومة، وربما هذا ما قصده بري عندما قال «من غير الجائز وطنياً بأي وجه من الوجوه، رمي كرة النار هذه في حضن الجيش اللبناني».
فهل اختار بري إلتزام موقعه الشيعي والحزبي وترك المبادرة لحزب الله في المرحلة المقبلة؟ وهل يعني التموضع خلف الحزب الذهاب حتى النهاية في المواجهة مع الحكومة، أم استعادة القيادة في التوقيت المناسب لإخراج الحزب من المأزق؟ وهل يطابق ما يعتبره الرئيس بري توقيتاً مناسباً العد العكسي الأميركي، وما هي مخاطر الخطأ في الحسابات على من أخطأ التقدير؟
العميد الركن خالد حماده - اللواء
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|